مفتاح
2024 . الجمعة 5 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
كثر الحديث في الآونة الأخيرة، عن تصوّرات (بريئة) تطالب أو تتحدّث عن فكرة حلّ السلطة الوطنية الفلسطينية، بهدف إحراج إسرائيل أمام المجتمع الدولي كما يرى البعض، وكخطوة، إختلفت الآراء حولها، للهروب ربمّا إلى الأمام، من قبل السلطة الفلسطينية، للخروج من مأزق تفاوضيّ إستمرّ لنحو عشرين عاماً لم يؤتِ أكله حتى اللحظة، وهو ما يشكّل صفعة قوية للمفاوض الفلسطيني الذي بات في مهبّ ريح السياسة الدولية..

ولا يفترض بأن أفاجئ أحداً إذا ما قلت بأن المجتمع الدولي بأسره، وعلى رأسه الولايات المتحدة واللجنة الرباعية والإتحاد الأوروبي، يتعامل مع الوضع القائم في فلسطين التاريخية، من باب إدارة صراعٍ فقط، وليس من باب حلّ الخلاف التاريخي بكلّ جوانبه الديمغرافية والجغرافية والدينية والسياسية، لعلمهم يقيناً بأن هذا الصراع، لا يمكن حلّه من قبل أيّ كان ببساطة، في اتفاق سلامٍ ينهي كلّ أشكال الصراع ويعيد السلام إلى أرض السلام المفقود، لعقيدةِ كلّ الأطراف الدينية الراسخة، بأن هذا الصراع، هو الصراع الأزليّ، وأن نهايته تكون في معركة حاسمة ذكرتها كلّ الأديان السماوية، وربما اختلفت فقط في تفسيرها..

ومن حقّنا كفلسطينيين، ونحن نعترف الآن بأننا الطرف الأضغف في هذه المعادلة الشائكة والمترامية الأطراف، رغم أننا نمتلك الحقّ، أن نتسائل من هو المستفيد الأكبر، ومن هو الخاسر الأكبر، من فكرة حلّ السلطة الفلسطينية، على علّاتها جميعها..

قد يجيب البعض متسرّعاً، ومنفعلاً ومتحمساً لما جرى ويجري في بعض الدول العربية، بأن الفلسطينيين هم من سيكونون أكثر المستفيدين من حلّ السلطة، وفي نفس الوقت، فإنهم يرون بأن إسرائيل ستكون الخاسر الأكبر، لإنها ستتحمّل ما أسموه (مسؤولياتها) تجاه الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي، كدولة تحتلّ أرض فلسطين.. هذه الفئة، وهي بالمناسبة ليست فئة قليلة أولاً، وليست عديمة الوطنية ثانياً، بل على العكس، فإن ما يحرّكها هو حسّها الوطني الكبير، والمندفع كثيراً، وربما في بعض الأحيان اليائس من الوضع القائم، ومن عدم تحقيق أيّ تقدّم فيما يخصّ إقامة الدولة المستقلة ذات السيادة، والتي تعيش بأمن وسلامٍ، بعيداً عن كلّ عنجهية الإحتلال..

ولكنني لا أتفق مع من يرون ذلك، وأختلف معهم في الفكرة والتفسير.. اختلف معهم في فكرة (حلّ السلطة) من حيث المبدأ، لأن ذلك سيكون هروباً قاتلا لكلّ القضيّة الفلسطينية، ولأن ذلك يعني ببساطة التفسير، توقف صرف الرواتب، وتوقف عمل الوزارات كافة، وتعطّل كلّ مصالح الفلسطينيين في الضفة الغربية، وانتشار الجريمة المنظمة وغير المنظمة، وعودة الفلتان الأمني الذي لن يجد من يوقفه هذه المرّة.. حلّ السلطة سيؤدّي حتماً لخلافات فصائلية كبيرة، وفي غالب الظن ستؤدي لخلافات داخل الفصيل أو التنظيم الواحد، وستخرج هذه الخلافات إلى الشوارع.. توقف صرف الرواتب سيؤدي بالضرورة إلى صراع كبير بين الموظفين والبنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية، فالقروض البنكية أعطيت بكلّ سهولةٍ ويسر، وبكلّ عسرٍ يتم تسديدها رغم انتظام الرواتب، أمرٌ سينعكس على استقرار شريحة الموظفين الحكوميين الكبيرة، وبالتالي لا أحد يستطيع التنبؤ بما يمكن أن يكون الخيار البديل بعد توقف صرف تلك الرواتب عند هؤلاء الموظفين، الذين تغطيهم الديون والقروض والإلتزامات المادية..

حلّ السلطة بالضرورة سيؤدّي إلى توقّف كلّ المشاريع، وأخصّ بالذكر مشاريع البنى التحتية، وسيرفع نسبة البطالة بشكل مخيف، وسيوقف عمل المدارس والجامعات.. تخيّلوا لو أن كل أبناء أو إخوة من نعرفهم، سيتوقفون عن التوجّه إلى المدارس أو الجامعات إلى أجل غير مسمى بسبب توقف عمل وزارة التربية، وهي الجسم الناظم.. حلّها، سيوقف عمل وزارة الصحة، والمستشفيات والعيادات، وسيوقف عمل وزارة الداخلية في إصدار جوازات السفر، أو شهادات الميلاد أو أيّ شيءٍ آخر.. حلّها سيوقف عمل القضاء والمحاكم، وسينشر الجريمة بكلّ أشكالها وأحجامها، لأنه لا يوجد من يطبّق القانون، من حسيب أو رقيب..

حلّها سيوقف عمل الشرطة، والأجهزة الأمنية، وسيشلّ نشاط الحفاظ على الأمن والإستقرار، وهو ما يفتح المجال واسعاً أمام كلّ التكهّنات، فلا رادع لمن عاثوا في الأرض فساداً..

حلّها سيضرب عمل القطاع الخاص، وستكون ضربة في مقتل، بعد أن تزداد المسؤولية على ذلك القطاع الذي عوّلنا عليه كثيراً، وكنتيجة طبيعية، فإن ذلك القطاع سيهرب من مناطق التوتّر، فرأس المال جبانٌ، يبحث عن الهدوء والإستقرار، فكيف سيكون الحال أيضاً عند غياب منظومة القوانين التي تنظّم عمله..

حلّ السلطة سيعيد إلى الشوارع مظاهر فوضى السلاح، والعصابات، والمحسوبيات، والـ (خاوات)، وسيعيد الرعب إلى قلوب الناس، الذين ضاقوا ذرعاً في السابق من كلّ هذه المظاهر، والذين حمدوا الله ألف مرّة على زوالها من شوارعهم..

سيتوقف الإستيراد والتصدير، ويتوقف عمل الجمارك، وينتشر البديل الأقرب، وهو المنتج الإسرائيلي، وستتوقف السياحة وإن كانت خجولة أصلاً، ولن يتمكن أحدٌ من السفر بسبب توقف عمل المعابر بشكلها الرسميّ، كما لن يتمكّن أحدٌ من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية..

حلها سيوقف العمل بكلّ الإتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطينيّ والإسرائيلي، والمنظّمة لحياة الفلسطينيين اليومية، وسواءٌ إتفقنا مع تلك الإتفاقيات أو رفضناها، إلا أن توقفها يعني بالضرورة توقف العمل بكلّ ما يتعلّق بها في منظومة حياتنا اليومية..

حلّ السلطة سيضع (المملكة الأردنية الهاشمية) في موضعٍ خطير، وسيوفّر على نتنياهو خطوات كثيرة، وسنواتٍ طويلة، في جعل الأردن، هو من يحملُ هم الفلسطينيين، سواءٌ بالوطن البديل (وهو ما يخطط نتنياهو وزمرته لتطبيقه)، أو لمسؤولياتٍ إدارية في المناطق (التي يتواجد فيها فلسطينيون في الضفة الغربية)، بمعنى أن المناطق الخالية في الضفة، ستصبح تلقائياً إسرائيلية دون أيّ نقاش، فعند حلّ السلطة لنفسها، لن تتمكن من المطالبة بوقف أي إجراء إسرائيلي على الأرض، كون تلك السلطة لا تملك الحقّ في المسؤولية، والسبب ببساطة، بأنها منحلّة أو محلولة..!

على طبق من ذهب يأتي كلّ ذلك إلى إسرائيل، فلن يردعها بعد ذلك رادع في مدّ كلّ أذرع الدعم العلني للبناءِ الإستيطاني في الضفة الغربية، وستُـبنى مدنٌ (إسرائيلية) كاملة وكبيرة جداً في مناطق (يهودا والسامرة) أو الضفة الغربية، التي لطالما حلمت بها إسرائيل كجزءٍ من (أرض الميعاد) التي لا مجال للتخلّي عنها، وفق أكاذيب تفسيراتهم التلمودية.. وعند الإطلاع على حجم الدعم المالي، الضخم جداً، والمقدّر بمئات المليارات من الدولارات واليوروهات، من كل دول العالم إلى إسرائيل، فإننا نستطيع أن ندرك تماماً، القدرة على بناء دولة إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية خلال عشر سنوات، سيصبح فيها الفلسطينيون أقلّية، تماماً كما حدث في فلسطين التاريخية، وسيصبح بعد ذلك الفلسطينيون أشبه بالـ (هنود الحمر) في أمريكا، أقلّية لا تأثير لها، ولا صوت ولا حول ولا قوة..

وأمام كلّ العالم، وكما هو معتاد، ستتمكّن إسرائيل من خلق صورة نمطية أكثر سلبية للفلسطينيين، بأنهم أقلّية فوضوية، تنتهج العنف، غير حضارية، وغير منظّمة، وهم ممن يتنقلون كما البدو الرحّل، ويقيمون حالياً على أراضٍ يهودية إسرائيلية، يسيطرون عليها بالعنف والإرهاب، تتسامح معهم إسرائيل في السماح لهم بالبقاء، إلا أنهم (لا يحترمون مضيفهم.. !)، لذا، تريدُ إسرائيلُ من العالم، حلاً..!

الحلّ ببساطة، هو في تجميع تلك (الأقلية)، في المكان الذين يشكّلون فيه أغلبية مع باقي شعبهم، وهو المملكة الأردنية الهاشمية، ومن هنا نعود إلى تصريحات الملك عبد الله الثاني، التي قال فيها إن نتنياهو يسعى إلى تطبيق حلّ الوطن البديل.. فالملك عبد الله، هو الأدرى والأكثر إطلاعاً على كلّ خبايا الأمور، وهو الأكثر قدرة على رصد ما يحاك ضدّ الممكلة الأردنية من مؤامرات دولية، وإسرائيلية.. فتصريحاته تلك، ليست عفوية أو ارتجالية، وإنما هي حقيقية، تعتمد على معلومات حقيقية دقيقة صحيحة لا لبس فيها، وما خفي كان أعظم..!

الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين، وإسرائيل (لا تُحرَجُ من أحد)، وكلّ ما رشح من حديثٍ عن معلوماتٍ رسمية أو غير رسمية، حول أفكار مبدئية أو خطط لحلّ السلطة، هي أفكار بريئة ولا نشكّك في نوايا أصحابها، إلا أنها ستؤدي إذا ما طبّقت فعلاً، إلى كارثة حقيقية على القضيّة الفلسسطينية، ومن يتتبّع مخاطر حلّ السلطة، وأبعاد ذلك ونتائجه، سيجد بلا شكّ، أن المستفيد الأكبر ستكون إسرائيل، وأن الخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني، والمملكة الأردنية الهاشمية..!

* إعلامي فلسطيني- رام الله. - sbaihat@hot

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required