ربما تكون المصالحة حبل النجاة الوحيد
بقلم: يحيى رباح
2012/11/22

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14335

مساء الثلاثاء الماضي كان الناس في قطاع غزة ينظرون الى الساعات في أيديهم بترقب شديد، متى يحين الوقت؟ لكي يتم الاعلان عن التهدئة، التي قيل اسرائيليا انها حتى لو أعلنت التاسعة أو العاشرة فانها ستدخل حيز التنفيذ في منتصف الليل!!! ولكن الليل انتصف بالفعل، وانقضت قبله الساعة التاسعة والساعة العاشرة ولم تعلن التهدئة، بل الذي تم الاعلان عنه من قبل مراسلي وكالات الأنباء والاذاعات والفضائيات المحلية والعربية والدولية، هو المزيد من جنون القصف الاسرائيلي بالقذائف الكبيرة الحجم التي تلقيها طائرات f 16، والطائرات دون طيار، وقذائف الزوارق الحربية، وقذائف المدفعية والدبابات، وتدمير أهداف كبيرة ابتداء من مجمع الادارات الأمنية المدنية في أبو خضرة وصولا الى مجمع الكرامة للادارات الأمنية المدنية في رفح، مرورا بمئات من الأهداف الأخرى بما فيها قصف جسرين رئيسيين في وسط القطاع أقيما على وادي غزة، أحدهما بمحاذاة البحر والثاني بالقرب من منطقة المغراقة، وبقية الأهداف التي تشمل القطاع بأكمله، وهكذا بدأت أرقام الغارات تتزايد ومعها يقفز عدد الشهداء والبيوت المهدومة.

لماذا لم تحدث الهدنة، لأن المسافة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي في رؤية الهدنة كانت متباعدة جدا بحيث لم يفلح الشقيق المصري في التقريب بينهما، لأن الشريك المصري نفسه يستخدم نفس الأداة القديمة وهي الوساطة، ولكنه يريد أن يعلن عنها كما لو أنها ليست سوى دعم للجانب الفلسطيني الذي يتعرض للعدوان في غزة، بينما الجانب الاسرائيلي الذي افتعل هذه الحرب أصلا قبل تسعة أيام، يريد أن يحقق من ورائها عدة أهداف دفعة واحدة، من بينها مضاعفة الضغط على الرئيس أبو مازن حتى لا يمضي قدما نحو تصويت الجمعية العامة، ومن بينها أن هذه الحرب دخلت عنصرا رئيسيا في الحملة الانتخابية التي تجري في اسرائيل استعدادا لانتخابات مطلع العام المقبل، كما أن هذه الحرب يراد من ورائها على المستوى الاسرائيلي والأميركي أيضا أهداف فنية عسكرية تتعلق بالقبة الحديدية الاسرائيلية الصاروخية المضادة للصواريخ الفلسطينية القصيرة المدى، حيث توجد في اسرائيل أطقم فنية أميركية تحاول أن تتلافى أوجه النقص والقصور في هذه القبة الحديدية.

الموضوع اذا يتعقد، والموضوع داخل فيه أطراف غير الطرفين المتحاربين وهما الجانب الفلسطيني والجانب الاسرائيلي، فهناك الجانب المصري الذي تريد اسرائيل اقحامه بشكل رئيسي في هذه الحرب وتداعياتها ونتائجها، وهناك الجانب التركي الذي تطلب ضمانته لوقف هذه الحرب، وهناك الجانب الأميركي الذي كلما تعلق الأمر باسرائيل فانه يفقد موضوعيته وحياديته، ويتحول الى أعلى درجات الانحياز المطروح، ثم هناك اسرائيل التي تجري الانتخابات المبكرة قبل موعدها بسنة، ويخاف أطراف هذه الانتخابات من أن تكون النتائج سلبية، وبعضهم مهدد اذا فشل بالخروج من اللعبة السياسية كلها، مثل بنيامين نتنياهو وحليفه الاضطراري أفيغدور ليبرمان، وكذلك بقية الأطراف وخاصة تلك التي تقف في صف المعارضة ومن أبرزها الجنرال شاؤول موفاز وزير الحرب الاسرائيلي الأسبق.

وسط هذا التداخل والتناقض الذي يمارس بأعلى درجات العنف، استطاع الشعب الفلسطيني على المستوى الشعبي في غزة وفي الضفة وفي كل مواقع الشتات أن يرسل عن نفسه رسالة ايجابية وهي أنه شعب واحد في أحسن الظروف وفي أحلك الظروف، وأن هذه الوحدة تتعزز أكثر وأكثر أمام المحن والتحديات، وأن هذه الوحدة هي الضمانة الحقيقية قبل أي شيء آخر!!! كما أكدت أداة المقاومة من كافة الاتجاهات أنها موحدة فعلا في الميدان، وأن صوتها هو الأعلى، وأن صوتها هو الأكثر تعاطفا من قبل جماهير الشعب الفلسطيني!!! وهكذا ظهرت المصالحة الفلسطينية كما لو أنها الرافعة التي يحتاجها جميع الأطراف في هذه المعركة حامية الوطيس!!! بمعنى أن السلطة التي رأت شعبها الفلسطيني وحفزته أيضا في الضفة وقطاع غزة والقدس ليكون أكثر التحاما مع نفسه وأكثر تضامنا مع نفسه، أنه شعب يجسد المصالحة في أجمل صورها، وبالتالي فان هناك فرصة لقطبي الانقسام المستمر منذ أكثر من خمس سنوات وهما فتح وحماس مع بقية الكل الوطني لديهما فرصة بغطاء شعبي كبير، وبغطاء من هذا الدفاع البطولي عن النفس وعن المشروع الوطني، بأن يتخطيا الحاجز النفسي، وحاجز المشاكل المتراكمة، وأن يذهبا الى خطوات المصالحة بدءا بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي يكون الرئيس أبو مازن على رأسها بصفته رأس الشرعية الفلسطينية، وأن تمضي هذه الخطوات قدما الى الأمام بعد ذلك لاجراء بقية المنظومة المطلوبة من انتخابات وغيرها!!! وهكذا الحال مع الشقيقة مصر التي تستطيع أن تقفز فوق جميع الفخاخ المنصوبة في الطريق حين تساهم بجدية في انجاز المصالحة الفلسطينية، لان المصالحة الفلسطينية هي الرد الحاسم على خطط اسرائيل الرامية الى التخلص من قطاع غزة باخراجه من مساره ومصيره الفلسطيني ودفعه الى مشاريع شبه مجنونة ومستحيلة!!! فحين تحافظ القضية على وحدتها شعبا وأرضا وقيادة ومؤسسات، فان كل هذا العدوان الاسرائيلي الجامح يصبح بلا أفق وبلا قيمة على الاطلاق.

في هذه الأيام الصعبة، وتحت هذا العدوان الغاشم، وأمام هذه الأوهام الاسرائيلية الدموية، فان شعبنا بجهده المقاوم العظيم سواء بما يمتلكه من سلاح أو بما يمتلكه من ارادة، قد رسم لنفسه صورة عالية المستوى جدا، تليق به، وتليق بمشروعه الوطني، وتليق بأهدافه العادلة وعلى رأسها حقه باقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

http://www.miftah.org