الحديث عن المصالحة الفلسطينية قبل إعادة بناء 'م. ت. ف'
بقلم: ماهر عابد
2013/1/22

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14509

الحديث المتكرر- والذي بات ممجوجا ومستهلكا- حول المصالحة الفلسطينية وضرورتها وأهميتها للقضية يبدو انه سيبقى مجرد كلام يتسم بعدم الواقعية في ظل غياب الأساس الذي تنبني عليه المصالحة, أي إعادة بناء م ت ف لتكون فعليا حاضنة الشعب الفلسطيني وثورته وقضيته.

فهذا الحديث ما زال يتعامل مع ظواهر الأزمة دون الخوض في أسبابها الحقيقية, وهو يأتي في العادة تحت ضغط الأحداث وتفاعلاتها, والرغبة في عدم استفزاز الجمهور الفلسطيني عبر الرفض الصريح للمصالحة.

أسباب الانقسام الفلسطيني لم تكن بسبب الخلاف على الحكومة, أو على حصة كل فريق كما يقال, فهذه أمور تختلف عليها كل القوى السياسية في كل مكان بالعالم دون أن ينقسم الوطن إلى شطرين. بل إن الخلاف الحقيقي يتمثل في غياب البرنامج الوطني الفلسطيني المتفق عليه, وغياب المظلة الوطنية الجامعة لنضال الشعب الفلسطيني, والمعبرة عن برنامجه, والممثلة للقوى الأساسية فيه.

سيطرت حركة فتح على منظمة التحرير منذ 1968 وبقيت ممسكة بقرارها وبكل مفاصلها لغاية اليوم, أي أن أكثر من 40 عاما مرت على الشعب الفلسطيني تغيرت فيها أوزان القوى في الشارع الفلسطيني, وظهرت قوى جديدة مؤثرة وفاعلة ولها جماهيرها العريضة وتمتلك الشرعية النضالية والثورية, إلا أنها كانت غائبة عن صناعة القرار الفلسطيني الرسمي في المؤسسة التي يفترض بها أن تكون الوطن المعنوي لهم أي منظمة التحرير.

حركة فتح وإدراكا منها لتضاؤل قيمة المنظمة التمثيلية لعموم الشعب الفلسطيني, فقد عملت على ضم حركتي حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير منذ العام 1988, إلا أن التوجه الذي حكم سلوك فتح هو ضم هاتان الحركتان لتكونا شهودا على صنع القرار مع غياب القدرة على التأثير فيه, وهو الأمر الذي رفضته حماس عندما اشترطت لدخول المنظمة أن تحصل على 40 % من مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني, متسلحة بالإحصائيات الانتخابية التي شهدتها الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال تلك الفترة, والتي أظهرت أنها تمكنت من الفوز بأكثر من هذه النسبة في جميع الانتخابات النقابية والطلابية والغرف التجارية, وهو ما رفضته فتح, وبقيت الأمور تراوح مكانها حتى دخول حماس انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني, حيث استطاعت أن تحسم معظم مقاعده بنسبة اقتربت من الثلثين.

وكانت النتيجة أن الواقع الفلسطيني بات مشتتا بين قوى شعبية لها أغلبية في الشارع وليس لها وجود في الجسم الرسمي الممثل للفلسطينيين, وبين قوى أخرى تستند إلى التاريخ, ووجودها في الشارع بات هامشيا, لكنها تمسك بالقرار الفلسطيني وتوجهه حيثما أرادت, بل وتريد فرض تصوراتها الخاصة حول المشروع الوطني على الجميع, ومن هنا كان الخلاف والشقاق.

وبالرغم من أن اتفاق القاهرة في آذار2005, ووثيقة الوفاق الوطني في حزيران 2006، واتفاق مكة في شباط 2007– أي قبل الانقسام- واتفاق المصالحة في أيار 2011 نصت جميعها على إعادة بناء المنظمة لتكون معبرة عن التغيرات التي طرأت على الواقع السياسي الفلسطيني, إلا أن هذا الأمر بقي حبرا على الورق, وبقي الحديث عن المصالحة ينحصر حول آثار الانقسام ونتائجه وليس أسبابه. فحركة فتح التي تهيمن على المنظمة لا تبدو معنية ببذل أي جهد حقيقي لاستيعاب باقي مكونات الشعب الفلسطيني وفصائله بما يتوافق مع أحجامها السياسية والشعبية, بل إنها عملت على جعل المنظمة مجرد ملحق للسلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها بدلا من أن يكون الوضع الطبيعي هو العكس تماما.

المصالحة الفلسطينية تبدأ أولا بصياغة برنامج وطني متفق عليه ويمثل القواسم الفلسطينية المشتركة, والثوابت الأساسية للقضية كحق العودة والقدس, وبعدها تعاد بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية كما نص اتفاق القاهرة, وتعود السلطة إلى وضعها الطبيعي, أي مجرد جهاز إداري يتابع الشؤون الحياتية واليومية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة, ويخضع للقرار السياسي الصادر عن المنظمة والمعبر عن الإجماع الوطني. وبدون ذلك سيكون الحديث عن المصالحة الفلسطينية أشبه بالدوران في حلقة مفرغة, بدون أي نتيجة.

http://www.miftah.org