تقرير حول أعمال التجريف والهدم في قطاع غزة
2005/6/13

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=3194


أصدر المركـــز الفلسطــيني لحقـــوق الإنســان تقريره رقم 11 حول أعمال التجريف والهدم للأراضي الزراعية والمنازل السكنية والممتلكات المدنية التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة خلال الفترة بين 1/05/2004- 31/05/2005. وفيما يلي نص التقرير:-

مقدمـــــة

يهدف هذا التقرير إلى الوقوف على جرائم قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي ضد الأراضي الزراعية والمنازل السكنية والممتلكات المدنية الفلسطينية. فمنذ بداية الانتفاضة في التاسع والعشرين من العام 2000، وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير، واصلت تلك القوات وبشكل ممنهج تدمير الممتلكات المدنية وتجريف الأراضي الزراعية وهدم المنازل السكنية في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.

يغطي هذا التقرير– وهو الحادي عشر الذي يصدره المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان- [1] الفترة ما بين 1/5/2004-31/5/2005. ويقتصر على عمليات التجريف والهدم التي قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. جدير بالذكر أن الفترة ما بين مايو/2004-يناير/2005، شهدت تصعيداً كبيراً في عمليات قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، فيما شهد قطاع غزة حالة من التهدئة النسبية من الفترة ما بين فبراير/2005- تاريخ إعداد هذا التقرير، لاسيما على صعيد تدمير الممتلكات المدنية وتجريف الأراضي وهدم المنازل وعمليات القتل. هذه التهدئة مردها إلى الهدنة المعلنة بعد شرم الشيخ بتاريخ 8/2/2005.

وعلى الرغم من التهدئة المشار إليها، إلا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي واصلت انتهاكاتها الأخرى بحق المدنيين الفلسطينيين، حيث لا تزال تلك القوات تقوم باعتقال المدنيين على الحواجز، فضلاً عن استمرارها في فرض الحصار المشدد على قطاع غزة، حيث تغلق المعابر الحدودية بين الفترة والأخرى، و تغلق الطرق الرئيسية والفرعية التي كانت قد أغلقتها منذ بدء الانتفاضة، مما خلف واقعاً مأساوياً وظروفاً حياتية صعبة جداً.

كذلك بقيت المناطق التي شهدت عمليات تدمير الممتلكات وهدم المنازل وتجريف الأراضي، تعيش واقعاً غير آمن، حيث لا تزال آلاف الأسر والعائلات مشتتة، بدون مأوى خاص لها، كما لا يزال أصحاب الأراضي الزراعية غير قادرين على إعادة إصلاح تلك الأراضي سواء بسبب قلة الإمكانيات المادية، أو بسبب عدم قدرتهم على الوصول إلى أراضيهم نتيجة قربها من المواقع العسكرية لجنود الاحتلال، أو لقربها من المناطق الحدودية أو المستوطنات.

وفي مقابل التهدئة المذكورة في قطاع غزة، تشهد المناطق في الضفة الغربية المحتلة، ازدياداً ملحوظاً في وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية، خاصة عمليات سلب الأراضي واقتلاع الأشجار وتجريف الأراضي الزراعية وهدم المنازل السكنية، حيث تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلية بناء الجدار الفاصل، والذي يلتهم آلاف الدونمات الزراعية التي تعود لمواطنين فلسطينيين، علاوة على ما خلفه الجدار من تأثير بالغ الصعوبة على مجمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية. فضلاً عن ذلك تستمر القوات الحربية الإسرائيلية في إطلاق النار على المدنيين، وفرض الحصار المشدد على المدن والقرى والبلدات في الضفة الغربية. ووفقا لتوثيق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان خلال الفترة التي يغطيها التقرير، جرفت تلك القوات ما مجموعه 8807 دونماً، من الأراضي الزراعية، فيما قامت بهدم وتجريف العشرات من شبكات الري وماتورات المياه التابعة للأراضي الزراعية، كما طالت أعمال الهدم ممتلكات السكان من الثروة الحيوانية كخلايا النحل المنتجة للعسل وحظائر الحيوانات والطيور، وأتت أيضا على عدد كبير من مخازن المزارعين وأسوار المزارع وبعض البيوت المصنوعة من الصفيح. معظم هذه الأعمال كانت في الفترة ما بين مايو/2004-يناير/2005.

وخلال الفترة نفسها، هدمت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي 992 منزلاً سكنياً بشكل كلي، فضلاً عن حوالي 707 منزلاً أصيبت بأضرار جزئية مختلفة. وقد أسفرت عمليات هدم المنازل السكنية عن تشريد سكانها دون أي نوع من الإخطار المسبق، ودون أن يتمكنوا من نقل ممتلكاتهم من داخل منازلهم. وقد خلفت تلك العمليات غير القانونية واقعاً إنسانياً مأساوياً لشاغليها، كونها كانت تتم في ظروف مفاجئة لهم ودون أي إبلاغ أو تحذير مسبق من قبل قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي. وأصبح حوالي 18681 شخصاً بدون مأوى، بواقع 2963 عائلة، حيث أصبحوا بحاجة ماسة لتوفير احتياجاتهم الرئيسية من الغذاء والملابس والرعاية الصحية والمأوى المناسب.

وبهذا تصبح مساحة ما جرفته قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي من الأراضي الزراعية منذ بداية انتفاضة الأقصى وحتى نهاية شهر مايو 2005، حوالي 31699دونماً، أي قرابة 20% من مجموع الأراضي الزراعية للقطاع، البالغ مساحتها 156720 دونم. فيما بلغ مجموع المنازل التي هدمتها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي بشكل كلي حوالي 2704منزلاً، فضلاً عن 2185منزلاً أصيبت بأضرار مختلفة. وقد خلفت عملية هدم المنازل تشريد وتشتيت حوالي 49979 شخصاً، أصبحوا يعيشون بدون مأوى، وذلك بواقع 6379 عائلة. محافظة رفح شكلت حالة كارثية ونموذجاً صارخاً لعمليات هدم وتدمير منازل السكان المدنيين على مستوى الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد دمرت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، منذ بداية انتفاضة الأقصى وحتى 31/5/2005، حوالي 1467 منزلاً تدميراً كلياً فيها، وتعرضت مئات المنازل والوحدات السكنية لعمليات تدمير جزئية، أصبح معظمها غير صالح للسكن. وقد شكلت الفترة التي يغطيها التقرير نموذجاً تصعيدياً سافراً في ارتفاع حجم عمليات الهدم والتدمير للمنازل في هذه المحافظة، حيث دمرت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي 435 منزلاً فيها. وقد تركزت هذه العمليات على امتداد الشريط الحدودي مع مصر، وتركزت في أجزاء كبيرة من مخيم رفح، حي قشطة والشاعر شرق بوابة صلاح الدين الواقعة داخل الشريط الحدودي، حي البرازيل، حي السلام منطقة تل زعرب وغرب رفح ومحيط منطقة موراج.

من جهة أخرى اعتبرت منطقة بيت حانون في محافظة الشمال من أكثر المناطق التي طالتها عمليات تجريف الأراضي الزراعية. واعتبرت أيضاً منطقة منكوبة. حيث تعرضت المنطقة المذكورة إلى اجتياحات متكررة كان آخرها في الفترة ما بين 29/6-5/8/2004، وقد نتج عن ذلك تجريف 4005 دونم زراعي. وفي معظم الأحيان كان يصاحب الاجتياحات فرض حصار مشدد علي المنطقة، ومن ثم عمليات تجريف وتدمير للممتلكات والبنية التحتية.

الانتهاكات الصارخة التي نفذتها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي في قطاع غزة، تسببت في تدهور غير مسبوق للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأهالي القطاع، خاصة للمزارعين الذين فقدوا ممتلكاتهم وكذلك أولئك الذين أصبحوا بدون مأوى. فقد حرم الآلاف من العمال الذين كانوا يعملون في زراعة وفلاحة تلك الأراضي من الاستمرار في شغلهم لأعمالهم، وبالتالي فقد انضم هؤلاء العمال إلى صفوف العاطلين عن العمل، حيث فقدوا مصدر رزقهم الذي يعتاشون منه هم وعائلاتهم، وأصبحوا في عداد العائلات الفلسطينية التي تعيش تحت مستوى خط الفقر.

عدا عن ذلك خلفت سياسة هدم المنازل وتجريف الأراضي التي قامت بها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي أثاراً كارثية على البيئة. حيث تحولت آلاف الدونمات من أراضي طبيعية وزراعية إلى مناطق صفراء وجرداء غير قابلة للاستخدام الزراعي في الوقت الحالي، وإن إعادة استصلاحها يحتاج إلى أموال طائلة ليس بمقدور أصحابها توفيرها. فضلاً عن حرمان السكان من الفوائد التي تؤديها عشرات الآلاف من الأشجار في تلطيف البيئة والمناخ، وذلك جراء اقتلاعها وتسويتها في الأرض من قبل قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي. إضافة إلى هلاك الثروة الحيوانية ونفوق الطيور بأنواعها المختلفة، وتدمير آلاف خلايا النحل التي كانت تؤم هذه المناطق وتعتاش منها.

إن سياسة الاعتداءات المنظمة التي تقوم بها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، على الأراضي الزراعية الفلسطينية ومنازل السكان المدنيين، شكلت، ولا تزال بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني، انتهاكات جسيمة وخطرة. بل إنها جزء من العقوبات الجماعية التي تحظرها قواعد هذا القانون. إن قيام تلك القوات بهذه الأعمال لا يمكن أن يفسر إلا في إطار ما يمكن أن يسمى أعمالاً انتقامية ضد المدنيين وممتلكاتهم من الأعيان المدنية، وهي أعمال غير قانونية، بل ومخالفة للقواعد والأعراف الدولية، وينبغي ملاحقة مقترفيها ومن أعطى الأوامر بارتكابها. إن التركيز على القطاع الزراعي الفلسطيني واستهدافه بات واضحاً وهدفاً أساسياً لقوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي الغاية الأساسية منه هو تدمير هذا القطاع الذي يشكل العمود الأساسي للاقتصاد الفلسطيني.

http://www.miftah.org