نصر تكتيكي للمقاومة . . ولكن
بقلم: عوني صادق
2012/11/26

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14344

في نهاية اليوم الثامن للعدوان “الإسرائيلي” على غزة، أعلن وزير خارجية مصر، محمد كامل عمرو، في مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، التوصل إلى تفاهمات لوقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني، ليجيء الاتفاق في منزلة وسطى بين “وقف إطلاق النار” و”الهدنة الطويلة”، وهو ما يمثل “تهدئة” جديدة في سلسلة اتفاقات التهدئة التي تم التوصل إليها في السابق، يمكن أن تنتهي كما انتهت سابقاتها، ويمكن أن تتحول إلى “هدنة طويلة”، كما أوحت بعض عبارات التفاهم .

واختصاراً، يمكننا القول إن ما تم التوصل إليه يمثل، دون شك، “انتصاراً تكتيكياً” للمقاومة الفلسطينية . لقد كانت القيادة “الإسرائيلية” تسعى إما إلى “وقف إطلاق نار” بلا شروط أو “انتصارات”، وإما إلى “هدنة طويلة” تزيد على خمسة عشر عاماً، أما ما تم الإعلان عنه فكان “تهدئة” حققت بها المقاومة الفلسطينية بعض مطالبها، إذ لم يكن منتظراً، ولا ممكناً، أن تحقق انتصاراً ناجزاً وبضربة واحدة . وقد كان خالد مشعل مصيباً عندما وصف ما تحقق بأنه “هزيمة تكتيكية” لحقت بالجيش “الإسرائيلي”، بينما يبقى قوله “على طريق هزائم أخرى في المستقبل”، رهناً بما يكشف عن التطبيق لبنود هذه “التهدئة” .

إن هذا الاتفاق مثله مثل أي اتفاق يتم التوصل إليه في ظروف مشابهة، محكوم ببعدين: تكتيكي، واستراتيجي . وما قلناه، حتى الآن، يخص الجانب التكتيكي . وعليه، تستطيع المقاومة الفلسطينية أن تقول إنها صمدت وأفشلت العدوان، وأكدت وجودها ونجاحها في تطوير قدراتها العسكرية، ووجهت ضربة قوية إلى ما يسمى “قوة الردع الإسرائيلي” . بينما تستطيع القيادة “الإسرائيلية” أن تكتفي بالقول إنها “حققت أهدافها” من العدوان، فدمرت معظم ما جمعته فصائل المقاومة من أسلحة وصواريخ، ووجهت ضربات موجعة إلى حركة (حماس)، فقتلت بعضاً من قادتها العسكريين، وألحقت بها خسائر مادية كبيرة، وأكدت أنها قادرة على إلحاق الأذى الكبير بها في أي وقت تشاء .

أما في المجال الاستراتيجي، فالأمر أكثر صعوبة، لأن الأمر ينصرف إلى ما بعد وقف إطلاق النار . فمثلاً، لقد جاء في أقوال وزير الخارجية المصري بأن “التوصل إلى وقف إطلاق النار، جاء “حفاظاً على تحقيق الاستقرار في المنطقة . . .”، فماذا يعني “الاستقرار في المنطقة”؟ كذلك، أكد “العمل على إيجاد حل عادل وشامل” للقضية الفلسطينية . جميعنا نعرف ما يعنيه “الحل العادل والشامل” بالنسبة إلى مصر، وهو غير ما يعنيه بالنسبة إلى المقاومة الفلسطينية . كذلك، يلقي ما قالته هيلاري كلينتون ظلالاً كثيفة على ما ترمي إليه “التهدئة” الجديدة من تعهد الولايات المتحدة “بالعمل مع الشركاء لتعزيز أمن “إسرائيل” وتحسين ظروف شعب غزة” . إن الحديث هنا عن “شعب غزة”، وليس عن الشعب الفلسطيني، وكأنه اعتراف بغزة “دولة مستقلة”، وهو ما يناقض ما قاله عمرو عن أن مصر “ستواصل جهودها لرأب الصدع وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني” . في الوقت نفسه، ذكر بيان صادر عن البيت الأبيض أن الرئيس المصري والرئيس الأمريكي اتفقا على “أهمية العمل لايجاد حل دائم للوضع في غزة” . إن أحداً لم يتحدث عن “الاحتلال الإسرائيلي” وضرورة إنهائه، كخطوة أولى أو بند من بنود الوصول إلى “الحل العادل والشامل” . ومع افتراض حسن نية الموقف المصري، يطرح السؤال عن أية أسس سيتم رأب هذا الصدع وإنهاء الانقسام الفلسطيني . ولا أظن أنه يخطر في البال أن ذلك سيكون على أساس نهج المقاومة، كما قال خالد مشعل . كل ذلك يجعل “الحل العادل والشامل” المقصود هو في أحسن الأحوال “حل الدولتين” ومن خلال المفاوضات .

لقد تراجعت القيادة “الإسرائيلية” مبكراً عن أهداف تتعلق ب “القضاء على حماس، أو إسقاط سلطتها” في غزة . وجاء العدوان الأخير والاتفاق الذي نجم عنه ليمنحاها ما يشبه الاعتراف شبه الرسمي، وتكريس سلطتها بالتأكيد على مسؤوليتها عن كل ما يحدث في القطاع . والقيادة “الإسرائيلية”، في الحقيقة، تؤيد هذا الوجود وتلك السلطة . وهناك أصوات كثيرة في المؤسستين الأمنية والسياسية، وأخرى مقربة منهما، تتحدث، منذ فترة، عن ضرورة الاعتراف بحركة (حماس) والتفاوض معها، لأن ما تريده المؤسستان هو تكريس الانقسام الفلسطيني، من خلال ترسيخ سلطة (حماس) في غزة شريطة إبقائها ضعيفة، فالإبقاء على حالة الانقسام الفلسطيني يحقق للصهاينة كل أغراضهم في الضفة الغربية .

لقد جاءت المقاومة الفلسطينية في إطار حركة تحرير وطني لتحرير الأرض الفلسطينية والإنسان الفلسطيني، و”التحرير” هو المعنى الحقيقي لحق “الدفاع عن النفس” في صيغته الفلسطينية . والذين ابتهجوا ب “الحسم العسكري” الذي أقدمت عليه (حماس) في غزة، في شهر يوليو/ تموز ،2007 نظروا إليه بوصفه عملية تحرير للقطاع من الاحتلال “الإسرائيلي”، ومن قيود أوسلو . واعتقدوا أنها ستكون خطوة أولى نحو تحويل القطاع إلى “بؤرة ثورية” ترفع من شأن نهج المقاومة المسلحة، ويكون جهدها الرئيس موجهاً نحو الاحتلال في الضفة الغربية . والاتفاق الأخير إذا ما تحول إلى “هدنة طويلة” سيكون هزيمة سياسية استراتيجية لنهج المقاومة . إن ذلك قد يذكرنا بحرب أكتوبر 1973 .

إن أي اتفاق تحت أي اسم جاء، يضع قيوداً على حركة المقاومة، أو يمنع تطوير قدراتها العسكرية، سينهي عملياً هذه المقاومة، وسيدفعها إلى الانخراط في عملية “التسوية” وخدعة المفاوضات العبثية، لتجد نفسها تسلك الطريق الذي تسلكه سلطة أوسلو الاستسلامية، ولتتحول إلى حامٍ لحدود الكيان الصهيوني، ولمشاريعه الاستيطانية التوسعية، تيسر له تحقيق أهدافه .

http://www.miftah.org