مفتاح
2024 . الجمعة 5 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
ترددت في الاونة الاخيرة الكثير من التصريحات والتلميحات الصادرة عن غير مسؤول فلسطيني لا سيما ابو مازن بامكانية حل السلطة كاحد الخيارات التي يمكن التلويح فيها امام استمرار اسرائيل في تنفيذ خططها الاستيطانية وتراجع الدعم الامريكي لجهود المفاوضات وانسداد افاق التسوية بشكل عام وفي ظل توقعات بفشل مجلس الامن في الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية في الامم المتحدة. ولعل هذه التصريحات والتلميحات تعكس الازمة التي بلغها المسار التفاوضي بعد اكثر من 17 عاما.

فمن الواضح ان الائتلاف اليميني-الديني في اسرائيل قد رمى بقفاز التحدي امام السلطة الفلسطينية ومن ورائها العرب والرباعية وحتى امام الحليف الامريكي مؤكدا استمراره في سياساته الهادفة الى فرض وقائع جديدة على الارض وتقليص سقف التوقعات المرجوة من المفاوضات السلمية بعد ان بشرت باحلال السلام وخلق شرق اوسط جديد ينعم بالاستقرار والازدهار والرخاء.

ورغم ادراكنا وتقديرنا لصعوبة الخيارات البديلة وفي مقدمتها خيار حل السلطة في ظل المعادلات والتعقيدات والمناخات والحقائق التي كرستها عملية المفاوضات على امتداد العقدين الماضيين وفي ظل التغييرات الجدية التي طرات على بنية النظام السياسي الفلسطيني وفكره وسلوكه ومنظومة علاقاته فانه من الاهمية بمكان محاولة قراءة السيناريوهات المتوقعة في حال اقدمت القيادة السياسية على حل السلطة الفلسطينية ومعرفة تداعيات تلك الخطوة وانعكاساتها على المشهد السياسي الشرق اوسطي بشكل عام والفلسطيني على وجه الخصوص في ظل الظروف الراهنة والمتوقعة.

فالخطوة اذا ما حصلت تمثل قفزة في السلوك السياسي للقيادة الفلسطينية وخروج عن المالوف والمتوقع من سلطة حشرت نفسها في دهاليز المفاوضات كخيار وحيد، وقيدت سلوكها وحركتها وعلاقاتها ومرجعياتها من خلال اتفاقيات اثارت جدلا وانقساما في الشارع الفلسطيني ورسمت خارطة جديدة للصراع وكان لها تاثير كبير ليس على المستوى المحلي وحسب بل وعلى المستوى الاقليمي والدولي.

فما هي تداعيات هذه الخطوة ؟؟؟؟ وما هي سيناريوهات ما بعد حل السلطة ؟؟؟

بداية تجدر الاشارة الى اننا هنا لا نبحث في احتمالية تحقيق هذا الخيار او عدمه واذا ما كان قرارا سليما ام لا، كما لا ننوي التعرض الى الصعوبات والتحديات التي ما زالت تحول دون ترجمته على الارض، وانما غاية هذا المقال قراءة السيناريوهات المحتملة المترتبة على قرار بحل السلطة اتخذته الدوائر المعنية في منظمة التحرير الفلسطينية.

ان قراءة متفحصة ودقيقة للواقع الفلسطيني والمناخات المحيطة به يمكن ان تقودنا للعديد من السيناريوهات والاحتمالات الواسعة والمتشعبة والمتداخلة والتي يمكن حصر بعضها في:

اولا: الاحتمال الاول والبديهي هو قيام اسرائيل باعادة احتلال المناطق التي تسيطر عليها السلطة سواء بترتيب او بدون ترتيب واحياء مراكز الادارة المدنية والحكم العسكري وتوسيع دائرة نشاطها الاداري والامني بهدف فرض النظام وضرب البؤر الصلبة في التنظيمات وفصائل العمل الوطني المختلفة ومن ضمنها فتح للحؤول دون اعادة احياء خيار المقاومة او اندلاع انتفاضة جديدة وذلك من خلال تنفيذ حملات اعتقال واسعة النطاق ادارية وامنية تطال العديد من العناصر والكادرات داخل السلطة وخارجها فضلا عن ضرب ما تبقى من بنى تحتية للتنظيمات المقاومة. وهي لن تجد صعوبة كبيرة لتحقيق هذا الهدف كما انها لن تحتاج الى حرب الاقتحامات مجددا للسيطرة على مناطق السلطة كما حصل بعد انهيار محادثات كامب ديفد عام 2000 واندلاع انتفاضة الاقصى اذ ان التصفيات والاعتقالات ضد نشطاء الحركة الوطنية والدخول المتكرر للمناطق التي تسيطر عليها السلطة وغيرها من الممارسات التي تندرج في اطار النشاط الامني الاسرائيلي لم تتوقف بالرغم من وجود السلطة.

ثانيا: خلق قيادة بديلة: اما السيناريو الثاني فيتمثل في محاولة اسرائيل تشكيل قيادة محلية بديلة للسلطة الفلسطينية. ولتحقيق هذا الخيار فان اسرائيل ستسعى الى اعتماد سياسة الفوضى المنظمة من خلال خلق البلبلة واثارة الفتن والنزاعات الداخلية العشائرية والطائفية والقبلية والجهوية وتسويد حالة من الفلتان الامني والاخذ بالثأر والانتقامات الشخصية بحيث يصبح ايجاد قيادة بديلة مقبول شعبيا ومطلوب محليا. فاسرائيل لن تكرر تجربة روابط القرى الفاشلة التي تم تشكيلها في اوائل الثمانينات من القرن الماضي بل ستبحث عن وجوه جديدة "غير محروقة" من ناحية او وجوه لعبت دورا او تبوأت منصبا او افرزتها المرحلة السياسية سواء كافراد او جماعات من ناحية ثانية شريطة ان تستجيب تلك الوجوه للمواصفات المطلوبة وتبدي استعدادا للولوج الى المرحلة الجديدة من بوابات مختلفة وتحت ذرائع واعتبارات كثيرة ومتنوعة. ففي معرض انتقاده لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المح وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان ان القيادة المطلوبة التي يمكن التفاهم معها يجب ان تحمل قيم وعقلية العالم الغربي وان تكون قد درست او عاشت في الغرب مشيرا الى ان هناك الكثير من تلك القيادات التي تظهر الاستعداد لتكون بديلا لمحمود عباس في حال قدم استقالته او اقدم على حل السلطة واصفا الاخير بانه عقبة في طريق السلام. وفي موازاة ذلك ستسعى اسرائيل الى خلق ونسج اشكال جديدة ومقبولة من العلاقة مع المواطن الفلسطيني عبر اتخاذ سلسلة من الاجراءات والممارسات الممنهجة والهادفة كأن تبقي على اشكال معينة من الهياكل التي خلفتها السلطة تحت شعار تسهيل وتسليك وحل مشاكل المواطنين ومعاملاتهم اليومية فضلا عن سحب امتيازات البعض والابقاء على امتيازات البعض الاخر بالاضافة الى محاولة انعاش الاقتصاد المحلي وخلق الاف فرص العمل الجديدة واستيعاب العاطلين عن العمل وفتح افاق مختلفة لتعزيز فكرة السلام الاقتصادي وامتصاص نقمة الشارع والهائه وغيرها من السياسات التي تتقنها اسرائيل استنادا الى معرفتها الواسعة بالعقلية المحلية. ان مراهنة اسرائيل على خلق تلك القيادات يستند الى التغييرات التي طرأت على المزاج الشعبي العام وعلى التطورات التي اصابت بنية الفكر الشعبي الفلسطيني ابان سبعة عشر عاما من وجود السلطة اذ ساهمت السلطة وبشكل موضوعي نتيجة اخلاصها لخيار المفاوضات وللحل السلمي واسقاط الخيارات الاخرى في تطويع المزاج الشعبي ونقله نقلة نوعية من الحالة الثورية التي تقودها تنظيمات مقاومة وتستجيب لنداءاتها، الى مواطنين في اطار سلطة ونظام سياسي تقليدي مع ما ينطوي عليه ذلك من تغيير جذري في الكثير من القيم والعلاقات والسلوك والمفاهيم والجاهزية النضالية التي سادت ابان مرحلة ما قبل نشوء السلطة. كما ان ما يسهل تحقيق هذا الخيار هو ان حل السلطة كاطار سياسي رسمي يرافقه غياب للحاضنة الشعبية والمرجعية السياسية في ظل تهميش وبهتان دور منظمة التحرير الفلسطينية وتقزيم دور التنظيمات وفصائل العمل الوطني التي شكلت مرجعية وحاضنة وقيمة عالية في وجدان الشارع الفلسطيني.

ثالثا: احياء خيار دول الجوار او الخيار العربي: لا سيما الخياران الاردني والمصري وهي من الخيارات التي مازالت قائمة ويمكن احياءها عبر اشكال وانماط جديدة بحيث تكون مقبولة على الشعب الفلسطيني. فوجود السلطة لم يغيب الدور المصري او الاردني سواء في العملية السياسية القائمة او في الشان الفلسطيني الداخلي بل كان لهما باع طويل ودور ملحوظ في استمرار تلك العملية والحفاظ عليها خصوصا في ظل المنعطفات والازمات الفلسطينية-الفلسطينية او الفلسطينية- الاسرائيلية.

ورغم ذلك فقد بقيا لاعبين غير مباشرين يتلخض دورهما في الدعم والاسناد للعملية السياسية وللسلطة الفلسطينية وفي السعي الى تمهيد الطريق لتقدمها ودفعها الى الامام. بيد ان غياب السلطة يبقي الباب مفتوحا امام اعادة الاعتبار لهذا الخيار ولأية خيارات عربية اخرى وذلك من خلال زج الاردن ومصر في معمعان العملية السياسية بشكل مباشر انطلاقا من العديد من الاعتبارات التي تخولهما للقيام بذلك خصوصا بعد ان ابدى العاهل الاردني قلقه من تلميحات اسرائيلية باعادة تبني شعار الوطن البديل كوسيلة من وسائل الضغط على الاردن للاضطلاع بدور مباشر او وفاعل كالاستعداد للقبول ببعض الصلاحيات الادارية والدينية والقانونية في الضفة. كما قد تلجأ الى الاستعانة بمصر لتسهيل مهمة خلق قيادات مؤقتة مقبولة عربيا وتستجيب لمتطلبات التسوية السياسية او الادارية او يمكن ان تكون مشاركتهما المباشرة من خلال رؤية دولية لنشر قوات حفظ سلام عربية او دولية تكون مسؤولة عن فرض النظام وتسهيل حياة المواطنين وتسيير امورهم اليومية.

رابعا: انتفاضة جديدة وجولة من المواجهة الميدانية : ويبقى هذا الخيار حيا طالما استمر الاحتلال في ممارسته القمعية وفي مقدمتها سياسة قضم الاراضي والتوسع الاستيطاني والاعتقالات الجماعية وهدم البيوت وتهويد القدس وغيرها من السياسيات التي تشكل وقودا حيا لاندلاع انتفاضة شعبية جديدة تكون ردا على تلك الممارسات كما ان حل السلطة سيساهم في ازالة كافة اسباب الانقسام والتقاطب الداخليين ويوفر الظروف لاستعادة اهم مقومات هذا الخيار وتفعيله وهو وحدة الصف الوطني. غير ان تحقيق خيار الانتفاضة يتطلب مساحات زمنية غير محدودة وجهودا وطنية مكثفة لاعادة صياغة عقل الشارع وبناء جاهزيته الذهنية والمادية للانطلاق من جديد لان المقامرة بهذا الخيار قبل نضوجه يمكن ان يكون له انعكاساته السلبية ونتائجه الوخيمة وسيكون على القوى السياسية الفاعلة، اذا ما ارادت لهذا الخيار النجاح في بلوغه اهدافه، الاستفادة من تجارب المواجهة السابقة والاتعاظ من دروس الانتفاضات المختلفة لا سيما دروس انتفاضة الاقصى عام 2000 علما ان وجود حكومة يمينية متغطرسة في ممارساتها واجراءاتها الاحتلالية يساعد ويسرع في انضاج العامل الذاتي وفي اندلاع الانتفاضة مبكرا.

خامسا: نقل الملف الفلسطيني الى دوائر ومؤسسات الامم المتحدة: وهو من الخيارات التي باشرت بها القيادة السياسية في ظل وجود السلطة على اعتبار انها جزء من الخيار السياسي والدبلوماسي المقبول عربيا واقليميا ودوليا. ان اللجوء لمثل هذا الخيار في ظل غياب السلطة يشكل سقوطا لخيار المفاوضات الثنائية ويوفر مبررا قويا لنقل الملف نهائيا الى مؤسسات الشرعية الدولية بحيث تصبح مقرراتها السياسية المرجعية لاية مفاوضات محتملة. وهنا لا بد ان نسجل لقيادة السلطة وللرئيس محمود عباس انه ورغم التحفظ الكبير على العملية التفاوضية وما شابها خلال العقدين الماضيين من تعقيدات وتشابكات وما افضت اليه من نتائج على الارض غير انه من الانصاف ان نقر ان صلابة الموقف الفلسطيني الرافض لاستمرار الاستيطان رغم كل الضغوطات قد اربك اسرائيل وحلفاءها وخلط الاوراق السياسية ونسف كل التوقعات والتحليلات التي حشرت القيادة في قمقم التفريط والتشكيك والتخوين. لقد مهد الموقف الفلسطيني الطريق امام امكانية نضوج العامل الدولي والتفافه حول حقوق شعبنا الفلسطيني ولعل اعتراف الكثير من دول العالم بالدولة الفلسطينية في حدود 1967 هو ثمرة الموقف الفلسطيني الذي بقي متمسكا بثوابت الحد الادنى وهو سيبقى انجاز ومكسب وطني في رصيد القيادة الحالية حتى لو فشل مجلس الامن في الاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين.

سادسا: صعود حماس الى منصة تمثيل الشعب الفلسطيني :

والاحتمال الاخر في معادلة التوقعات والاحتمالات هو ان تتهيأ حماس وفي ظل التطورات الاخيرة وما افرزته صفقة شاليط من امكانيات الحوار بين حماس واسرائيل بعد كسر جليد العلاقة بينهما، ان تتهيأ للعب دور الممثل السياسي للشعب الفلسطيني واستعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة او غير مباشرة والتوصل الى تفاهمات او اتفاقيات شبيهة بتلك التي تم التوصل اليها في القطاع حول وقف اطلاق النار على سبيل المثال.

غير ان التفاهمات في هذه الحالة ستكون اوسع واشمل وتنطوي على تنازلات متبادلة كما حصل في صفقة شاليط بحيث تفضي في النهاية الى تفاهمات سياسية واعتراف دولي وامريكي بحماس مقابل تنازلات حمساوية ازاء الموقف من اسرائيل والحلول السياسية. وما يدفع باتجاه هذا الخيار اكثر من عامل واولها المصداقية التي اكتسبتها حماس ازاء قدرتها على ضبط الشارع الغزاوي خلال فترات التهدئة والهدنة مع اسرائيل وثانيا ان حماس لم تتخلى عن خيارات المقاومة بعد وابقت في يدها مجموعة من اوراق القوة التي يمكن ان تستخدمها وقت الحوار وثالثا ان اسرائيل ابدت في غير مرة استعدادها للتعاطي مع الحلول المؤقتة وهو ما ينسجم مع فكرة حماس الداعية الى هدنة طويلة الامد مع اسرائيل واخيرا فان افرازات الربيع العربي والتي تدفع باتجاه الخيار الاسلامي يشكل عنصرا تحفيزيا لصعود حماس الى منصة تمثيل الشعب الفلسطيني. ومهما يكن من امر تلك السيناريوهات فان تحقيق اي منها يستند الى نضوج جملة من العوامل والاعتبارات الذاتية والموضوعية كما ان ترتيبها وتبويبها بالشكل المطروح لا يعني اولوية احداها على الاخرى او انفصالها عن الاخرى اذ لا يمكن رصد الحركة الاجتماعية بصورة ميكانيكية بعيدا عن جدل الواقع وتعقيداته الاغنى بكثير من النظريات والتحليلات والقادر على جمع وتحقيق ما لم تجمعه النظريات او ترصده التحليلات.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required