تنفذه خمس مؤسسات...
في أم سلمونة وفروش بيت دجن.. حكايات من التغيير والتأثير في ثقافة المجتمع العميقة نحو الأفضل

بقلم: مفتاح
2013/12/23

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=14851

رام الله – أصر محمود رشيد طقاطقة "أبو رشيد"، في الستينيات من عمره ورئيس مجلس قروي أم سلمونة في محافظة بيت لحم على أن يشارك بنفسه في سلسلة لقاءات التدريب ضمن مشروع (Ta jawoob)الذي تنظمه خمس مؤسسات فلسطينية ودولية.

والمشروع، كما تقول د. ليلي فيضي المدير التنفيذي للمبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح"، ممول من قبل الوزارة البريطانية للتنمية الدولية( DFID) ، وينفذ من قبل اتحاد مؤسساتي يرأسه المجلس الثقافي البريطاني ويضم كل من المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح"، والائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان"، والرؤيا الفلسطينية، وهي منظمة شيابية تستهدف على وجه الخصوص تفعيل وتقوية الشباب الفلسطيني من القدس الشرقية، وصندوق التنمية الدولية التابع لهيئة الإذاعة البريطانية، ويمتد تنفيذه حتى العام 2015.

لم يكن "أبو رشيد" الرجل الستيني ورئيس مجلس قروي في قرية أم سلمونة المهمشة من قرى محافظة بيت لحم، وحده المشارك ممثلا عن قريته، ففي القاعة التي جلس فيها للاستماع إلى المدربين رهام نمري، ومعمر كيلاني كان جمع آخر من شباب وفتيات "أم سلمونة، يستمع ويخوض نقاشا معمقا وصاخبا في بعض الأحيان مع المدربين نمري وكيلاني، حين تطرح للنقاش أفكار وقيم مجتمعية سائدة تعكس الثقافة العميقة في المجتمع كالنظرة إلى المرأة ومفاهيم الحرية، وحقها في التعليم والمشاركة.

في هذا الشأن كانت الآراء تتباين، وكان النقاش يحتدم، دون أن يخرج عن سياق الفهم السائد، والكيفية لتطويره إيجابا نحو الحقوق والواجبات، وعدم الاصطدام مع هو سائد من ثقافة مجتمعية يمكن أن يطور المشاركون في التدريب نظرتهم حيالها، ويساهموا لاحقا بتغيير السائد تدريجيا.

لهذا كان " أبو رشيد" ممن أصروا على الحضور والإسهام برأيه والتصريح بقناعاته، إلى جانب شبان آخرين مثل حيان طقاطقة، وهو طالب جامعي وناشط شبابي، ولم تغب عن المشاركة فتيات أم سلمونة ونساءها أمثال فريال سميح طقاطقة رئيسة جمعية نساء أم سلمونة للتنمية والتطوير والتي حضرت لتشارك إلى جانب زوجها، عضو المجلس القروي لأم سلمونة.

تحولت القاعة إلى ميدان لتبادل الرأي والاستماع لأفكار وقناعات عكست مفاهيم سائدة، اختلط فيها الفهم بين العادات والتقاليد والدين، لكنها سارت جميعا في النهاية، نحو تفسير وتوضيح بعض المفاهيم في الثقافة المجتمعية العميقة.

يذكر أبو رشيد، أن مشاركته هذه المرة فيما يقدمه مشروع "تجاوب" من تدريبات يختلف عن مشاركاته السابقة، بالنظر إلى ما يطرح من أفكار تؤسس للتغيير المنشود.

في السابق شارك أبو رشيد في لقاءات نظمتها "مفتاح"، وكان في كل مشاركة يخرج بنتائج مفيدة، لهذا كان متحمسا هذه المرة للمشاركة وحث آخرين من أبناء قريته على المشاركة، علما بأن قريته البالغ عدد سكانها نحو 1100 نسمة، هي من القرى المهمشة، وهي واحدة من قرى الريف الجنوبي لبيت لحم، إلى جانب: جورة الشمعة، واد النيص، خلة الحداد، مراح رباح، مراح معلا، المنشية، وواد رحال.

في مجلس قروي أم سلمونة، عضوتان، لكنهما لا تحضران جلسات المجلس بإرادتهما، كما يقول "أبو رشيد"، واضعا اللوم في ذلك على نظام "الكوتا" الذي يفرض حضورا للنساء في المجلس، وبالتالي حين وقع الاختيار على العضوتين كان لتكملة العدد ليس إلا، ولم يخضع لأية معايير أخرى.

يأمل "أبو رشيد" أن تحقق مشاركته، ومشاركة أبناء قريته في تدريب "تجاوب" الفائدة لأهالي القرية، وأن تتغير بعض المفاهيم السائدة، دون أي اصطدام بثقافة المجتمع السائدة. كما يأمل أن تواصل "مفتاح" وشركاءها في هذا المشروع تنظيم المزيد من اللقاءات والدورات مستقبلا.

الأمر ذاته ينطبق على المواطنة فريال سميح طقاطقة رئيسة جمعية نساء أم سلمونة للتنمية والتطوير التي حضرت وزوجها للمشاركة في اللقاءات التي نظمتها "مفتاح"وشركائها في مشروع تجاوب، وسيواصلان مستقبلا هي وزوجها المشاركة في هذه اللقاءات . تقول" شاركت في السابق في عدة لقاءات ركزت على بناء القدرات، إضافة إلى دورات تعليمية وتثقيفية وإسعاف أولي.. لكن اللقاءات الأخيرة ضمن هذا المشروع هي الأكثر استفادة بالنسبة لي ولزملائي الآخرين خاصة أنها تطرقت إلى موضوعات هامة تخص مجتمعنا ومنها قضية المساواة بين الرجل والمرأة، وسبل تمكين المرأة في مجتمعها".

بعد اللقاء التدريبي الأخير تطمح فريال طقاطقة للوصول إلى عضوية المجلس القروي في أم سلمونة، رغم أن زوجها عضو فيه حاليا. وكما قال "أبو رشيد، فإن طبيعة نظام "الكوتا" المطبق حاليا هو السبب في عدم فاعلية عضوتي المجلس الحالي وعدم مشاركتهما في أي من جلساته. وتضيف" حاولنا تفعيل مشاركتهما لكن للأسف دون جدوى".

مع ذلك تصر فريال على أن المشاركة المستمرة في ورش التدريب واللقاءات التثقيفية التشاركية التي عكسها مشروع تجاوب على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة إليها، وتتمنى من "مفتاح: ومن شركائها في المشروع وداعميه ديمومته واستمراره.

كان حضور الناشط الشبابي والطالب الجامعي حيان طقاطقة من ذات القرية فاعلا وكبيرا في النقاشات التي جرت على مدى يومين متواصلين بإشراف المدربين رهام نمري، ومعمر كيلاني. نقاشات لم تخل من الجدل حيال المفهوم المتعلق بحرية المرأة وحقها في التعليم. وبتعريف هذه الحريات والحقوق.

كان لحيان مفهومه الخاص إزاء ذلك، فهو لا يعارض على سبيل المثال حق المرأة في التعليم، ويضعه أولوية فيما لو قدر له أن يختار بين تعليم ابنته أو ابنه... وفي هذا جرت نقاشات عميقة، بين الحضور من المشاركين في التدريب بين مؤيد لتعليم المرأة ضمن ما هو سائد من مفاهيم، وبين من دعا إلى تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل في التعليم وغيره.

حيان طالب جامعي، تخصص لغة عربية في جامعة القدس المفتوحة، ويعمل متطوعا لدى مؤسسة الرؤيا العالمية، ورئيس لجنة القرية في المؤسسة المذكورة.

يؤمن حيان بأن التغيير في ثقافة المجتمع يجب أن يتم بالتدرج، وبالتالي ما يقدمه تدريب "مفتاح" وشركاءها يعطي الإمكانية للمشاركين في أن يساهموا في التغيير المطلوب، بعد أن تتضح لها كثير من الحقائق المتعلقة ببعض المفاهيم السائدة، وعدم الخلط على سبيل المثال بين ما هو عادة وتقليد في الثقافة العميقة للمجتمع، وما بين الدين، والعكس صحيح. ولهذا يصف حيان النقاشات التي تدور خلال اللقاءات بأنها نبش في ثقافة ذات عمق تاريخي وديني نشأ المجتمع عليها. وبالتالي حين يتعلق الأمر بالمساواة، يرى حيان أن ما يؤمن به هو العدل، لكنه يتحفظ على موضوع المساواة.

لم تقتصر المشاركة في لقاءات التدريب هذه، على قرية أم سلمونة، شيبا وشبابا من نساء ورجال، بل كان لقرية فروش بيت دجن في منطقة الأغوار نصيب من ذات التدريب بإشراف المدرب عدي أبو كرش، وبمشاركة أعضاء من المجلس القروي، ومن فتيات وشباب القرية.

لا يخفي عماد عدنان اسماعيل عضو المجلس القروي لفروش بيت دجن، ومنسق اللجنة الاعلامية فيها مناصرته ودعمه للمرأة. وهو يؤكد بأنه ينحدر من مدرسة فكرية تؤمن بهذا الحق، لكن ما يزعجه في مشاركة المرأة في المجالس المحلية هو نظام الكوتا ، فهو نظام مستفز ، لأنه لا يعطي المرأة ما تستحقه من مكانة ودور.

وفيما يتعلق بقريته، يعتقد اسماعيل أن النساء في فروش بيت دجن يتميزن عن نساء فلسطين، فجميعهن رياديات. يضيف" قريتنا تقع ضمن منطقة c، وبيوتنا من الصفيح، ومن تقبل أن تعيش مع شريك حياتها في هكذا ظروف، وأن تقوم بكل ما تترتب عليه المسؤولية من إدارة البيت وزراعة الأرض وتربية الماشية، والقيام بأي مسؤوليات أخرى، بما في ذلك إدارة مشاريع، فهي تستحق التقدير والاحترام".

يتابع" مثل هذه اللقاءات وورش العمل توفر لنا قاعدة مهمة من الإدراك والفهم لمعنى مشاركة المرأة وتفعيل دورها. نحن في قرية فروش بيت دجن عدد سكان القرية يصل إلى نحو 1200 نسمة. لدينا ثروة حيوانية كبيرة تقدر بأكثر من 30 ألف رأس غنم، ولكان لدينا من الأراضي ما مساحته 13 ألف دونم، لم يبق الإسرائيليون لنا سوى ألفي دونم. رغم ذلك، هناك مجلس قروي يضم عضوتين، وكلتاهما للأسف لا تشاركان في اجتماعات المجلس، بالنظر إلى الضغوط الاجتماعية،وبإرادتهما أيضا. ما أراه من هذه اللقاءات هو أنها ترسخ مفاهيمي على نحو شخصي إزاء دور المرأة، وربما يترك ذلك تأثيره في المشاركين ليس إزاء موضوع المرأة فقط بل حيال كثير من المفاهيم الأخرى سائدة".

الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة إلى أنوار اسماعيل صادق، وهي خريجة جامعية، ومتطوعة في الإغاثة الزراعية، وعضو في اللجنة الاعلامية لقرية فروش بيت دجن.

كان خروجها من البيت للمشاركة في اللقاء وورشات العمل إنجاز كبير، لم يكن ليتحقق لولا دعم والدها لها، وقناعته، بأن أي مشاركة لأنوار يجب أن تكون ذات جدوى، وأن يكون لها الدور والرأي المؤثر.

تقول أنوار" لهذا شاركت في ورشات التدريب، وكان التركيز فيها شاملا على واقع المرأة، والمشكلات التي تعيق تحقيق مطالب النساء، وملامسة هموم المواطنين. صحيح أنني درست في الجامعة وأنهيت دراستي منها. لكن ما طرح في لقاءات التدريب وسع من مداركي ومن مفاهيمي، وأحدث تغييرا مهما في فهم بعض الموضوعات والقضايا خاصة القضايا الاجتماعية والسياسية التي كنا نجهل فهم الكثير منها".

تؤكد أنوار أنها لن تتردد بعد اليوم في خوض انتخابات المجلس القروي لفروش بيت دجن إذا أتيحت لها الفرصة مستقبلا. وأسعى حاليا إلى تشجيع عضوات المجلس للمشاركة بصنع القرار من خلال مواقعهن، عملا بنصيحة والدي: "إذا لم تستطيعي أن تفعلي شيئا، فالأفضل لك أن تنسحبي... ما بدي إياك مجرد رجل طاولة".

بعد هذا التدريب، تأمل أنوار بأن تنال حظا ونصيبا من التدريب هي وباقي زملائها في اللجنة الإعلامية في مجال الإعلام وإيصال صوت المهمشين وكذلك المناطق النائية والمهمشة إلى العالم، والتشبيك مع مختلف الأوساط الإعلامية.

منهجية "قومي"

يقول رهام نمري، أحد المدربين الذن أشرفوا على تدريب المشاركين في اللقاء التدريبي الأخير الذي عقدته المؤسسات الخمس ومنها "مفتاح"، أن تدريب المشاركين استند إلى منهجية "قومي" للتحويل المجتمعي في حالات الصراع، وهي منهجية تتعامل مع العمق الثقافي والبنيوي لمجتمعات في حالات صراع داخلية أو خارجية. وتبحث المنهجية في العمق الثقافي لتلك المجتمعات من خلال الولوج في عملية بحث عن الثقافة السائدة، أماكن الاستقاء وماهية الظروف السائدة في الحقبة الزمنية التي اخرجت هذه الثقافة. بالإضافة الى ذالك توضح المنهجية كيفية ترجمة هذا العمق الثقافي من خلال العمق البنيوي، القوانين والبنى المجتمعية الداعمة لهذه الثقافة والتي تقويها. كما أن المنهجية ترسي مجموعة من المفاهيم الجديدة، ابرزها مفهوم الاحتياجات الانسانية الاساسية والعمل على تلبية هذه الاحتياجات كشرط لتحويل الصراعات المجتمعية ذات طابع الهوية، ومن هنا تنطلق المنهجية بمستوى حل مختلف وهو ليس حل الصراعات بل تحويلها مجتمعيا، والوصوال الى الحل المرتقي الذي يلبي احتياجات جميع الاطراف المتصارعة.

في حين أن الموضوعات التي تخللتها الورشة الاخيرة كانت استكمال طبيعي لما قد تم نقاشه في المراحل السابقة، علما أن اللقاء الاخير كان الثالث وسيليه لقاءين أخرينبواقع أربعة أيام . وتشمل هذه الموضوعات في الاساس مكانة المرأة في المجتمع المستهدف، وكيفية تعامل المشاركين مع هذا الموضوع. من الواضح ان مواقف المشاركين عند بداية الورشة تختلف كل الاختلاف عن مواقفهم اليوم، علما انهم كانوا ضد اي عملية تمكين للمرأة ولكن في نهاية اليوم الخامس، طلبوا إضافة اهداف في هذا الاتجاه منها: حق المرأة في اتخاذ قراراتها، و تمكين المرأة في المجتمع.

وختم نمري حديثه بالقول" من الواضح أن المشاركين يمرون في تجربة استثنائية، استطاعت تغيير الكثير من المفاهيم لديهم. وهذه المفاهيم هي نتاج ثقافة مجتمع تحولت في بعض الاحيان الي شيء اقدس من الدين، ولذلك نرى صعوبة كبيرة في البداية حتى لدى طرح هذه المواضيع، لكن التغيير المشار اليه أدى الي جرأة في الطرح من قبل المشاركين والقدرة على النقاش والتغيير ومن ثم التحويل.

http://www.miftah.org