محققون متخصصون يتولون القيام به يساعدهم اطباء!: «التحقيق العسكري» الإسرائيلي: تعذيب من دون آثار تحت سقف «القانون»
2005/5/19

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=3042


نشرت الزميلة "الحياة اللندنية" تقريرا خاصا من اعداد آمال الشحادة حول أساليب التعذيب للمعتقلين الفلسطينيين. ولأهمية التقرير، نعرضه كما هو بالكامل:

«... هل سمعت بالتحقيق العسكري؟ ربما لم تسمع به، ولكنني سأريك ما هو هذا التحقيق. الأفضل ان تعترف وإلا فمصيرك تحقيق لم تتخيل مثله في اسوأ احلامك». هدد محقق الاستخبارات الإسرائيلية الفلسطيني محمد فوزي من طولكرم، بعد ساعات طويلة من التحقيق معه والتنكيل به والتعذيب «التقليدي» في غرف التحقيق. تعالت صرخات المحقق: «اجلس على هذا المقعد». كان المقعد صغير الحجم من دون «ظهر» كبل المحقق يديه وقدميه الى الخلف ثم امره بالقيام بتمارين رياضية. ارجاع الظهر الى الخلف ثم العودة الى الأمام. «لم اقدر بداية على الحركة، فلما امسكني وألزمني بإرجاع ظهري شعرت بآلام حادة في يدي ورجلي، ولما اعادني الى الأمام كانت الآلام اقسى في منطقة البطن والصدر والظهر. طلب مني ان اكرر التمرين لوحدي. لم اقدر فوقعت اكثر من مرة، وكلما كنت اقع كان يهال علي مع آخرين بالرفس والضرب ثم يكررون ما سموه بالتمرين الرياضي مرات عدة. كان تعذيباً قاسياً لا يمكن تحمله, وسبب لي نزيفاً في اليدين والرجلين عند مكان التكبيل».

ما تعرض له محمد فوزي ليس اقسى اساليب التعذيب الجديدة التي ابتدعها «الشاباك» (جهاز الاستخبارات العامة في اسرائيل) تحت ستار «التحقيق العسكري» للتحايل على القرار الإسرائيلي الصادر عن محكمة العدل العليا في عام 1999، ويمنع بموجبه ممارسة اساليب التعذيب عند التحقيق مع الفلسطينيين. ومنذ اكثر من سنة، وبالتحديد عندما بدأت الأجهزة الأمنية تتحدث عن ملاحقة المطلوبين الذي وصفتهم بـ»القنبلة الموقوتة»، قرر «الشاباك» استخدام اساليب خاصة من التحقيق مع هذا الصنف من المعتقلين الفلسطينيين كوسيلة لا تدخل في باب الاعتداء الجسدي الذي يمكن ان يترك اثراً ويوصل المحققين الى المساءلة والمحاكمات. وهي اساليب تلزم الفلسطيني المعتقل بـ»الاعتراف» بالمعلومات الكاملة والدقيقة لتوصلهم الى بقية «القنابل الموقوتة». بمعنى آخر «تحقيق لإبطال مفعول القنابل الموقوتة» واتفق على تسميتها بـ»التحقيق العسكري» والذي يشمل اساليب تعذيب عدة منها:

- «الموزة»: يجلس الفلسطيني على كرسي من دون ظهر وتكون يداه ورجلاه مكبلة الى الخلف. المحقق يجلس خلفه ويمسكه من يديه ويشد بالظهر الى الأسفل بدرجة 45 لتصبح وضعيته شبيهة بشكل «الموزة».

- «الحصان»: المعتقل يقف الى جانب الحائط وعيناه معصوبتان، يداه ورجلاه مكبلتان. يضع المحقق رأس المعتقل على الحائط ويلزمه بطي ركبتيه ويبقى على وضعه حتى يقع، فينهالون عليه بالضرب ثم يعيدونه الى وضعيته الأولى.

- «الشبح»: تعليق حلقات في سقف الغرفة وأحد جدرانها ويتم شبح المعتقل، يداه على شكل رقم 7 ورجلاه على شكل رقم 8 ويبقى على وضعه ساعات طويلة تتخللها اعتداءات.

- «الكرسي الثابت»: يتم تثبيت كرسي من دون ظهر بقطعة حديد طويلة. تكبل يدا المعتقل الى الخلف وتربط بقطعة الحديد ثم يبدأ المحقق بتحريك الجسم في شكل يؤدي الى ألم في اليدين والظهر او يأمر المعتقل بالقيام بتمارين رياضية بإعادة ظهره الى الخلف ثم الى الأمام.

- «التكبيل المضاعف»: وفيها يتم تكبيل يدي المعتقل بقيدين في كل يد، احدهما عند الرسخ والثاني عند الكوع ويقوم المحقق بشد القيود بقوة حتى تنتفخ الأصابع وعندها يضغط على الأصبع بشدة. شكاوى المعتقلين تؤكد ممارسة الضرب خلال اساليب التعذيب المذكورة ومنعهم من النوم ساعات طويلة وتعرضهم للبرد الشديد او الحر الشديد، وفوق هذا كله التعرية التي مارسها المحققون كواحدة من اكثر اساليب التعذيب النفسية.

هذه الأساليب، غير المعروفة بعد لجميع المعتقلي، مورست على ما لا يقل عن ثلاثين معتقلاً فلسطينياً في الشهور الستة الماضية وأبلغهم المحققون في شكل واضح ان ما يمرون به هو تحقيق «عسكري» يوصلهم في النهاية الى الاعتراف. وعند الحديث عن ظروف الأسرى القاسية وأساليب التعذيب تجاههم يرفض «الشاباك» الاعتراف بممارسة اساليب تعذيب قاسية ويؤكد ان من يجري التحقيقات «محققون واعون للقانون وما يمارسونه من اساليب تحقيق لا تخرج عن الإطار القانوني. ويعترف بتسمية «التحقيق العسكري» والتي هي «انجح الوسائل التي وضعت حداً لتنفيذ العمليات ضد اهداف اسرائيلية».

بهذا المفهوم اعطى الشاباك الشرعية لتحقيقه العسكري تجاه «القنابل الموقوتة» ويتفاخر بنجاحه بتحقيق اهدافه من التحقيق من تشرين الأول (اكتوبر) الماضي. وبعد اعتقال رئيس الجناح العسكري لحركة «حماس» في الخليل، عماد قواسمي، تمكنا من اعتقال 400 ناشط فلسطيني من تنظيمات مسلحة، بينهم من كان يستعد لتنفيذ عمليات وهناك من كانت مهمته تزويد الأسلحة. باعتقال هؤلاء منعنا العشرات من العمليات الانتحارية» قال ممثل الشاباك وهو يبرر استعمال اساليب التحقيق.

قرار الاغتيال

في شهادات قدمها اسرى اطلق سراحهم لـ»اللجنة ضد التعذيب» (حركة اسرائيلية تتابع اوضاع التحقيق في الشرطة والاستخبارات في اسرائيل) تحدث هؤلاء عن تعذيب يسبب حالات انهيار وحالات مرضية للأسرى، وأكثر من معتقل تحدث عن شعوره باقتراب الموت منه بعد ممارسة هذه الأساليب.

محمد فوزي الذي افرج عنه بكفالة قيمة 15 ألف شيكل (3450 دولاراً) عاد الى منزله وهو يعاني مشاكل صحية صعبة وانهياراً عصبياً، وما زالت آثار التعذيب واضحة على جسده. وخلال شهر واحد نقص وزنه عشرة كيلوغرامات وما زال غير قادر على المشي.

ويؤكد فوزي انه لا ينتمي الى أي تنظيم سياسي، وهو باحث في جامعة القدس في «الدراسات الإقليمية للمجتمع الإسرائيلي»، ومؤسس جمعية «الكوفية» بالتعاون مع مؤسسات دولية من ايطاليا وفرنسا والدنمارك، وهي تقدم مساعدات للفلسطينيين المحتاجين والفقراء بينهم عائلات فقدت معيلها الوحيد. هذه المساعدة حولته لدى اسرائيل الى «قنبلة موقوتة»، فاتُّخذ قرار باغتياله خرج الى حيز التنفيذ في الثالث من شباط (فبراير) الماضي وحددت ساعة التنفيذ لدى عودته من الجامعة، «عندما خرجنا من الجامعة لاحظت مع بقية الزملاء الطائرات تحوم فوق المنطقة لكننا لم نعرها اهتماماً لأنها باتت مسألة عادية في ظل الاحتلال. لم اكن اعلم انني المستهدف. ولم اعلم ان الجيش اعلن حال استنفار وأبلغ السلطة الفلسطينية بأنه يلاحق مطلوباً باسم محمد فوزي توجه الى القدس لتنفيذ عملية. لدى وصولي الى الحاجز اقترب مني جندي وفي حركة واحدة بيده لبقية الجنود على الحاجز تجمعت قوة كبيرة. اقترب عدد كبير منهم وأخرجوني من سيارة الأجرة وانهالوا عليّ بالضرب. بدأوا بتفتيشي وهم يسألونني اين اخفي الحزام الناسف، وشهروا بنادقهم نحوي. دخلت في حال ذهول ولم اعد اعلم ما يدور حولي. ولما كررت لهم اكثر من مرة انني لا احمل حزاماً ناسفاً، حملوني الى السيارة مكبل اليدين والرجلين ومعصوب العينين. عندما ازالوا العصابة وجدت نفسي في معسكر للجيش. رموني ارضاً وواصلوا الضرب ثم اطلقت صفارة الخطر وحصلت ضجة لم افهمها. شعرت ان الموت يقترب مني بعدما هددني كل منهم بإطلاق الرصاص علي. بعد دقائق من صفارة الخطر وصلت شرطة عسكرية امرتهم بالابتعاد عني ونقلتني الى سجن الجلمة. كان الدم ينزف من وجهي ولم اكن قادراً على التحرك بسبب ضربي على مختلف انحاء جسمي».

الى هنا تبدو الصورة عادية لمن يتابع اساليب التعامل مع الفلسطينيين. ولكن بعد دخول السجن فإن التعامل يختلف بين سجين وآخر وبين اسلوب وأسلوب. وما لم يعرف عن تفاصيلها بعد هي اساليب التعامل مع «القنابل الموقوتة». فهؤلاء لهم محققون خصوصيون وغرف تحقيق خاصة وحتى الأطباء الذين يزورونهم لهم مهمة خاصة ايضاً.

المحطة الأولى من التحقيق مع «القنابل الموقوتة» داخل السجن تبدأ بالإهانة والإذلال... «ادخلوني الى غرفة فيها محققون عدة». يروي محمد فوزي: «اقترب احدهم وطلب مني ان اخلع ملابسي. رفضت وسألته اذا ما كان عمل في سجن «ابو غريب»، في العراق، رد علي «سأريك بالفعل سجن ابو غريب» نزعوا ملابسي بالقوة وبعد ساعات من التحقيق والأسئلة نقلوني الى زنزانة صغيرة تنبعث منها رائحة كريهة جداً. كانت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل. لم استطع النوم بسبب وضعية الغرفة حتى السابعة صباحاً. نقلوني الى غرفة التحقيق، وكان فيها ثلاثة محققين. كان كل منهم ينظر إلي وكأنه يريد افتراسي. على احد حيطان الغرفة كانت حلقتان من الحديد فيما تدلت من السقف حلقتان اخريان. حال دخولي طلب احدهم مني ان انظر الى الحلقات. نظرت ولم افهم ما يقصد. ثم حمل احدهم كرسياً ووضعها تحت الحلقتين وطلب مني الوقوف عليها ثم كبل يدي بالحلقتين من السقف على شكل رقم سبعة ثم رجلي من الحلقتين في الحائط على شكل رقم ثمانية. وما هي إلا ثواني حتى بدأوا بضربي وأنا في وضع غير قادر على الحركة. شعرتب بأن الدم سينفجر من يدي ورجلي بسبب شد التكبيل عليها. وخلال تعذيبي كان يسألني المحقق اذا ما كنت اريد ان اعترف بأنني ناشط في الجهاد الإسلامي وأنني كنت في طريقي لتنفيذ عملية. اجبته بأنه لا يوجد عندي ما اعترف به. وحدثتهم طوال الوقت عن نشاطي الاجتماعي ودراستي في الجامعة وبأنني لا انتمي الى أي تنظيم لكن ذلك لم يجد نفعاً. بعد وقت من ضربي حضر جنديان وطبيب. كان الطبيب يرشدهم الى مواطن الضعف في جسد الإنسان، التي يكون فيها الضرب أليماً وموجعاً جداً ومن دون ان يترك علامات. كانت الضربات مؤلمة جداً وكلما كنت اصرخ كان احد المحققين يقول لي: «اصرخ. انت اليوم بالنسبة إلينا مشروع تجارب». ويواصل الضرب حتى وصل الى حد وضع يديه بشدة على حلقي الى درجة شعرت بأنني سأموت».

«عملية الشبح» استمرت 12 ساعة. بقي خلالها محقق واحد في الغرفة قضى وقته باللعب على «الإنترنت» وبين الفترة والأخرى كان ينهال علي بالضرب ويعود ليتناول الطعام والشوكولا والفواكه ويستفزني بطريقة اكله وبسؤالي اذا ما كنت اريد الطعام في وقت لم اتناول الطعام منذ اعتقالي قبل يوم. «الشبح» واحد من اساليب التعذيب تلته في ما بعد:

- الجلوس على كرسي ثبتت قطعة جديد عليه من الخلف. وخلال ساعات طويلة تكبل اليدان الى الخلف وتربطان بقطعة الحديد فيما تبقى الرجلان مكبلتين. وتتم طريقة الربط في شكل يؤدي الى ضغط شديد على الأطراف عند اية حركة «كان الجلوس في شكل قاس وكلما تحركت كان الدم ينزف من يدي ورجلي».

- اسلوب «الموزة» و»الحصان».

وعلى رغم قساوة اساليب التعذيب هذه إلا انها ليست الوحيدة التي يمارسها المحققون مع بقية «القنابل الموقوتة»، وربما منع الضغط الدولي الذي مارسته جمعيات من ايطاليا والدنمارك وفرنسا للإفراج عن محمد فوزي المحققين من تطبيق كل اساليب تعذيب «التحقيق العسكري» معه. وقد افرج عنه بكفالة مالية.

ووصلت الى «اللجنة ضد التعذيب» 17 شكوى من معتقلين فلسطينيين تعرضوا للتحقيق العسكري، كانت جميعها مشابهة في اساليب التعذيب التي يشملها هذا التعذيب. احدى اقسى الإفادات كانت لقائد الجناح العسكري لحركة «حماس» في الخليل عماد قواسمي الذي اثارت عملية اعتقاله ضجة اعلامية كبيرة والتقطت الصور للجندي وهو يقوده بملابسه الداخلية معصوب العينين.

وأفاد قواسمي عن تعرضه لمعظم اساليب التحقيق العسكري المذكورة، وأضاف ان المحققين اعتدوا عليه بالضرب وركزوا على وجهه وأذنيه ما سبب له آلاماً مبرحة. وأفاد ان التركيز على اذنيه ادى الى خروج مادة سائلة ساخنة من احداهما. المديرة العامة للجنة ضد التعذيب، حانا فريدمان، تشير الى ان المحققين مارسوا شتى اشكال التعذيب في شكل غير قانوني ويناقض قرار المحكمة العليا. وقالت: «قرار المحكمة العليا حول التعذيب لم يكن متكاملاً، اذ ترك ثغرة للشاباك استغلها لتنفيذ التعذيب تحت ذريعة «القنبلة الموقوتة». كان يتوجب على المحكمة العليا ان تصدر قراراً يمنع التعذيب منعاً كلياً على عكس ما جاء في قرارها الذي اتاح التعذيب في حالات خاصة فقط». وفيما ترى فريدمان ان الشاباك يمارس مخالفة كبيرة في تنفيذ اساليب التعذيب يصر المسؤولون عن المحققين ان هذه الأساليب قانونية و»هي الرادع الوحيد لتنفيذ العمليات بعدما فشلت السلطة الفلسطينية في القضاء على التنظيمات التي تخطط العمليات وتنفذها». - (الحياة اللندنية 19 آيار 2005) -

http://www.miftah.org