الشهيد الأسير أنيس دولة.. إسرائيل لا زالت تخشى ظهوره في جنازة !
بقلم: عيسى قراقع.. وزير شؤون الأسرى والمحررين
2013/3/9

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14639

بعد 33 عاما على استشهاد الاسير الفلسطيني أنيس دولة في سجن عسقلان عام 1980، واحتجاز جثته داخل ما يسمى مقابر الأرقام العسكرية الإسرائيلية أعلنت المحكمة العليا الإسرائيلية ردا على التماس قدمه مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان أن جثمان الشهيد أنيس دولة قد ضاع واختفى، وأنه لا فائدة من البحث عن جثته لإعادتها إلى ذويه بعد طول انتظار ومتابعة.

الشهيد الاسير أنيس دولة اعتقل عام 1968 وحكم عليه بالسجن المؤبد، وسقط شهيدا في سجن عسقلان يوم 31/8/1980 نتيجة تدهور وضعه الصحي على اثر مشاركته في الإضراب المفتوح عن الطعام والذي استمر 30 يوما.

سلطات الاحتلال بدلا من تسليم جثمانه إلى ذويه احتجزته في مقابرها السرية، ليستكمل حكمه ميتا تحت التراب، ومضى زمن طويل، وروح الشهيد تنتظر من يخرجها من تلك المدافن البائسة، ويحررها من قيود الموت المظلم إلى فضاء الموت الوردي الذي يليق بالشهداء.

أسئلة ضياع جثمان الشهيد أنيس دولة لا تقف عند إغلاق هذا الملف في القضاء الإسرائيلي، وإنما تعود بنا إلى الوراء، إلى ذلك الفدائي الذي خاض معركة الجوع مع زملائه الأسرى، ورفض مساومة أطباء السجن بإعطائه الدواء مقابل وقف الإضراب.

ضياع الجثة يعيد ذلك المشهد لبطل أسير تدهورت حالته الصحية في ملحمة صمود الأسرى، ورفض الطبيب في سجن عسقلان الذي يدعى (أدمون) إعطائه العلاج اللازم، ليسقط أنيس دولة واقفا متكئا على جدار السجن بعد أن فقد الوعي، وقبل أن يموت فتح عيناه فوجد زملائه الأسرى حوله فابتسم ابتسامته الأخيرة.

انتصر الأسرى في إضرابهم التاريخي، كما انتصر أنيس دولة وحقق الأسرى انجازات نوعية وتاريخية، فدفع ثمن هذا الانتصار الشهيد أنيس دولة والذي خرج من باحة السجن شهيدا إلى مقابر مجهولة، وليس إلى بيته وعائلته في مدينة قلقيلية، لم يحظ برائحة البرتقال والجوافة وزفة الشهيد اللائقة.

جثة الشهيد التي دفنت في مقابر مسيجة، لا يدل على سكانها سوى أرقام صدئة، تعرضت لنهش الوحوش الضارة أو الانجراف في فصل الشتاء أو لتجارب وسرقة الأعضاء، لأنه لا كرامة للميت في دولة إسرائيل، وعلى الشهيد الفلسطيني أن يتعذب مرتين: مرة في الحياة ومرة بعد الموت.

أخفت دولة إسرائيل جثة شهيد جاع طويلا، وتعطش كثيرا للحرية، لم يكمل مؤبدة إلا بالموت الحر، صاعدا إلى ملكوته بلا قيود وأبواب مغلقة.

منذ 33 عاما لم تنته محاكمة الشهيد أنيس دولة على دوره الطبيعي في محاولة اقتباس أمثولة الطير في الطيران وضحكة الضوء في عتمة الزنزانة.

لا زالت دولة إسرائيل تناقش حبات الملح في روحه وأسباب فدائيته ، خائفة من ظهوره في جنازة أو من شاهد يدل على قبره، معتقدة أن الأموات تدل على الأحياء، وأن أنيس دولة لا زال يغني نشيد عسقلان في أبديته المتحولة.

بكل هدوء أعلنت محكمة إسرائيل العليا عدم وجود رفاته، شطبوه حيا وميتا، مزقوا كوشان ميلاده وأحلامه المؤجلة، مزقوا صوره وكراساته الملغومة بالأمنيات.

القرار الإسرائيلي يفتح الملف المؤلم مرة أخرى، يلقي الضوء على تلك المقابر الجهنمية التي يجب أن تغلق، ويعود أكثر من 250 شهيدا لا زالوا هناك، إما أنهم ضاعوا أو مزقتهم وحوش النسيان، حتى تختفي آثار الجريمة.

أدعو فقهاء القانون والمؤسسات الحقوقية والصليب الأحمر الدولي أن يقرأوا الفاتحة الآن على عجزهم منذ ثلاثة وثلاثين عاما في تحرير جثة أسير، ويفتشوا معنا عن المفقودين والضائعين والذين اختفت أسماءهم من الوثائق والنصوص، وينسحبوا من بكاءنا الجاف.

أنيس دولة، اسمح لي أن أزورك في الضياع، خرجت من السجن ومن التراب، الآن أراك أكثر، مقيدا من يديك، رصاصات في جسدك، عذابات تسيل من دمك، أرى داخلك يكمل خارجك: شجرا ومطرا ورائحة صلاة.

أنت الاسير الشهيد العائد من الحقيقة إلى الحقيقة،وهم المحتلون التائهون بلا دليل و الغارقون في الخطيئة، أنت لم تمت عابرا في حادثة، بل في انشغالك بترميم غدك كي تتوازن نسبة السخونة في دمك مع نسبة الإيقاع في حلمك فوق سبع سماوات عاليات يقفن فوق سبع جبال شامخات هي دعاء أمك الراضية.

ليس صحيحا أن الشهداء ينقرضون، وأن النهاية تبدأ بالموت، ما دامت إسرائيل تخاف من الأموات فهي من علامات ساعتها القاسية، فالقتلة دائما يعودون إلى معسكراتهم خائبين، والشهداء يعودون إلى بيوتهم أحرارا سالمين.

الآن اقرأ باسمك نشيد عسقلان، نشيدك الأول، في قاعة المحكمة العليا الإسرائيلية:

عسقلان عسقلان عسقلان

في لهيب الدم حدث يا زمان

عن رجال عن جباه لا تهان

نحن شعب ليس فينا من ذليل

ما سما نذل ولا ساد جبان

عسقلان عسقلان عسقلان

http://www.miftah.org