مفتاح
2024 . الجمعة 5 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
كما هي دائماً منذ تاريخها الطويل، ترتدي ثوبها الأبيض مهما اشتد الظلام حولها، فتألقت وسط السماء كنجمة ما غاب وهجها عن ذاكرة كل ضمير حي بالإنسانية، وكل عقل عرف حقيقة الأرض المغصوبة من ذلك الكيان منذ سنوات طوال، وما زالت الوحيدة تنزف ألم الحصار والتخويف والترهيب في زمن بدأ ينتشر فيه مفاهيم الحرية والحقوق الإنسانية، فبالأمس القريب صفق العالم للاعتراف بحق الوجود وتأكيد حق الهوية الفلسطينية في مقر جمع فيه كل قيادات العالم، فاشتعل الحقد الأمريكي الصهيوني غضباً على ذلك التصفيق الحميم المعبر عن حرارة التأييد للقضية الفلسطينية وضرورة النظر بعدالة اتجاه حقوقها .

واليوم يصفق العالم مرة أخرى مع الاعتراف الرسمي للحق الفلسطيني وزيادة التأكيد للهوية التاريخية والثقافية، فنحن كفلسطينيين نقر بوجودنا التاريخي ولم يغب ولم يُمسح ذلك الإيمان من قلوبنا وعقولنا، ولم نكن ننتظر من العالم ليحقق وجودنا وهويتنا ما دمنا نؤمن بذلك الحق والمصير، إلا أن وجود ذلك التأيد العالمي يزيد من عزيمة الإصرار على الاستمرار بالمطالبة بحق الوجود واسترداد الأرض والكرامة الإنسانية لكل فلسطين وفضح أكاذيب الوجود الصهيوني .

وفي اللحظة التي أعلنت بالأمس منظمة اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم كإحدى مؤسسات الأمم المتحدة الهامة فلسطين عضواً كاملا فيها، انفجر الكيان الصهيوأمريكي ليحاول العلو بصوت الحقد والتهديد بحرمان المنظمة من مساعدة الدعم المالي لها، وللشعب الفلسطيني بالمعاقبة الاقتصادية والمالية والوعيد بالتنغيص على العيش بكرامة.

إن هذه النفسية العدوانية إنما تُعلن أنها أسقطت من قاموس الإنسانية معانٍ كثيراً ما تغنت بها أمام العالم من قيم الديمقراطية والإنسانية، التهديد بالمال والحصار الاقتصادي للدول، هذا ما اعتادت عليه تلك النفسية السادية المريضة، تُظهر للعالم أنه يقع تحت سطوة رحمتها، وأن أعناقهم معلقة بين يديها، وأن ما تقدمه كما تدّعي من مساعدة هو ضريبة لأجل شراء ذمم المؤسسات والأفراد لأجل الميل لجانبها بعيدا عن العدل والانصياع للحق ورأي الأغلبية، فالغرور النرجسي هيمن على عقلية الإدارة الأمريكية الصهيونية لفرض قراراتها على مصائر الأمم والشعوب ، باعتبارها راعية لشؤونها ومن واجب الجميع إطاعة أمرها وعدم المخالفة لما يعارض ربوبيتها الظالمة، ستون مليون دولار حجم ما تقدمه الإدارة الأمريكية لمنظمة اليونسكو، مدعية أنها تقوم بمساعدتها ودعمها بما يتعلق بالأمور الإنسانية والثقافية بالعالم، ولكن ما حدث اليوم يعبر عن زيف تلك الإنسانية ورؤية النوايا من ورائها من أجل تكميم أفواه الحق والعدل لتحقيق المصالح الذاتية والصهيونية، فظهرت الإدارة كأنها إدارة الكيان الصهيوني بل أكثر تشدداً وكراهية واستبدادا للحق والعدالة الإنسانية اتجاه قضية فلسطين، وفي نفس السياق وليس بعيداً عنها ظهر الحقد الصهيوني العدواني لفلسطين وأهلها، فانطلقت من حناجرهم أصوات اعتدنا على سماعها " كميكانزيم" للدفاع والتبرير للذات الصهيونية عن ضعفها وعدم ثقتها بوجودها ومحاولة إخفاء أكاذيبها عن ملامحها المشوهة، بتهديداتهم وادعاءاتهم الباطلة بأن ذلك الاعتراف من المنظمة قد أوقف عملية التفاوض المزعومة والمنسية من ذاكرتهم، والتي لا تتحرك إلا على خطى إرادتهم ومصالحهم، فلها الحق أن تبادر بعقاب الشعب الفلسطيني والعدوان عليه وحرمانه من أمواله المستحقة، لجراءته على نيل حقه وفضح جرائمه وبيان زيف أكاذيبه.

إن ما حدث في أروقة مؤسسة اليونسكو أظهر أن العالم ما عاد يصدق ذلك الكيان الفاشي ومن وراء رعايتها " أمريكا"، وما عاد الكذب والتهديد يقيد قرارات الدول وحريتها، وبدأ العالم ينظر بمنظار المعرفة الحقيقة لما يجري، رغم أن الإرهاب الأمريكي والصهيوني ما زال يسيطر على قلوب وضمائر الكثير من الدول، وبعض منها تخشى إفساد مصالحها فلا رأي لها وتكتفي بالحياد ، وفي ظل الثورات العالمية التي اندفع بها العالم تمردا على الظلم الإنساني وفقدان العدالة الاجتماعية والحقوقية بالوجود، بدأ العالم يتحرك نحو كسر حاجز الانقياد والانصياع لقرار الهيمنة الواحدة المتسلطة على رقاب الناس، كما أن ما يشاهده العالم من حقائق على أرض فلسطين تخالف كل قوانين وحقوق الإنسان من حصار غزة والعدوان على أطفالها، واستمرار وزيادة الاستيطان ووضع الحواجز وبناء الجدار واستمرار احتجاز الأسرى والاعتقالات الدائمة، والتحكم بتحركات الناس ومراكز رزقهم ولقمة عيشهم، وعدوانه على سفن التضامن الأجنبي وقتلهم لمتضامين على اختلاف هوياتهم وانتماءاتهم، كل ذلك أثبت للعالم أن الكيان الصهيوني لا يستحق السلام ولا يسعى إليه ولا يضعه على برامجه وأجندته السياسية والوجودية، إنما يسعى بذلك لكسب الوقت للسيطرة بهدوء وفرض الوجود كأمر واقع على كل أرض فلسطين .

كان الأولى على الإدارة الأمريكية والصهيونية أن تعلن انسحابها الكامل من عضوية تلك المنظمة وغيرها من المؤسسات الإنسانية الدولية، وأن تعلن فقدان صلاحيتها المزعومة لقيادة العالم والدفاع عن الحريات والحقوق الإنسانية المسلوبة، والاعتراف بالزيف والأكاذيب حول الديمقراطية التي تدّعي نشرها حول العالم لكي تُسعد البشرية وتضع فيها السلام والأمن، وكان من الواجب أن تعترف بصراحة بانتمائها وعدوانها الإرهابي المنحرف ضد أي فرد أو مؤسسة يرفع صوت الحق ويخالف قراراتها وسلطتها الاستبدادية، فكفى كذبا على العالم فما عاد الناس عبيد لتلك الإدارة وما عاد التخويف والترهيب هو سلاح القوة الذي تُفرض به الهيمنة وتحقق من ورائه المصالح، فللعالم أذان تسمع وعيون تشاهد ولا بد للضمير أن يستيقظ ولو بخطواته البطيئة ولكن الحق سينتصر .

فلسطين تألقت واتجهت إليها الأنظار ليعلو نجمها ويشرق ثوبها المطرز، ويَخنس صوت الصهاينة ويغيب وجودهم القائم على الأكاذيب والتزوير والسرقة للأرض والثقافة والإنسان، فلا هوية ولا وجود يثبته التاريخ ولا حضارة، فهم شعب ململم الأشلاء والشتات من بقاع متفرقة، فلا تجمعهم لغة ولا عقيدة كتاب، ولا لهجة ولا ثقافة ولا تراث، بل بني كيانهم على السرقة والأكاذيب ليزيفوا عقل العالم بأن هناك حضارة وثقافة وهوية لوجودهم، فيسعون بسياستهم منذ بداية الاحتلال لفلسطين بتغير المعالم والمظاهر العربية الإسلامية، والحفر عليها معالم مصطنعه تُدعى بثقافتهم، فعملوا على تغير عناوين الشوارع وسرقة المتاحف وتغير معالم المساجد والبيوت وتشويهها بانحرافهم، وتلويث الأرض بزرعها باستيطانهم ووحشيتهم .

فلسطين حضارة وتاريخ لن تُمحى من ذاكرة الأجيال مهما حاول ذلك الكيان أن يزور الهوية ويشوه معالم الوجود، فالانتماء مولود بالفطرة ويرضعه أطفال فلسطين في كل وقت لتتغذى قلوبهم بلبن العروبة الإسلامية، فلسطين لم تَنسى ما محي من معالم وأحياء عكا ويافا وحيفا، ولن تختفي من أمام أعينها أرض القدس المحاصرة والأقصى الحزين، وأرض اللد والرملة، فكل جزء من معالمها محفور في الذاكرة التي لا تنسى ولن تنسى ما دام على الأرض عرق ينبض لأجل بقائك فلسطين .

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required