المتفائل من شرقي القدس
بقلم: عكيفا الدار
2007/9/5

الموقع الأصلي:
http://www.miftah.org/display.cfm?DocId=7776

لم يكن عفيف صافية ملزما بالقراءة في الصحيفة عن أن وزيرة الخارجية تسيبي لفني تقترح تخفيض التوقعات من مؤتمرالسلام المزمع في الخريف القادم. ممثل م.ت.ف في الولايات المتحدة عاد في نهاية الاسبوع الى واشنطن مع قدر أقل من التوقعات مما كان لديه عندما حلق من هناك لزيارة الوطن قبل ذلك بأسبوعين. مروره عبر الحواجز وهو متوجه الى رام الله وأريحا جسد له الفجوة الكبيرة بين الوعود البهيجة التي أعطتها اسرائيل للامريكيين لتسهيل حياة سكان المناطق وتحسين مكانة أبو مازن وبين الواقع المحزن هناك. "أنت تعرف ما هو تعريف المتشائم؟"، سأل صافية، ورد على نفسه بابتسامة مريرة: "هو متفائل مع قدر من المعلومات".

كما أن توقعات عفيف صافية من الامريكيين المستضيفين الدوريين له متدنية حتى معدومة. "لقد آن الأوان لأن تُفطم الادارة الامريكية من عقدة الازدواجية التي تعاني منها. أنا آمل جدا بأن يكون المؤتمر نقطة انعطافية تكون مؤشرا لعملية سلام موثوقة وغير قابلة للتغيير. صافية يقتبس كلمات القائد الصهيوني ناحوم غولدمان الذي وصف رحلات هنري كيسنجر المكوكية في اواسط السبعينيات قائلا: "الدبلوماسية في الشرق الاوسط هي فن تأجيل الامور التي لا يمكن ردها قدر المستطاع". صافية ما زال يأمل بأن ينجح المؤتمر القادم في دحض مقولة غولدمان المذكورة.

لو منحوا لقب "آبا ايبان الدبلوماسية الفلسطينية"، لكان هناك شك بأن يكون لعفيف صافية منافسين على هذا اللقب. وزارة الخارجية الاسرائيلية كانت ستكون مسرورة جدا لو امتلكت دبلوماسيين ذوي روح دعابة وطلاقة لسان مثله بالانجليزية والفرنسية. عفيف صافية يعمل في مجال العلاقات الخارجية في اطار م.ت.ف طوال عمره منذ أن غادر مسقط رأسه مدينة القدس وتوجه للدراسة في بلجيكا. في سن التاسعة عشرة كان عفيف صافية رئيسا للفرع البلجيكي لاتحاد الطلبة الفلسطينيين.

بعد ذلك بخمس سنوات عندما أنهى في باريس شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية كان على رأس الفرع الفرنسي لاتحاد الطلبة الفلسطينيين، ومن هناك انتقل ابن العائلة المقدسية الكاثوليكية التي انتقلت من حي البقعة في غربي المدينة الى حي الشيخ جراح شرقيها للعمل في ممثليات م.ت.ف مع الامم المتحدة في جنيف. وعمل صافية كذلك في مكتب عرفات في بيروت (من 1978 – 1981) كمسؤول عن الشؤون الاوروبية وشؤون الامم المتحدة.

في عام 1988 عندما كان ممثلا لـ م.ت.ف في هولندا كان صافية مشاركا في المفاوضات التي جرت بوساطة وزير الخارجية السويدي، ستان أندرسون، والتي أفضت الى فتح حوار مباشر بين الولايات المتحدة وم.ت.ف. وفي عام 1992 بعد أن عُين ممثلا لـ م.ت.ف في لندن بعامين عقد عفيف صافية لقاءا بين أبو العلاء وبين الدكتورين الاسرائيليين يائير هيرشفيلد ورون فونداك.

هذا كان اللقاء المباشر الاول وليس الأخير بين شخصية فلسطينية بارزة مع اسرائيليين. امتداد ذلك كان اتفاق اوسلو كما نعلم. بعد التوقيع على الاتفاق التاريخي قدّم عفيف صافية لوزارة الداخلية الاسرائيلية طلبا بالعودة الى أحضان عائلته في القدس في اطار جمع شمل العائلات، وخطط لاصدار اسبوعية نوعية باللغة الانجليزية مُتمكنا من تجنيد عدد من المُبدعين والكُتاب البارزين وعلى رأسهم البروفيسور ادوارد سعيد. اسرائيل أغلقت أبوابها أمامه رغم أن السبب لا يعود لعدم وجوده في سجل السكان الذي نُظم في احصاء عام 1967 إبان دراسته في الخارج.

قبل أقل من عامين، وبعد قدر غير قليل من الجهود نجح رئيس السلطة محمود عباس ووزير الخارجية السابق في حكومته ناصر القدوة باقناع وزير خارجية م.ت.ف، فاروق القدومي، بنقل رئيس الممثلية الفلسطينية في واشنطن حسن عبد الرحمن الى مكاتب م.ت.ف في المغرب. بعد 15 عاما تحول خلالها عفيف صافية وزوجته البلجيكية الى جزء من المشهد الدبلوماسي اللندني، أبحرا مع ابنتيهما الطالبتين عبر المحيط باتجاه القارة الامريكية.

ضربة قاتلة

عفيف صافية يسبح منذئذ في مياه عكرة. العربي المسيحي (صافية هو ايضا ممثل م.ت.ف في الفاتيكان)، اضطر الى التصدي لوباء الخوف من الاسلام الذي أصاب الامريكيين بعد عمليات ايلول 2001. لم يكفيه فقط أن عليه أن يواجه اللوبي اليهودي، صاحب التأثير الواسع في العاصمة الامريكية، وانما كان عليه أن يناور كذلك بين م.ت.ف المناطق وم.ت.ف الشتات، بين حكومة فتح الضفة وحكومة حماس – غزة. صافية يقول انه لا يرقص على أنغام أي طرف كان. في كل صباح يقرأ الصحف بالانجليزية والعربية ويبني لنفسه جدول اعمال وخطوطا للسياسة التي يتبعها.

"بسبب عدم التوازن بيننا لا يمكننا أن نتقدم من دون تدخل طرف ثالث"، يقول صافية في محادثة من شرفة فندق "نوتردام". "مع كل الاحترام للرباعية الدولية إلا أن الولايات المتحدة تبقى الدولة الوحيدة الأعظم في العالم، وهي تتصرف على هذا النحو بالفعل تجاه العرب. إلا أنها تتصرف نحو اسرائيل وكأنها بوزن ليختنشتاين أو لوكسمبورغ سياسيا. أنا أُرحب بقرار بوش لعقد القمة الدولية، ولكن فشل هذه القمة سيكون ضربة قاتلة للعملية التي تبدو أصلا في نظر الكثيرين مجرد كلام فارغ.

صافية يسعى للتأكيد على أنه لا يتطلع لدق إسفين بين امريكا واسرائيل، إلا أنه يؤمن أن اليوم الذي سيقول فيه الامريكيون لاسرائيل بأنها لا تستطيع مواصلة أخذ ما تبقى لديهم منهم، ليس ببعيد. المقصود هنا المساعدة ورفض ما هو غير مريح لها من النصائح. "رسالتي كدبلوماسي فلسطيني للمجتمع الامريكي ليست المطالبة بأن يتنازلوا عن صديقتهم وانما أُطالبهم باضافة صديق جديد. ليست لدي مشكلة مع الالتزام الامريكي بوجود اسرائيل وأمنها. أنا فقط اسأل اصدقائي الامريكيين: هل أنتم ملتزمون ايضا بتوسع اسرائيل الاقليمي؟ هل تتضمن مصلحتكم وجود الاحتلال الاسرائيلي في المناطق؟ وهل يساوي ذلك تخاصمكم مع كل العالم العربي؟.

"أنا أقول لاصدقائي الامريكيين بأن امريكا هي مجتمع رائع متعدد ومتنوع، وأمة الأمم. امريكا استوعبت ثمانية ملايين مسلم، نصفهم من العرب، و400 ألف فلسطيني. خسارة أن الكثيرين منهم يشعرون بأن الدولة التي تبنتهم ليست حساسة لمأساة وطنهم. استطلاعات الرأي تشير الى أن 60 في المائة من الامريكيين كانوا يرغبون برؤية سياسة أكثر توازنا تجاهنا. اغلبيتهم لم تؤيد قرار الادارة الامريكية برفض وقف اطلاق النار خلال حرب لبنان الثانية، و70 في المائة يؤيدون حل الدولتين".

صافية لا يتنازل عن الصوت اليهودي خلال وجوده في واشنطن مثلما لم يفعل ذلك خلال خدمته الطويلة في لندن. في شهر شباط نشرت الاسبوعية اليهودية "بورفارد" مقالة كتبها عفيف صافية الممثل الفلسطيني في امريكا، حيث حاول من خلالها اقناع القُراء اليهود بأن عليهم أن لا ينخدعوا من السياسيين الاسرائيليين الذين يبيعونهم وهْم "عدم وجود شريك فلسطيني".

صافية كتب بأن السلام والأمن لا ينموان من خلال التوسع الاقليمي وانما من خلال القبول المتبادل بين الطرفين. "العالم العربي من المغرب حتى مسقط أبدى استعداده خلال سنوات للاعتراف بوجود اسرائيل اذا انسحبت حتى خطوط حزيران 1967"، ادعى عفيف صافية، "الصراع العربي – الاسرائيلي لا يتواصل بسبب الرفض العربي للاعتراف بوجود اسرائيل، وانما بسبب الرفض الاسرائيلي للموافقة العربية"، هذا الموقف تكرر كلمة بكلمة ايضا خلال المقابلة التي أُجريت معه في القدس.

انجاز متواضع

عفيف صافية يُحدثنا بالدعابة حول الاسرائيلي الذي سُئل اذا كان يريد بأن تكون دولته الولاية 51 للولايات المتحدة الامريكية، فرد "هل جُننتم؟ لماذا نرغب بالاكتفاء بنائبين في مجلس الشيوخ". بعد أن ضحكنا للحظة اقترح عفيف صافية على الاسرائيليين بأن ينتبهوا للتيارات الجديدة في الجالية اليهودية في امريكا. "الكثيرون من مؤيدينا أفرادا ومنظمات يأتون من الجالية اليهودية. نحن نتحدث عن اشخاص ذوي حساسية اخلاقية عالية يعانون من السلوك الاسرائيلي تجاه الفلسطينيين. العهد الذهبي لايباك قد أصبح من ورائنا. تحفظ اللوبي من اتفاق اوسلو وعدم حماسة بعض قادته لخطة فك الارتباط التي طرحها شارون أظهرت هذا اللوبي حتى في نظر قادة اسرائيليين على صورة المنظمة ذات المواقف المتطرفة. بعد قضية التجسس التي اتُهم فيها موظفين في ايباك يزداد الشعور في واشنطن بأن هذه المنظمة تستغل سطوتها بصورة مفرطة جدا".

الدبلوماسي الفلسطيني يشعر بالتشجيع من أن منظمات يهودية ليبرالية مثل "اصدقاء السلام الآن"، "تحالف العدالة والسلام"، و "فوروم السياسة الاسرائيلية" تتحدى احتكار ايباك، ويقول أن تأييد هذه المنظمات للتسوية مع العرب يؤثر على الكثيرين في مجلس النواب. "الشركاء اليهود يُتيحون لهم التقدم في الاتجاه الصحيح من دون أن يحولوهم الى لاساميين".

مع ذلك يضطر عفيف صافية وأفراد طاقمه الصغير (اربعة مبعوثين) الى التعرق وهم يعملون بجهد في مقر مجلسي النواب والشيوخ حتى يقنعوا النواب بأن ليس كل فلسطيني مخربا محتملا، ويتذكر بأسى عضو الكونغرس الذي قال له من دون تردد بأنه يشك بأن يكون هناك شيء اسمه "فلسطيني معتدل".

http://www.miftah.org