إبحار..في الضفة الغربية!
بقلم: وفا- جميل ضبابات
2013/1/17

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14489

بحر صانور (جنين)-المشهد الذي لا يمكن تصديقه، أن الفلسطينيين خلال أيام فقط، استطاعوا صناعة جوهم البحري الخاص. كورنيش على امتداد حاجز حديدي ليس طويلا، وعائلات تصل بأكملها لالتقاط الصور وفي الخلفية يظهر البحر الجديد. هواء شرقي بارد لاسع ... وقوارب وسباحون مهرة يقطعون البحيرة من وسطها حتى طرفها في درجات حرارة متدنية جداً.

لكنها الحقيقة.

إنه بحر صانور الجديد الممتد على مساحة 14 ألف دونم غطيت معظمها بالماء. مرافئ جديدة استحدثت في بقع موحلة جافة لقوارب من هياكل الثلاجات، باعة متجولون على الشاطئ. ورحلات بحرية تبدأ من الصباح ولا تنتهي إلا في المساء.

وفي ذروة الزحمة في ساعات المساء الأولى، تصطف ارتالا من المركبات ويهبط المتنزهون منها لمشاهدة أمواج خفيفة تتكون في البحر الناشئ، بعضهم احضر المسليات وآخرون اكتفوا بالإشارة إلى عمق البحر الذي جاءت به الفيضانات الأخيرة التي اجتاحت الضفة الغربية على مدار أيام.

أصبح لدى الفلسطينيين بحرا في عمق الضفة الغربية.

بحر صغير بكامل هيئته؛ شواطئ ومرافئ ومراكب. وقد يتندر البعض قائلا 'اسماك قرش وحيتان وسردين'. وهذه أول سباحة حرة لصبية كانوا يجتازون البحر من وسطه حتى شاطئه الغربي حيث يقف العشرات يتابعون رحلة سباحتهم.

يجرون هيكل ثلاجة قديمة استخدموه مركبا ويجدفون بعصي، قال صبيه إنهم يبحرون في الماء لليوم الثاني. لكن الإبحار على عمق لا يتجاوز المترين في أقصى نقطة وسط البحر الجديد سيكون أمرا محفوفا بالمخاطر. لكن الصبية لا يأبهون.

لقد بدأت الرحلات البحرية فعلا. سلطان وصبية آخرون قالوا إنهم خاضوا التجربة يوم أمس، في وسط النهار ووصلوا إلى وسط البحر. ' لم نخف. وصلنا إلى هناك' قال سلطان وهو واحد من الصبية مشيرا إلى عمق البحر الذي يضرب لونه إلى لون الشوكلاته كما قال احدهم نظرا إلى لون التربة البنية التي غرقت تحت المياه.

قبل نحو عقدين تكون هذا البحر بعد أن صبت فيه كميات كبيرة من المياه نتيجة السيول التي اجتاجت المنطقة، وظلت المياه حتى العام الذي تلى. قال سكان صانور إن المياه وقتها اجتازت الشارع المحاذي للمرج ووصلت أطراف الجبال.

والإبحار في وسط الضفة الغربية كان أمرا مستحيلا بعيدا عن البحرين المتوسط والميت. كان امرا اشبه في سقوط الثلوج في هجير الصحراء. لكنه الآن امرا ممكنا بالقرب من جنين في شمال الضفة الغربية.

هناك ممكن مشاهدة شبان يعيشون الجو البحري من الفه إلى يائه. جاء سليم ولد علي ومجموعة من الشبان إلى الشاطيء المحاذي لقرية صانور واضعا نظارات الشمس.'جئت أيضا أمس. الجو البحري جميل هنا في المرح. فقط قبل أسبوع كان المرج اخضرا وكانت الخضروات تنمو فيه. اختفى كل شيء. غمرت المياه كل شيء'.

وقدرت سلطة المياه، كميات مياه الأمطار الهاطلة على محافظات الضفة الغربية قبل أيام بـحوالي 1900 مليون متر مكعب، ساهمت في تغذية الأحواض الجوفية، حيث تم تقدير معدلات التغذية الواصلة لأحواض المياه الجوفية بما يقارب 400 مليون متر مكعب. ينعكس بشكل إيجابي على ارتفاع منسوب المياه الجوفية، وبالتالي تخفيض تكلفة تشغيل الآبار الجوفية، وكذلك تحسين إنتاجيتها خاصة في آبار مناطق الجنوب.

وقبل أن تستقر المياه في أعماق الأرض، سيستطيع الكثيرون من شمال الضفة الغربية استغلال سطحها في متعة مؤقته. لكن اذا ما هطل مطر غزير ومتواصل سيزداد اتساع البحر وعمقه، ولن تمنع برودة الطقس السكان من الاستمتاع ببحرهم الجديد.

عندما كان يجدف احد الصبية نحو العمق صاح عليه آخر 'سنقابلك عند الشاطيء الآخر' ومن السفوح الشرقية للتلال يمكن رؤية البحر مساء كعلامة مذهلة في المنطقة.

حقا انه الذهول.

قال زياد العيسه من سكان صانور 'غطت المياه 90% من المرج. لكن البحر عام 1992 كان أوسع وأعمق. غطى كل شيء. دمر كل المحاصيل'.

او انه التناقض: فهو كارثة للفلاحين، وبحر للصبية والمتنزهين، وماء يستقر في الأعماق، قد لا يستفيد منه الفلسطينيون، ومنظر أخاذ يأخذ الألباب لسائقي السيارات المتفاجئين بالبحر الجديد.

وهو فرحه لا تضاهيها فرحة للأطفال. ثمة أطفال قد تعروا للدخول إلى الماء والتقاط الصور. وثمة آباء جاؤوا بأطفالهم للمشيء على الكورنيش مساءً. لقد جاء عبد الوهاب حنايشه من بلدة قباطية ايضا هو وعائلته. 'الأطفال أرادوا رؤية البحر. سمعوا من الجيران عن بحر جديد'.

وتصل العائلات تباعا من صانور والقرى المجاورة.

وقال محمود العيسة، انه نزل عند رغبة طفليه تبارك وليث وجاء بهم لرؤية البحر. بدا الطفلان فرحان بالماء المتلألأ تحت اشعة شمس شتوية في ظهيرة اليوم. وقال صبية في المكان 'لماذا لا نأتي هنا. حتى رئيس الحكومة سلام فياض جاء هنا. جاء وقال هذا بحر'.

يختلط صوت الهواء البارد المنبعث من الشرق مساءً بصوت الهواء الذي يضرب كروم الزيتون غربا؛ ويعطي رف طيور برية بيضاء حطت على مسطح الماء أجواء بحرية كاملة؛ أجواء قد لا تتكرر خلال العقود المقبلة. لقد أصبح لسكان الضفة الغربية بقعة مائية واسعة يصرون على تسميتها 'بحرا'...على الأقل لأشهر قليلة مقبلة.

http://www.miftah.org