هل تضع حداً للتساؤلات والتجاوزات المالية؟
بقلم: عبد الرؤوف ارناؤوط
2003/3/3

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=165

في خطوة غير مسبوقة، اقليميا وعالميا، كشف النقاب يوم 28 شباط عن التفاصيل الكاملة والدقيقة لاستثمارات السلطة الفلسطينية واعمالها التجارية المقدرة بما يزيد عن 600 مليون دولار مقسمة على 79 استثمارا تجاريا وحساباتها البنكية المقدرة بما يقارب 73 مليون دولار وذلك كخطوة اولى من المقرر ان تفضي لتحديد سياسات واستراتيجيات التعامل مع هذه الاستثمارات والاموال من قبل صندوق الاستثمار الفلسطيني قد يكون من بينها خصخصة هذه الاستثمارات.

وسيضع التقرير الواقع في 345 صفحة، حدا لتساؤلات ثارت على مدى اكثر من 8 سنوات من عمر السلطة الفلسطينية بشأن هذه الاستثمارات والحسابات البنكية وتفاصيلها وفضلا عن ذلك فان ارباح هذه الاستثمارات ستوجه الى خزينة السلطة الفلسطينية فيما من المتوقع ان يؤدي نشر تفاصيل هذه الاستثمارات الى وضع حدا لتجاوزات مالية قامت بها بعض الاجهزة الامنية في الضفة الغربية وقطاع غزة لسنوات.

الخطوة التي تعتبر، وفقا للمراقبين، ثورة في الشفافية كانت تمت بقرار وتعليمات من الرئيس ياسر عرفات – كما قال د.سلام فياض، وزير المالية ورئيس مجلس ادارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، الذي قال: "لسنوات عديدة والناس تتحدث عن نشاطات تجارية واستثمارية تدار بعيدا عن المسائلة.. كان هناك الكثير من الاشاعات والاقاويل بسبب عدم وجود مرجعية واضحة لأي شخص للحصول على المعلومات بهذا الشأن". وأضاف فياض في حديث مع الصحفيين الفلسطينيين: "الان نحن، السلطة الوطنية الفلسطينية، نقول هذه هي الموجودات وهو ما يشكل انجازا هاما غير مسبوقا خصوصا في ضوء كل ما قيل عن النشاطات التجارية والاستثمارية للسلطة وعن الكيفية التي كانت تدار بها بعيدا عن الرقابة وبعيدا عن المساءلة".

ويتضمن التقرير تفصيلا وتحليلا موسعا لجميع الاستثمارات والاعمال التجارية للسلطة الفلسطينية على مدي السنوات الماضية ويتضح منه ان اكبر استثمار للسلطة الفلسطينية كان في شركة اتصالات اوراسكوم في الجزائر بقيمة 90 مليون دولار، يليه شركة الجوال الاردني (فاست لينك) بقيمة 66 مليون دولار ثم شركة الاسمنت الفلسطينية بقيمة 54 مليون دولار، وغيرها من الشركات في فلسطين والعالم العربي تم تدقيقها وفق المواصفات العالمية من قبل شركتين عالميتين.

وتأتي هذه الخطوة كثمرة لقرار الرئيس عرفات اقامة صندوق الاستثمار الفلسطيني وتعيين مجلس ادارته المكون من 7 اعضاء برئاسة فياض وعضوية منيب المصري، نائب رئيس مجلس الادارة وممثل القطاع الخاص، ومحمد رشيد، مدير عام الصندوق، وماهر المصري (وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد)، اضافة الى 3 ممثلين للقطاع الخاص هم عزام الشوا وسامر خوري وطلال ناصر الدين.

وقال د.فياض: "لقد وعدنا الشعب الفلسطيني بتجميع كافة النشاطات التجارية والاستثمارية للسلطة الفلسطينية تحت عنوان واحد وتحت ادارة مؤسسة واحدة ومن هنا اتى تأسيس صندوق الاستثمار الفلسطيني كعنوان لكافة النشاطات الاستثمارية والتجارية للسلطة الفلسطينية ولادارة هذه الموجودات بما ينسجم مع اعلى درجات الشفافية ويسمح باقصى قدر من المساءلة.. هذا عنصر مهم من عناصر الاصلاح المالي التي اعلنا عنها في صيف العام الماضي والتي بدأنا بتنفيذها خطوة تلو الاخرى".

وأضاف أن الصندوق "اسس بقرار من الرئيس في شهر آب من العام الماضي زانهينا النظام الاساسي لهذا الصندوق ونشرنا كل ذلك وقمنا بالتعاقد مع خبراء ومستشارين دوليين (standard and poors) و(democracy council) لمساعدتنا في تجميع هذه الموجودات وتقييمها منالناحية المادية وشفافية العمليات المختلفة وطلبنا منهم ان يقدموا لنا تقريرا بهذا الشأن وهو ما حصل وقد عقدنا اجتماع لمجلس ادارة الصندوق وها نحن ننشر التقرير للجمهور دون تغيير او حذف لكي يتسنى لكافة فئات الشعب ان تكون على اطلاع بما يجري وعن الكيفية التي يدار فيها المال العام".

واشار د.فياض الى ان قيمة الاستثمارات تزيد عن 600 مليون دولار وقال: "هذا التقرير يحتوي على قائمة لكل الموجودات والنشاطات التجارية والاستثمارية للسلطة الفلسطينية.. فهو يتضمن كل ما كان يدار من قبل شركة الخدمات التجارية الفلسطينية بكافة نشاطاتها المختلفة بالاضافة الى بعض النشاطات التجارية التي لم تكن تدار من قبل هذه الشركة مثل الهيئة العامة للبترول وشركة البحر والصخرة وغيرها"، وأضاف: "اصبح صندوق الاستثمار الفلسطيني المرجعية لكل هذه النشاطات".

ويتضح من التقرير بأن ثمة استثمارات قد تم تقييمها من قبل مؤسسات التدقيق الدولية واخرى ما زالت قيد التقييم اما عن قيمة هذه الاستثمارات فيشير د.فياض الى انه تم تقييمها بناء على قيمتها في الوقت الحالي وليس في وقت الاستثمار سيما وان الاحداث التي شهدتها الاراضي الفلسطينية على مدى اكثر من عامين من عمر الانتفاضة قد اثرت سلبا على هذه الاستثمارات التي يشير التقرير الى بعض المشاريع المجمدة منها.

وفي هذا الصدد قال د.فياض "بالتأكيد فان الاحداث التي شهدتها الاراضي الفلسطينية قد اثرت على قيمة هذه الاستثمارات واذا لاحظت فان قائمة الاستثمارات في التقرير تتضمن مشاريع قد اوقفت اضف الى ذلك فان هناك مشاريع مغلقة ولا تدر اي ربح مثل الفنادق". وأضاف: "الاسهم في الكثير من المشاريع فقدت من قيمتها وكما تعلمون فان النشاط الاقتصادي الفلسطيني انهار بأكثر من 50% بالقياس مع عام 2000 وبالتالي لا يمكن ان يحدث هذا الانهيار دون ان تتردى حالة المشاريع التي نساهم بها او نملكها بالكامل.. خذ على سبيل المثال الاسمنت فحركة البناء قبل عامين ليست كما هي الان وبالتالي فان ربحية هذا المشروع منخفضة بشكل كبير وهذا ينسحب على كل شيء".

وتابع رئيس مجلس ادارة صندوق الاستثمار الفلسطيني "القيمة الواردة في التقرير تعكس القيمة السوقية الحالية للموجودات التي تم تقييمها".

ومع ذلك فقد نفى د. فياض ان تكون السلطة الفلسطينية قد اضطرت نتيجة للازمة المالية التي مرت بها على مدى العامين الماضيين لأن تبيع جزء من هذه الاستثمارات او استخدام اي من ارباحها، وقال: "لم نقم بذلك حتى الان لسبب واحد وهو ان هذه الموجودات هي في معظمها موجودات ثابتة وبالتالي لا امكانية لبيع اي منها في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي ما نعيشها". الارباح ستذهب الى حساب الخزينة الموحد..

ويقول فياض ان ارباح هذه المشاريع ستوجه الى حساب الخزينة الموحد للسلطة الفلسطينية بعد ان لم تكن تدخل في هذا الحساب. وقال: "ادخلنا هذا العام رقم تقديري لارباح الشركات (30 مليون دولار سنويا) وسنعيد تقييم هذا الرقم في ضوء ما نعرفه الان عن الشركات". وأضاف: "ارباح النشاطات التجارية للسلطة يجب ان تتوفر كل عام وليس ان تحول او تستثمر .. من الممكن اعادة استثمارها الا ان هذا يتطلب قرارات موافق عليها، وان تكون خاضعة للرقابة ذلك لانه مال عام ولا يدار كالمشروع الخاص".

وعما اذا كان جزء من هذه الاموال سيستخدم في صندوق التقاعد قال د. فياض "ليس بالضرورة.. توجد متأخرات علينا لصندوق التقاعد ونحن ملتزمون بتسديد المتأخرات المترتبة علينا لهذا الصندوق". واضاف: "المتأخرات حدثت لأننا لم نكن ندفع الحصة الشهرية المترتبة علينا ولكن من الان فصاعدا سندفع حصتنا وسنعمل على المستحقات واجبة السداد لصندوق التقاعد البالغة 170 مليون دولار".

لا نسب للاجهزة الامنية.. ويقول اعضاء في المجلس الشتريعي ان بعض الاجهزة الامنية كانت على مدى السنوات الماضية تحصل على نسب معينة من بعض استثمارات السلطة وعلى وجه التحديد الاسمنت والبترول وهو ما يقول د.فياض انه سيتوقف كليا ولن يسمح به.

وقال وزير المالية في هذا الصدد "لن يسمح ان يكون هناك اي تصرف بالمال العام في أي مجال الا بما ينسجم مع القانون وتحديدا قانون الموازنة العامة الذي اقره المجلس التشريعي في الاول من شباط 2003.. الموازنة العامة التي اقرها المجلس التشريعي هي محددة الانفاق وهي القانون الذي يحكم الانفاق ولن يتم صرف اي مبالغ او التصرف بالمال العام بأي شكل خارج نطاق الاطار القانوني الذي اقره المجلس التشريعي".

الاستثمار للقطاع الخاص وليس الدولة.. ويقول د. فياض انه تم حاليا حصر الموجودات المتعلقة بالاستثمارات والتقييم جار اولا بأول، مشيرا الى ان الخطوة التالية بعد ذلك ستكون تحديد الاستراتيجية والسياسات فيما يتعلق بهذه الاستثمارات سواء بخصخصتها او غير ذلك معتبرا ان الخطوة الاهم كانت حصر الموجودات.

وقال: "هذه خطوة هامة على صعيد تحقيق الشفافية المطلقة في ادارة المال العام وهي خطوة باتجاه ادارة المال العام ومن ثم اتخاذ القرارات المناسبة بشأن هذه الاستثمارات ..سنقرر اذا ما كنا سنواصل العمل في النشاطات التجارية كلها او جزء منها وكيفية الخروج منها.. كل هذه الاسئلة ستبحث وسيتخذ القرار بشأنها في الوقت المناسب بعد نقاش موضوعي وهادئ".

وأضاف: " انا شخصيا اؤمن بأن التجارة مهنة شريفة ولكنها ليست للدولة فهذا العمل هو للقطاع الخاص وبالتالي فانه لن تكون هناك اي مصداقية لاي حديث عن الخصخصة قبل ان نعرف ما ننوي خصخصته وما هي الموجودات".

وعن اسباب منح القطاع الخاص دورا كبيرا في صندوق الاستثمار الفلسطيني من خلال تمثليه باربعة اعضاء في مجلس الادارة المكون من 7 اعضاء قال وزير المالية: "ينبغي للقطاع الخاص ان يكون المحرك الرئيسي للعجلة الاقتصادية في هذا البلد، اما القطاع العام فيجب ان ينحصر دوره في تقديم الخدمات الاساسية والبنية التحتية والتأكد من وجود شبكة امان اجتماعي للتعامل مع احتياجات الفئات الاقل حظا في المجتمع .. القطاع العام ليس للتجارة، ولا يجب ان يكون للحكومة دور ربحي في الاقتصاد، فالحكومة مدير ولا ينبغي ان يكون لها دور ربحي في الاقتصاد ..هذا رأيي انا".

بتكليف من الرئيس عرفات ودعم منه ونفى وزير المالية ان تكون هذه الخطوة قد اتت تحت ضغط دولي او ان يكون الهدف منها تقليص حجم الاموال الواقعة تحت تصرف الرئيس عرفات مشددا على ان ما يجري هو بتكليف من الرئيس ودعم منه، وقال: "نحن نحرص على ان يكون لدينا افضل الانظمة المالية الممكن اعتمادها.. نحن شعب قادر على الانجاز ولا يجوز ان نقبل بأقل من الافضل.. عندنا الامكانية ومشهود لنا بالكفاءة ومن باب اولى ان نبني دولتنا على افضل الاسس وان نتأكد من ان الانظمة التي نعتمدها ونتبعها في الادارة هي الافضل دوليا وليس فقط اقليميا".

وأضاف: "هذه خطوة اصلاحية القصد منها هو ترتيب الوضع المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية والذي كلفنا بهذا الاصلاح هو الرئيس عرفات نفسه فهو مصدر التكليف وهو الذي طلب منا ان نصلح الوضع المالي والادارة المالية في الوطن ..الامر يتم بتكليف من الرئيس عرفات ودعم من قبله".

وذكر فياض ان هذه الخطوة تساعد الفلسطينيين على التعامل مع احتياجاتهم بحيث يحققون الكفاية الذاتية مع مرور الوقت، وقال:"هذا هو القصد، كما انه يمكننا من البدء بتمويل نفاقاتنا التطويرية.. هذه هي فلسفتنا المالية على المدى المتوسط.. وضعنا المالي صعب وذلك بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية فالتحصيل الضريبي مرتبط تماما بالوضع على الارض وما لم تتحسن الاوضاع الاقتصادية على الارض، وهذا مرهون بازالة كافة العقبات والمعيقات المفروضة علينا من قبل اسرائيل، لن يكون هناك تحسن كاف في الايرادات بما يمكننا من التعامل مع احتياجتنا ..".

وأضاف: "اي تحسن في الايرادات يجب ان يساهم في دفعنا خطوة الى الامام باتجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي بما في ذلك المساهمة في تمويل نفقاتنا التطويرية.. الان تمول هذه النفقات بشكل شبه كامل من قبل المانحين لأننا لا نستطيع الان الوفاء بهذا الالتزام في ظل الظروف المالية الصعبة التي نواجهها ولكن يجب ان يكون ذلك هدف واضح للسياسة المالية".

وتابع د. فياض "يجب ان تكون لدينا فلسفة مالية تحكم تصورنا للسياسة المالية على المدى المتوسط والطويل قائمة على اساس ان جميع النفقات بشقيها الجارية والتطويرية هي من مسؤوليات الدولة وان اي تحسن في الادارة من شأنه ان يؤدي الى تحسين في التحصيل الذي من شأنه ان يؤدي الى تحسين في تعزيز قدراتنا الذاتية في مواجهة التزاماتنا والوفاء بها وفي الاوقات المناسبة".

وفي هذا الصدد فقد ذكر وزير المالية ان السلطة الفلسطينية قامت خلال الاسابيع القليلة الماضية بتسديد جزء من المتأخرات لموردين ومساعدات اجتماعية وطبية وقال"التزام السلطة حقيقي وهي مصرة على الوفاء بكل التزاماتها ..حدث تأخير بسبب الاوضاع المالية الصعبة التي واجهناها ولكن جميع الاستحقاقات ستصرف ونحن ملتزمون بذلك ".

الخطوة التالية تحديد الاستراتيجيات والسياسات.. وذكرالوزير فياض ان الخطوة التالية بعد حصر الموجودات هي تحديد السياسات والاستراتيجيات، وقال: "التقييم مستمر ومجلس الادارة سيبدأ الان بالتركيز على السياسات والاجراءات الاستراتيجية المتعلقة بهذه الاموال والموجودات". واضاف: "الان سنبدأ بنقاشها بعمق وسنحدد الطريقة المثلى لادارة هذه النشاطات والنشاطات التي من المستحسن البقاء فيها الى حين والنشاطات التي من الممكن ان نحيلها الى القطاع الخاص ومتى .. كل هذه الاسئلة اصبحت الان مركزية في التعامل مع هذه الاستثمارات والموجودات".

http://www.miftah.org