حرب اختبارية
بقلم: خيري منصور
2012/11/24

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14337

سواء تم التوصل إلى هدنة طويلة الأمد أم واصلت “تل أبيب” عدوانها على قطاع غزة، فإن ما حققته من أهداف سياسية يتخطى القطاع إلى خارجه، وبالتحديد إلى مصر ما بعد ثورة يناير وفوز الإخوان المسلمين بالرئاسة .

فهي أعربت عن قلقها مراراً من تحولات بدت خلال العام الأول من الحراك المصري دراماتيكية وتنذر بإعادة النظر في قضايا عدة في مقدمتها اتفاقية السلام ومعاهدة كامب ديفيد، لكنها الآن ظفرت بنسرٍ وليس بعصفور فقط، إضافة

إلى النسر الأول الذي سقط مضرجاً بالحبر والدم معاً، عندما اطمأنت إلى استمرار معاهدة السلام، وبعد أن أعلن في القاهرة عن احترام السلطة الجديدة للاتفاقيات الدولية المبرمة مع مصر ومنها، بل أبرزها، معاهدة السلام .

ولا يهم ما إذا كان سقوط النسرْين بحجر واحد أو بصاروخ واحد، ف”إسرائيل” الآن تخرج من حالة القلق والترقب إلى مشهد سياسي يلعب فيه الرئيس المصري الجديد دور الوسيط بين تل أبيب وغزة، وإن كانت بعض التصريحات والمواقف التي بدت ساخنة قد مهدت الطريق إلى هذه الوساطة، لأن سحب السفراء، خصوصاً إذا كان من أجل التشاور، لا يعني التهديد بالقطيعة الدبلوماسية بين الدول، ويفقد فاعليته إذا لم يكن متبوعاً بتصعيد سياسي، لأنه عندئذٍ يبقى مجرد طقس بروتوكولي يهدئ من توتر الشارع .

إن حرب “تل أبيب” الجديدة على غزة وهي حملة موزعة على أقساط أو موجات، بخلاف عدوان العام ،2008 قد تحقق أهدافاً سياسية، لكنها لن تنجح عسكرياً، ليس فقط بسبب صواريخ حماس أو أي فصيل آخر، بل لأن هدفها الأساسي هو اختبار رد الفعل المصري رسمياً بعد وصول “الإخوان” إلى الحكم، وثمة حروب تبدو نسبة العسكرية فيها كما لو أنها تسع وتسعون في المئة، لكن الواحد في المئة السياسي وغير المعلن هو بيت القصيد، فإذا تحققت الهدنة لأمد طويل فإن نتنياهو سيعود حتماً بخفيّ حنين من مداخل غزة، لكنه سيكسب شيئاً آخر ليس مُدرجاً في خانة الحرب ذاتها وعلى نحو موضعي متعلق بالقطاع، هذا المكسب سياسي بامتياز، هو الاطمئنان إلى استمرار المعاهدة بين “تل أبيب” والقاهرة، واعتراف الرئيس المصري مرسي بالدولة العبرية بنصاب سياسي وإقليمي وقانوني لا يختلف عن اعتراف سابقه ونظامه الذي مارس دور الوساطة أيضاً، وبالقدر ذاته بين الفصائل الفلسطينية المتصارعة، وبين هذه الفصائل و”تل أبيب” .

وإذا كانت حرب 2008 قد انتهت إلى إخفاق رغم كل ما سال من دم في القطاع، فإن حرباً ثانية بعد أربع سنوات وتزامناً مع متغيرات سياسية في النظام العربي، إضافة إلى ما اكتسبته غزة من المناعة وتطوير أدوات الدفاع، هي حرب خاسرة بالنسبة إلى نتنياهو، ولن ينجح في استثمارها انتخابياً، لأنها لم تحقق ما وعد به، لهذا سيلجأ إلى انتصار سياسي بمقياس ناخبيه . وهو أن مصر الإخوان المسلمين ليست على النقيض من مصر مبارك، على الأقل بالنسبة إليه وإلى معاهدة السلام التي يُفتح ملفها ويعاد إغلاقه لنفض الغبار عنه لا أكثر ولا أقل .

وحين تقول الوزيرة كلينتون إن موقف الرئيس المصري يستحق الشكر والعرفان على دوره في الوساطة من أجل التهدئة، تضيف على الفور الرسالة التي حمّلها إياها أوباما وهي تهم بركوب الطائرة إلى “تل أبيب” . هذه الرسالة هي أن حرص واشنطن على أمن “تل أبيب” والتزامها بحمايتها هو صلب كالصّخر .

العدوان على غزة هو ذاته، وبالنوايا التي تترجمها ميدانياً طائرات الفانتوم والآباتشي، لكن الدوافع هذه المرة أضيف إليها شيء جديد هو اختبار مصر ما بعد مبارك .

http://www.miftah.org