حكومة نتنياهو الثالثة
بقلم: د.سفيان أبو زايدة
2013/2/4

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14543

وفقا للقانون ، و بعد مشاورات رئيس الدولة شمعون بيرس مع ممثلي الكتل البرلمانية، و دون ان يكون هناك مفاجآت جوهرية، حيث اوصى ما مجموعه اثنين و ثمانين عضو كنيست، تم تكليف نتنياهو لتشكيل الحكومة الاسرائيلية القادمة للمرة الثالثة على التوالي.

المرة الاولى التي تكلف فيها نتنياهو لتشكيل الحكومة كانت في العام 1996 و التي جاءت بعد اغتيال رابين حيث كان منافسه في ذلك الحين شمعون بيرس . كانت مهمة نتنياهو في حينههي القضاء نهائيا على عملية السلام. لم يصمد سوى ثلاث سنوات و على الرغم انه نفذ جزء من استحقاقات اوسلو ، حيث وقع اتفاق الخليل وواي ريفر الذي لم يبقي منهم الاستيطان و اجراءات الاحتلال على الارض اي شيئ يذكر. نتنياهو و رغم خسارته انتخابات 1999 امام باراك الا انه انجز المهمة التي اوكلها له حزبه و هو التخلص من تبعات اوسلو الا ما يخدم المصلحة الاسرائيلية.

الحكومة الثانية التي شكلها نتنياهو كانت عام 2009على الرغم من حصول الليكود على سبعة و عشرين مقعدا فقط في حين حصلت كاديما بزعامة تسيفي ليفني على ثمانية و عشرين مقعدا، و لكن تحالف نتنياهو مع شاس و ليبرمان ضمن له تشكيل الحكومة و التي كان اهم اهدافها ضمان عدم اعادة احياء عملية السلام من جديد على اساس حل الدولتين و تعزيز الاستيطان بشكل يجعل من المستحيل تنفيذ هذا الحل على ارض الواقع. خلال السنوات الثلاث الماضية يمكن القول ان نتنياهو و حكومة اليمين التي تزعمها نجحت الى حدا كبير في تحقيق هذه الهدف.

الحكومة الثالثة التي بداء نتنياهو اليوم المشاورات في تشكيلها مهماتها ستكون مختلفة كثيرا، على الاقل فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني او الموضوع السياسي حيث ليس هو الموضوع الرئيسي كما كان في السنوات الماضية بل سيكون واحد من اربعة او خمس مواضيع ستكون على سلم اولويات الحكومة الاسرائيلية القادمة.

المهمة الاولى التي ستواجه حكومة نتنياهو الثالثة هي كيفية التوفيق بين اقطابها المتناقضة في كل ما يتعلق بعلاقة الدين بالدولة و الموقف من خدمة المتدينين في الجيش ، او ما يعرف بأعادة توزيع الاعباء. نتنياهو يدرك ان الظروف تغيرت و ان نتنائج الانتخابات اعطت مؤشر قوي بأن الشارع الاسرائيلي يريد ان يرى تغيير في الوضع القائم. شاس التي يرغب نتياهو ان يراها جزء من حكومته القادمة تدرك ان الزمن تغير و عليهم ان يبدوا قليلا من المرونه في كل ما يتعلق بخدمة المتدينين في الجيش في حين حزب يهودوت هتوراة الذي يرغب نتنياهو ان يراه ايضا جزء من تركيبة الحكومة القادمة ليس لديهم استعداد لابداء اي مرونة في تغيير الوضع القائم.

التحدي الثاني و الذي لا يقل اهمية هو الموضوع الاقتصادي، او بكلمات اخرى تمرير موازنة الدولة للعامين القادمين، آخذين بعين الاعتبار ان السبب الرئيسي و المباشر الذي اجبر نتنياهو على تقديم موعد الانتخابات هو شعوره بالعجز في تمرير الموازنة. الوضع لم يتغير بالنسبة له بل اصبح اكثر تعقيدا حيث تراجعت قوة الليكود ودخل لاعب جديد على الساحة اسمه يئير لبيد كل معركته الانتخابية كان عنوانها اعادة توزيع الاعباء حيث يعني ذلك اعادة النظر في كل سياسة نتنياهو الاقتصادية. اذا ما تم الاخذ بعين الاعتبار ان خزينة الدولة تعاني من عجز يزيد عن اربعين مليون شيقل فهذا يعني ان قرارات اقتصادية صارمة سيتم اتخاذها و ستنعكس بشكل كبير على جيوب قطاعات واسعة من الاسرائيليين. السؤال هل ستنعكس اكثر على جيوب المستوطنين و (الحريديم) و جيوب الاغنياء الذي خفف عنهم نتنياهو الضرائب ام سيواصل سياسته الاقتصادية في تحميل العبئ الاكبر على الطبقة الوسطى كما فعل في السنوات الماضية؟

التحدي الثالث هو الموضوع الامني. صحيح حكومات اسرائيل المتعاقبة بشكل عام و الحكومات اليمينية بشكل خاص كانت تغذي دوما نظرية العدو الخارجي الذي يتربص لهم في كل مكان و لكن التحديات الامنية التي ستكون على جدول اعمال الحكومة القادمة هي كثيرة و ملموسة. ما حدث من هجوم اسرائيلي على سوريا سيكون البداية لوضع امني جديد. هناك خطر حقيقي لحدوث تغيير جذري في المعادلة الامنية و العسكرية القائمة منذ سنوات. التحدي الاكبر بالنسبة لاسرائيل هو حزب الله الذي يمتلك على الاقل خمسين الف صاروخ تغطي كل شبر في اسرائيل.

ليس هناك مشكلة عسكرية او تخوف ان يكون هناك رد فعل سوري. اسرائيل تعاني من صواريخ الكاتيوشا و صواريخ فجر بأنواعها اكثر من صواريخ سكود التي يمكن اسقاطها بسهولة. الخطر القادم من سوريا قد يكون نتيجة انهيار الدولة و تحول الجولان الى بؤرة صراع بدون عنوان.

اسرائيل لا تخشى ايران بشكل مباشر، لان مشكلة ايران النووية هي ليست مشكلة اسرائيلية و ان حاولت اسرائيل خصخصتها. المشكلة الحقيقية لاسرائيل في الشمال هي حزب الله التي ستكون المواجهة معه هي مسألة وقت فقط لان اسرائيل لم تبتلع حتى الان ما حدث لها في حرب تموز 2007. اسرائيل لديها الضوء الاخضر الامريكي و الغطاء الدولي و الرأي العام الداخلي بالاقدام على اي خطوة من شأنها منع وصول اسلحة متطورة الى حزب الله او وصوله الى الاسلحة الكيمياوية السورية او حصول اي طرف من اطراف المعارضة السورية ، خاصة المتطرفة منها لهذه الاسلحة، ما حدث من هجوم الاسبوع الماضي فرصة تكراره في اي لحظة كبيرة جدا و احتمالية ان يؤدي هذا التكرار الى اندلاع مواجهة ايضا كبيرة.

التحدي الرابع امام حكومة نتياهو القادمة هو الموضوع الفلسطيني. نتنياهو لا يؤمن بالسلام مع الفلسطينيين على اساس حل الدولتين بالمفهوم الدولي و ليس فقط بالمفهوم الفلسطيني و العربي، وهو على غرار شامير يريد مفاوضات سلام و ليس اتفاق سلام، يريد مفاوضات الى الابد دون ان يضطر الى اتخاذ قرارات، و الهدف من هذه المفاوضات هو ارضاء بعض الاسرائيليين الذين ما زالوا يؤمنون بالحل مع الفلسطينيين و الاهم من ذلك ارضاء المجتمع الدولي. لو كان الامر يتعلق بنتياهو لما فعل اي شيئ سوى تعزيز الاستيطان و مواصلة تهويد القدس بشكل محموم، لكنه يدرك ان الوضع يتغير دوليا و اقليما و ان المزاج العام في اسرائيل و الذي ترجمته نتائج الانتخابات غير راضي عن هذا الجمود السياسي الذي يبديه نتنياهو.

لذلك و بعد الانتهاء من تشكيل الحكومة سيكرر نتنياهو ما قاله امس عندما استلم كتاب التفويض بدعوته للرئيس عباس للعودة الى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة. هذا الامر بطبيعة الحال لن يكفي عودة الجانب الفلسطيني الى مفاوضات تلبي حاجة نتنياهو و حكومته دون ان تلبي الحاجة الفلسطينية و بالتالي ان لم يكن هناك مقترحات جديدة لاعادة احياء العملية السياسية فأن من الارجح ان اي محاولة سيكون مصيرها الفشل.

هذا الامر يعتمد على طبيعة السياسية التي سيتخذها الرئيس او باما خلال السنوات الاربع القادمة و طبيعة الدور الذي ستلعبة اوروبا اضافة الى التطورات الاقليمية الاخرى التي قد تؤثر بالسلب او الايجاب.هذا الامر ايضا سيعتمد على طبيعة التطورات في الساحة الفلسطينية، سيما المصالحة الفلسطينية التي اصبح الحديث عنها بلا طعم و بلا معنى تماما كما نتحدث عن عملية السلام و اعادة احياءها.

http://www.miftah.org