الفلسطينيون واوباما: بانتظار غودو..!!
بقلم: د. لورد حبش
2013/3/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14665

تؤكد طريقة زيارة الرئيس الأمريكي لفلسطين على أن الفلسطينيون بانتظار غودو. من هو غودو؟! باختصار غودو هي قصة انتظار من لا يأتي. فالتعويل الفلسطيني أن يطرأ تغيير على السياسة الأمريكية على المدى القصير أو المتوسط أشبه بانتظار غودو. فلا الولاية الثانية ولا رئيس أمريكي من أصل مسلم سيغير السياسية الأمريكية وذلك يرجع إلى عدد من الحقائق.

عملية صنع القرار في الولايات المتحدة..

يسود اعتقاد في العالم العربي بأن الرئيس له اليد العليا في صنع السياسة الخارجية ولذا ينصب التركيز على الرئيس ويتم تجاهل الكونجرس، وهذا ادعاء عارٍ عن الصحة. فالحقيقة مغايرة عن ذلك فعملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية تتصف بالتعقيد والبطئ وبتداخل قوى متعددة في صنعها. كما تتسم بخضوعها لعدد من القوى فالرئيس الأمريكي لا يستطيع التصرف منفردا حتى في السياسة الخارجية سوءا أكان ذلك في حالة السلم أو الحرب.

لذا تعليق الآمال على انتخاب اوباما للمرة الثانية سيحرره من القيود هو استنتاج خاطئ. فالقرارات في الولايات المتحدة سوءا الخارجية أو الداخلية لا تصنع من قبل الرئيس فقط، فالعلاقة بين المؤسسـات الثلاث هي في واقع الأمر علاقة ندية واستقلال يصاحبها شراكة كاملة في عملية صنع القرار.

اللوبي الصهيوني..

عند الحديث عن جماعات الضغط يبرز دور اللوبي الصهيوني ليس فقط في الانتخابات بل في عملية صناعة القرار الأمريكي. فقد نجح هذا اللوبي في لعب دور فاعل ومحوري في تشكيل القرار الأمريكي تجاه الصراع العربي الإسرائيلي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولذا تميزت السياسة الخارجية الأمريكية بسمة "اسرلة" هذه السياسية.

على الرغم من أن الرئيس لن يخوض الانتخابات ولكن حزبه سيخوضه في الانتخابات النصفية للكونجرس. فللوبي الصهيوني تأثير على انتخابات الكونجرس. كما يجدر التذكير أن تأثير اللوبي لا يظهر في الانتخابات بل يظهر في عملية صنع القرار التي صممت لتسمح لجماعات الضغط بالتأثير على صانع القرار وبخاصة على الكونغرس الذي يعتبر "منطقة محتلة إسرائيليا حقا". فاللوبي يمارس تأثيراته المتواصلة على مدار العام عن طريق وسائل الاتصال الجماهيرية من صحافة وإذاعة ولقاءات جامعية متفوقا على أي لوبي آخر.

تهميش الفلسطينيين وإنكار حقوقهم في السياسة الأمريكية.. لفهم طبيعة العلاقة بين الفلسطينيين والولايات المتحدة لا بد من ربطها بدائرة اكبر وهو علاقة الولايات المتحدة بالعرب والمسلمين وحركات التحرر. ولذا لم ينظر إبراهيم أبو لغد إلى العلاقة بين الفلسطينيين والأمريكان على أنها علاقة ثنائية بل أرجعها إلى منظومة أكبر محللا أسباب عدم دعم الولايات المتحدة للفلسطينيين مرجعا إياها إلى أربعة عوامل. أولها انتساب الفلسطينيون إلى الشعب العربي والمسلم، فقد كانت الولايات المتحدة معادية باستمرار للعرب والمسلمين. وثانيا انتساب الفلسطينيين إلى دول العالم الثالث. فالولايات المتحدة قامت بإتباع سياسة معادية وضارة لمصالح دول العالم الثالث. أما الاعتبار الثالث فيتعلق بالموقف العدائي اتجاه حركات التحرر وخاصة التي تتبنى الوسائل الثورية. فالولايات المتحدة صنفت بعض هذه الحركات مثل المؤتمر الوطني الإفريقي ومنظمة التحرير على أنها حركات إرهابية.

واستنادا إلى ذلك يتحرك اوباما في علاقاته مع الفلسطينيين من خلال الموروث الثقافي والتاريخي الذي يكن عداءا للفلسطينيين لارتباطاتهم بحركات التحرر والعالم العربي والمسلم. لذا لم تختلف السياسة الامريكية اتجاه الفلسطينيين مع تغير وتعاقب الرؤساء الأمريكان منذ الاعتراف بدولة إسرائيل ولغاية اليوم.

القيود التي تفرض على الرئيس في الولاية الثانية.. يُعتقد أن القيود تفرض على الرئيس في ولايته الأولى بينما في الثانية هو يعيش متحررا من أية قيود. ولكن هذا غير صحيح، فالقترة الثانية لا تخلو من وجود اعتبارات وقيود على الرئيس الأمريكي يجب أخذها بعين الاعتبار. وهنا تؤكد منار شوربجي بأنه في الولاية الثانية "كل عام من أعوامها تحكمه اعتبارات تختلف عن الأعوام الثلاثة الأخرى". وترى أن الرئيس يكون له المجال في التحرك في العام الأول فقط، ذلك أثر فوزه بالانتخابات الرئاسية على خصمه وتراكم الخبرات لديه بالمقابل خسارة الحزب الآخر وتخبطه. بينما في العام الثاني تبدأ القيود بالبروز مع قرب انتخابات الكونجرس التي تؤثر بقوة على الرئيس. فالرئيس يصبح في وضع صعب إذا خسر حزبه انتخابات الكونغرس. وهذا حصل مع ريغان ومع كلينتون ومع اوباما في ولايته الأولى. أما العام الرابع فهو العام الذي يمكن أن يسمى المرحلة الانتقالية وهو العام الذي تجري فيه الانتخابات الرئاسية الجديدة. وهذه الانتخابات التي يفرض أن يخوضها حزب الرئيس تتطلب منه أن لا يقوم بسياسات تعرض حزبه للخسارة أو تؤثر عليه سلبا يترك لذا في هذا العام فإن الرئيس "يتحسس طريقه لئلا يسيء لمرشح حزبه".

الرؤساء الأمريكان السابقين في الولاية الثانية..

يكشف الرجوع إلى تاريخ الرؤساء الأمريكان في الولاية الثانية عدد من الوقائع التي قد تجعل القارىء يشك في أن الولاية الثانية للرئيس أوباما قد تقود إلى تغيير كبير في سياساته الخارجية. وذلك يرجع إلى سببين رئيسيين. أولا يحاول أي رئيس أمريكي في الولاية الثانية تجنب ما يطلق عليه المؤرخون والمعلقون السياسيون "لعنة الولاية الثانية". أما ثانيا فهناك تصرفات الرؤساء الأمريكان في الولاية الثانية اتجاه القيام بدبلوماسية نشطة على مستوى الصراع العربي- الإسرائيلي والانحياز للفلسطينيين والعرب.

هذه اللعنة التي تعرض له رؤساء الأمريكان بدءا جورج واشنطن الذي حاصرت الحشود الأمريكية الغاضبة منزله في فيلادلفيا لإدانته بسبب الاتفاقية التي قام بتوقيعها مع بريطانيا. إضافة إلى الفضائح التي لاحقت الرؤساء مثل فضيحة الرئيس نيكسون والتي تسمى بفضيحة وترغيتب والتي قام خلالها بالتجسس على الحزب الآخر. وقد اضطر للتنحي في بداية فترة رئاسته الثانية وذلك تحت وطأة تهديد الكونغرس بإدانته. وفضيحة رونالد ريجان وتسمى فضيحة إيران جيت. وأخيرا فضيحة كلينتون مع مونيكا لوينسكي والتي كانت قربية من أن تؤدي إلى عزله.

إن الرؤساء الأمريكان كانوا يعملون على إنتاج سياسة أكثر حزما في الولاية الأولى وليس الثانية. وهذا عكس ما هو دارج ومعروف. وتاريخ الرؤساء الأمريكان يشهد بذلك. فمثلا بعد قرار عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وردا عليه قامت إسرائيل بالتحالف مع فرنسا وبريطانيا عام 1956 بشن هجوم عسكري على مصر. في أثناء هذا الغزو كانت الولايات المتحدة في خضم معركة الانتخابات الرئاسية بين دوايت أيزنهاور والذي كان الرئيس آنذاك ومرشح فيها لولاية ثانية وبين أدلاي ستيفنسون مرشح الحزب الديمقراطي. ومع ذلك لم يتردد في إعلان موقفه ضد الحرب بل ذهب أبعد من ذلك بإجبار إسرائيل على الانسحاب من سيناء.

أما السياسات النشطة التي قام بها الرؤساء الأمريكان في الولاية الثانية فلا يمكن اعتبارها حازمة أو أنها قامت بفرض أي نوع من الضغوط على إسرائيل بل بالعكس فرضت على الفلسطينيين. فبدءا بكلينتون حيث مارس في عام 2000 ضغوطا قوية على الرئيس ياسر عرفات ليوقع على اتفاقية هي بالأحرى وثيقة استسلام. وقد فعل ذلك في ولايته الثانية وكان بقي له أقل من أشهر في البيت الأبيض. ولما يكتفي بذلك بل أدلى بتصريحات مدحا باراك معتبرا إياه انه قدم تنازلات مؤلمة بعد فشله في إجبار الفلسطينيين وملقيا باللوم على الرئيس.

ولكن المشكلة تبدو أكبر إذا ما تم اخذ ما قاله ستيفن هيس وهو خبير بمعهد بروكينجز بمحمل الجد عندما قال "أن الرؤساء يحاولون دفع أفضل أفكارهم عندما يتولون منصبهم أول الأمر، وغالبا ما يتخلون عنها، من دون مجموعة جديدة من الأفكار للولاية الثانية". فإذا ما طبق ذلك على اوباما بمعنى انه قد قدم أفضل ما لديه في الولاية الأولى فهذا معناه على الفلسطينيون ليس فقط أن لا يتوقعوا منه أي شي بل عليهم توقع التجاهل الكامل لقضيتهم. وهذا ما تؤكده طريقة زيارة الرئيس اوباما.

* استاذة العلوم السياسية في جامعة بيرزيت. - lourdes72@hotmail.com

http://www.miftah.org