الأسرى يصنعون المرحلة..!!
بقلم: نواف الزرو
2013/2/26

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14599

فلسطين تنتفض وتخوض مسيرات ومظاهرات وصدامات وتقدم التضحيات لهم ومن اجلهم، والضفة تدخل أتون الانتفاضة الثالثة انتصارا لهم، والاحتلال يزبد ويرعد ويستعد ويحذر من الانتفاضة الثالثة، وقيادات الاحتلال تجري اتصالاتها العاجلة من اجل تهدئة البراكين الغاضبة، نجحوا عبر اضراباتهم وارادتهم ونفسهم الطويل بتحريك حالة السكون والفرجة والكسل النضالي، انهم جنرلات الملح والصبر في معتقلات الاحتلال، رجال المستحيل الذين يخوضون اطول معارك الامعاء في التاريخ، انهم ثـــوار"الأمــعـــاء الخـــاويــة"، بعضهم معتقل منذ زمن طويل طويل تجاوز الثلاثة عقود كاملة، فتفوقوا على مانديلا وتحولوا الى مانديلات فلسطين، وسجلوا ارقاما قياسية في الاعتقال لم يعرفها التاريخ، والبعض الآخر يقضون احكاما متوسطة ما بين خمسة عشر الى خمسة وعشرين عاما، والبعض الثالث يقضون احكاما اقل، غير انهم جميعهم وقعوا على وثيقة الوفاء والنضال حتى التحررمن معتقلات الاحتلال، والبعض الرابع المعتقلون اداريا، الذين اعلنوا مرحلة جديدة في النضال في مواجهة سياسة الاعتقالات الادارية، فمن سامر العيساوي الذي سجل رقما خياليا في الاضراب عن الطعام وصل حتى اليوم الى 219 يوما، وهو يقترب من الاحتضار، الى طارق قعدان وجعفر عز الدين وايمن شراونة، الذين يتسابقون في ملحمة الاضراب، مسجلين بدورهم ارقاما عالية متصاعدة من يوم ليوم، واخرون من جنرالات الصبر المتشبثين بانتصار معركة الامعاء الخاوية والارادة حتى الانتصار او الشهادة.

وفي معارك الامعاء الخاوية هذه، سطر الاسرى الفلسطينيون في مراحل سابقة اروع وامجد البطولات منقطعة النظير في تاريخ معسكرات الاعتقال الجماعي ليس فقط الصهيونية، وانما على امتداد الكرة الارضية ايضا.

فمن المجاهد خضر عدنان الذي كان خاض ملحمة الملح والجوع لمدة 66 يوماً ضد اعتقاله الإداري حتى انتصر في النهاية واجبر سلطات الاحتلال على اطلاق سراحه، الى الاسيرة المحررة هناء شلبي التي عاشت على الملح والماء لمدة 43 يوما، سطرت بدورها ملحمة نضالية فتحت الآفاق واسعة امام آلاف الاسرى الفلسطينيين، وكانت هناء متماسكة وقوية ومعنوياتها عالية جدا، وقبلها، وعلى مدى اكثر من اربعة اسابيع كاملة على التوالي واصلت الاسيرة الفلسطينية نورا محمد شكري جابر إضرابها المفتوح عن الطعام الذي خاضته احتجاجا على التمديد السابع لاعتقالها الإداري، وقد اعتقلت نورا البالغة من العمر 37 عاما من عقبة تفوح في مدينة الخليل من بيتها، واحتجزت في ظروف اعتقالية قاسية لعدة أسابيع/ قبل ان تحوّل إلى الاعتقال الإداري دون ان تتضح ذرائع اعتقالها، فلم توجه لها أي تهمة، ونورا أم لستة أطفال وزوجة الأسير محمد سامي الهشلمون المعتقل في سجن النقب الصحراوي منذ أيلول 2006 الذي يغوص أيضا في دوامة الاعتقال الإداري.

تفتح هذه الاضرابات الاسطورية المفتوحة عن الطعام، التي يواصلها هؤلاء الابطال-حتى لحظة كتابة هذا المقال-مانديلات فلسطين في معتقلات الاحتلال الصهيوني، ليس فقط ملف الاسرى الفلسطينيين، وانما ملف فلسطين المعتقلة بكاملها على اوسع نطاق، ففلسطين تتحرك وتنتفض وتحتج، والمرجل الفلسطيني في اعلى درجات غليانه، والعدو المتربص يتخوف من انتفاضة ثالثة شاملة عارمة تشعل الارض كلها تحت اقدامهم.

في الوعي السياسي الوطني الجمعي الفلسطيني اسئلة كبيرة حول قضيتهم واستمرار اعتقالهم، وحول تحريرهم المعلق والمؤجل...!

فلماذا يبقى هؤلاء الاسرى في معتقلات الاحتلال؟! لماذ تعجز القيادات والفصائل الفلسطينية عن تحريرهم؟! لماذا عجزت المفاوضات السياسية عن تحريرهم ايضا على مدى نحو عشرين عاما؟!

وكيف يمكن اغلاق هذا الملف الكبير الذي يعتبرالاهم لدى الشعب الفلسطيني؟!

وفي جوهر هذه الاضرابات الملحمية، يبعث الاسرى برسائل موجهة للداخل والخارج على السواء، فعلى المستوى الداخلي، يعلن الاسرى الفلسطينيون ان المعركة التي يخوضونها انما هي صراع ارادات ومعركة كسر عظم، فاما الشهادة أوالنصر، بل ويجمع الاسرى الفلسطينيون هناك بمنتهى الاصرار على "نعم للجوع.. ولا.. الف لا للركوع"، ويعتبرونها معركة يخوضونها ضد سجانيهم الذين أوغلوا في إجراءات القمع والتنكيل والاقصاء والالغاء، وهي في الوقت ذاته صراع ارادات وبقاء، في سياق مسيرة طويلة طولها بطول عمر الاحتلال، مسيرة مدججة بالملاحم والحكايات البطولية، ويجمعون ايضا على"إن سنوات الأسر الطويلة لم ولن تكسر إرادتهم ولن تفت من عزائمهم، فبعد كل هذه السنوات الطوال يظل الأسرى عنوانا للصمود والتحدي".

فهنيئا للحركة الفلسطينية الأسيرة بهؤلاء الابطال يصنعون المرحلة، وهنيئا للشعب الفلسطيني الذي انجبهم فهم يمثلونه خير تمثيل، فهكذا تتحقق الانتصارات التراكمية على الاحتلال، عبر الارادة والصبر والتضحيات، وهكذا يعلمنا الشعب الفلسطيني ان المعارك مع الاحتلال تحتاج الى ارادات فولاذية والى اجماع سياسي نضالي حقيقي، ويعلمنا ان الانتصارعلى العدو ممكن اذا ما اجتمعت الارادة والقيادة والوحدة الوطنية والخطة والاهداف، فالعدو لا يعرف عمليا سوى هذه اللغة.

* كاتب وباحث فلسطيني متخصص في الشؤون الإسرائيلية، يقيم في الأُردن. - Nzaro22@hotmail.com

http://www.miftah.org