إعادة اعتقال الأسرى... والعودة الى المجهول؟؟؟
بقلم: راتب عمرو
2013/2/26

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14601

يبدو ان الأضراب الذي يقوم به الأسرى في سجون الأحتلال الأسرائيلي يأتي في وقت تعيش فيه الأوضاع الفلسطينية والعربيه حالة من التشرذم والتفكك والأنقسام ، ولهذا فأن هؤلاء الأسرى اللذين قضوا سنوات حياتهم وراء القضبان ، وما ان أُفرج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى مقابل الأفراج عن الجندي الأسرائيلي " جلعاد شاليط "، حتى أُعيد اعتقالهم، حيث استغلت اسرائيل بعض الثغرات الفنيه في صفقة التبادل، وأستفادت من التعديل القانوني الذي تم اجراؤه بأعادة اعتقال من تريد اعتقالهم وزجهم في غياهب السجون.

وعلى الرغم من ان اسرائيل ليست بحاجه الى تعديلات قانونيه لأعادة اعتقال من ترغب في اعتقالهم ، حيث وصل عدد اللذين اعيد اعتقالهم حتى الأن الى 14 اسيراً ، الا ان هذه الأجراءات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن اسرائيل ماضية في مخططها الأحتلالي ولن يثنيها عن ذلك لا اعلان الدولة الفلسطينيه ولا زيارة الرئيس " اوباما " الى المنطقه ولا غير ذلك من قرارات دولية. وعلى الرغم من محاولات القيادة الفلسطينية في الضغط على اسرائيل من خلال التدخل المصري ، إلا ان تلك الجهود لم تلقى اذاناً صاغيه لدى اسرائيل وباءت بالفشل ، كما ان الصمت العربي الرسمي والشعبي ، واللامبالاة الدوليه كل ذلك اوصل الحالة الفلسطينية الرسمية والشعبيه الى ما هي عليه من تفكك وأنقسام .

وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن " ناتنياهو " يرغب في تقديم هذا الملف كأحد التنازلات المقدمه للرئيس "اوباما" خلال زيارته القادمه ، إلا انني ارى ان زيارة الرئيس الأميركي لن تتطرق الى هذه القضية لا من قريب ولا من بعيد ، وأن هذا الأصرار الإسرائيلي على الأبقاء على هؤلاء الأسرى وتجديد محكوميتهم يؤكد ان القيادة الأسرائيليه تُصر على موقفها حتى لو تدخل العالم اجمع ما لم يكن في المقابل مصلحة اسرائيليه ، وربما وُضع هذا الملف كأحد الملفات التي ستوضع على طاولة المفاوضات القادمه مع الفلسطينيين ليتم انهاءه مقابل صفقة مع القيادة الفلسطينيه او مع حركة المقاومة الأسلامية " حماس " خلال المفاوضات غير المباشره التي تجري هذه الأيام برعايه مصريه لتثبيت الهدنه .

ثم أن حالة هؤلاء الأسرى الصحية وصلت الى وضع حرج قد يُعرّضهم للخطر ، وقد زاد الوضع خطورة استشهاد الأسير " عرفات جرادات" داخل سجون الأحتلال حيث اسفرت نتائج التشريح من ان الشهيد فارق الحياه بسبب تعرضه للتعذيب، مما يؤكد ان اسرائيل ضربت بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف الدوليه ، فأوغلت في جبروتها في محاولة لتشديد القبضة الحديدية على الفلسطينيين لجرهم الى انتفاضة ثالثه تُطبق من خلالها على ما تبقى من الأرض الفلسطينيه، لتكون اقرب ما تكون لتدمير كل انجازاتهم التي طالما تغنّوا بها ، وتهجيرهم من ارضهم التي طالما تشبثوا بها .

ويبدوا ان هؤلاء الأسرى ادركوا ان لا سبيل امامهم إلا الأضراب عن الطعام ومن بينهم الأسير ايمن الشراونه ، والأسير سامر العيساوي ، وجعفر عزالدين ، وطاهر قعدان، وغيرهم من الأسرى اللذين اتخذوا من الأضراب عن الطعام داخل زنازينهم سلاحاً ينقذهم من دهاليز الأسر .

نذكر جيداً ما رافق إعلان الدولة في الأمم المتحده من تهديد ووعيد بتوجه القيادة الفلسطينية الى محكمة الجنايات الدوليه ، وأنه سيتم التعامل مع الأراضي الفلسطينية المحتله بأعتبارها اراضي تتبع لدوله عضو في الأمم المتحده، ، الا ان هذا لم ولن يحصل ، ولكن القيادة الفلسطينيه لم توضّح لنا ما هو مصير المواطن الفلسطيني تحت الأحتلال ؟، وما هو مصير الاف الأسرى في السجون الأسرائيليه؟ ، ولماذا لم تطالب بتفعيل اتفاقية جنيف المتعلقه بالمدنيين تحت الأحتلال؟، ولماذا لا يتم تدويل كافة القضايا وعلى رأسها قضية الأسرى ؟ .

كل ذلك أدخل الوضع الفلسطيني الى حالة من الأحتقان السياسي ، إن بسبب الفشل في اعادة اللحمة بين مكونات الدولة الفلسطينية الواحده (الضفة الغربيه وقطاع غزه) ، بعد ان تعثرت المصالحه ودخلت في نفق الخلافات الجانبية والثانويه غير المبرره ، وما رافق ذلك من مهاترات وتبادل الأتهامات بين اقطاب الفريقين المتناحرين على قيادة الشعب الفلسطيني الذي ملَّ منهم وملَّ من خلافاتهم وتجاذباتهم ، والتي ما كان لها ان تكون لولا غياب الأرادة الفلسطينية الحقيقية للأبتعاد عن المصالح الخاصه ، والأقتراب كثيراً من نبض وهموم الشارع الفلسطيني المغلوب على امره . وإن بسبب دخول الخطاب السياسي الفلسطيني الى حالة من حالات الضياع السياسي بعيداً عن مواصفات الدوله وبعيداً عن المؤسساتية الحقيقيه ، فقد تغيّر الحال عن ذي قبل ، وجاء إعلان الدوله ليضع حداً للممارسات الفصائلية والجهويه ، كما جاء إعلان الدولة لفتح الباب على مصراعيه امام القيادة الفلسطينية بالتعامل مع القضايا المعلقة والطارئة اما من خلال المفاوضات رغم كونها عقيمه وذات نتائج محدوده ، او من خلال التوجه الى المحافل الدولية بدعم وتأييد عربي ودولي كحالة الأسرى والأستيطان وغيرها من الأمور الطارئة والمستجده ، ورغم قناعتي التامة والأكيده - وفي ظل غياب الدعم العربي والدولي- ان النتائج ستكون محدوده وربما معدومه إلا ان ذلك اقل الشريين وافضل بكثير من الدعوة الى انتفاضة ثالثه .

صحيح ان القضية الفلسطينية وفي اعقاب اعلان الدوله دخلت الى حالة من الضحك على الذقون ، بعد ان صدّق المواطن الفلسطيني أن له دوله وأن الأستقلال قادم وأن الحرية في طريقها اليه على طبق العالم الحر الذي اكتفى بأن يصوّت للدوله ويعترف بها على الورق ثم اغمض عيونه عن متطلبات هذه الدولة ومقومات صمودها ، وما قد يترتب على هذا الأعتراف من دعم مالي وسياسي ، وما قد تعاني منه هذه الدوله من اوضاع مأساويه لا يمكن حلها بمجرد الأعتراف على الورق بل ان ذلك ابعد وأكثر بكثير.

ولكن غير صحيح ان هذه الدول تجهل او انها تتجاهل ان أهم ما هو مطلوب في اعقاب التصويت والأعتراف هو تحرير الأنسان الفلسطيني ، تحريره من الأحتلال ، وتحريره من الخلافات الفلسطينية الفلسطينيه ، ومن التبعية الفلسطينية العربية والدوليه ، والتحرك نحو الأستقلال السياسي والأقتصادي والأداري والأمني ، وهذا هو اكثر ما يبتغيه المواطن الفلسطيني بعد ان ادرك ان الأعتراف بالدولة قد وضع نهاية لمقولة تحرير الأرض التي عشنا على انغامها ردحاً من الزمن ولم تعد احلام اليقظة تراوده ، وبساوره الشك في تحقيق الحد الأدنى منها .

ثم ان القيادة الفلسطينيه حملت ورقة الدوله وطافت بها العالم للضغط على اسرائيل لأنهاء الأستيطان وفي كثير من الأحيان لتجميده ، وما الى ذلك من امور هي في الأصل جاءت كمضاعفات لوجود الأحتلال واستمراره ، ولكنها نسيت ورقة مهمه هي ورقة السيادة الفلسطينية ليس على الأرض التي لم يتبقى منها غير القليل ، بل حق السيادة على الأنسان الفلسطيني وتحريره من تبعات الأحتلال وهذا اقل ما يمكن فهمه من اعلان الدولة.

ما حدث خلال الساعات والأيام القليلة الماضيه من احداث في الضفة الغربيه بدءاً بمضاعفات اضراب الأسرى عن الطعام ، ومرورا ًبأطلاق النار على مدير التحقيق في مديرية الأمن الوقائي في محافظة جنين ، وأنتهاءً بأستشهاد الشاب " عرفات جرادات " ، كل هذه الأحداث تؤكد ان الحالة الفلسطينية تدخل هذه الأيام في منعطف خطير ، وأننا احوج ما نكون الى حالة من التأمل والتعقل والتحرك ، التأمل لفهم الحالة الفلسطينية وفهم ادواتها والمستفيدين من استغلالها وأستثمارها بهدف تحريك الشارع الفلسطيني وأدخاله في أتون انتفاضة ثالثة لا حول ولا قوة لدى الشارع الفلسطيني عليها ، والتعقل في الحكم على الأمور والتوقف عن المهاترات والتجاذبات السياسية والفصائليه ، والتوقف عن جلد الذات لأن الوقت جد خطير وفي منتهى الحساسية ، والتحرك سريعاً بأتجاه تدويل القضايا الطارئه مثل قضية الأسرى وخاصة اؤلئك اللذين اضربوا عن الطعام ، ورفع القضيه الى مجلس الأمن الدولي ، والطلب من الأمم المتحده ارسال لجان تحقيق قضائيه وقانونيه دوليه للتحقيق في اوضاع الأسرى في المعتقلات الأسرائيليه، والتوقف عن الدعوه الى انتفاضه ثالثه ، لأن هذه الدعوه ستُدخل القضية الفلسطينية في نفق مظلم ، وتُدخل الشارع الفلسطيني في متاهات لا يمكن ضبطها والسيطرة عليها ، وتعطي اسرائيل الأسباب والمبررات للأستيلاء على ما تبقى من الأرض ، فنحن احوج ما نكون الى حكماء وعقلاء يدعون الى التعامل مع المستجدات بطرق اكثر عصرية واكثر حرصأ على مصالح هذا الشعب المنهك والمغلوب على امره ، ولسنا بحاجه الى من يدعون الى المجهول.

http://www.miftah.org