الحكومة.. ومسؤولية الحفاظ على صمام الأمان المجتمعي
بقلم: آلآء كراجة لمفتاح
2012/12/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14424

في كل يوم تضطر لأن تستبق موعد خروجك للدوام صباحا ً بعشر دقائق، تجنباً لأزمة الشوارع بسبب طلبة المدارس والموظفين، أما اليوم فالشوارع تكاد تكون خالية، بعدما قررت نقابة العاملين في الوظيفة العمومية، تعطيل الدوام في كافة المؤسسات الحكومية اليوم الأربعاء وغداً الخميس، بسبب عدم تمكن الموظفين من الوصول إلى أماكن عملهم واحتجاجاً على تأخر الرواتب.

إن ما يزيد الألم والمفارقة هو أن هذا الوضع المؤلم لا يعيشه سوى الموظف المغلوب على أمره، وقد وصلت به الحالة إلى الركوب بصندوق السيارة، كما ذكرت صحيفة الحياة الجديدة اليوم، فقد ذكر منتصر حمدان - قصة مواطن استقل صندوق السيارة لأنه لا يملك 17 شيكل أجرة الطريق ذهاباً من رام الله إلى نابلس.

إن هذه الحادثة ليست سوى قطر من غيث مما هو قادم إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فالضائقة المادية التي يعيشها الموظفون وأسرهم ستدفع بالكثيرين لابتكار أساليب مختلفة من أجل مواصلة حياتهم، و"الحاجة أم الاختراع"، لكن هذا كله من شأنه أن يخلق مشاكل مجتمعية ستطال كل شرائح المجتمع، فكثير من الأسر الآن دفعت بأبنائها إلى خارج سلك التعليم الجامعي وحتى المدرسي، من أجل البحث عن فرصة عمل وتأمين الاحتياجات الأساسية، ناهيك عن جرائم السرقات والعنف التي ستتصاعد وتيرتها الفترة المقبلة، جراء الظروف النفسية الخانقة التي يعيشها المواطنون.

إن المواطن المقهور، الذي تبعثرت كرامته، وأُثقل كاهله بالديون، وأهدر ماء وجهه جراء المستوى الاقتصادي والاجتماعي الذي وصل إليه، خاصة وهو يحاول تجنب مدينيه، لا يرغب في سماع عبارات التضامن والتعاطف بقدر ما يحتاج لإجراءات حقيقة وصادقة تجاه معاناته اليومية، وهمومه المتفاقمة كل يوم، بل كيف له أن يصدقها فيما يرى تجاهلاً رسمياً لمأساته، بل واستهتاراً به وبحاله، عندما يسمع مسؤوليه يطالبونه بممارسة واجبه الوطني تجاه قضيته بالصبر والتحمل، فيما هم يرتعون في حياتهم المرفهة وسياراتهم الفارهة، ويفتتحون مهرجانات للتسوق، وهو لا يملك قوت يومه، وكأنه هو وحده من عليه أن يدفع ضريبة استحقاق دولة فلسطينية، جلبت عليه قرصنة إسرائيلية لأموال ضرائب السلطة، وتقاعساً عربياً عن سد عجزها المالي، ولسان حاله يقول "إللي إيدو في المي مش زي اللي إيدو في النار".

إن من واجب الحكومة الفلسطينية، تحمل مسؤولية هذا الضنك الذي يعيشه المواطن، وخاصة الموظف، ومن حقه عليها أن تلجأ لكل السبل من أجل توفير أدنى متطلبات الحياة، من أكل وشرب وكهرباء وماء وتدفئة، وغيرها من الضرورات الحياتية التي لا مفر منها، خاصة في فصل الشتاء الذي يزيد فيه استهلاك المواطن للطاقة، وإلا فإن عليها أن تتوقع أن سكوت الموظف على حاله لن يدوم إلى الأبد، فهو معرض للانفجار في أي لحظة، في وجه ظلامه، وإن لم تحافظ على صمام الأمان هذا، فستضطر لمواجهة ما لا يحمد عقباه، ولتضع نصب أعيناها "ثورة جياع" مقبلة.

فهل من مجيب أم أنها ستنتظر لترى موظفيها يتحولون لمتسولين أو سارقين من الفاقة والعوز؟

http://www.miftah.org