مفتاح
2024 . الجمعة 5 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
في أول المطر، أول الغيث، وفي أول قطاف الزيتون، وحين لمعت السماء، وشع الزيت، كان عرس نائل البرغوثي، أقدم الاسرى في العالم الذي حرر من سجون الاحتلال الاسرائيلي في صفقة التبادل الأخيرة.

حمله الشباب في زفتة الكونية، طار عاليا فوق صوت مدينة رام الله التي سقفها الفرح والسحاب، طار عاليا أعلى من برج المراقبة ومنظار السجان، فكان وسيما وجميلا وفي وجهه يزدحم الضباب.

هو عرس الحرية لأسرى عادوا، وأسرى يقفون خلف الأبواب الموصدة يبنون فرحهم رويدا رويدا بين مؤبد ومؤبد، ويعدون الأناشيد فوق سطوح الغناء، ويكسرون الغيم في زنازينهم عندما ينتصف الليل وتكتمل أحلام اليمام.

عرس نائل البرغوثي بعد 35 عاما من السجن في تلك الظلمات، ينفض منه الشبح الذي رافقه في ذلك الظلام الطويل، صار عريسا له اسم وزوجة وعقد زواج وبيت، وليس رقما في ملفات سوداء كالتوابيت يكدسها الجلاد معتقدا أنها ستتحول الى جنازات.

عرس نائل البرغوثي هو إثبات أن الحياة أقوى من الموت والسجن وثقافة الإبادة، وأن الحرية نسغ تضخ في القلب، تصقل الصخر وتجري الرياح، ولنرى ابعد مما يرون، نرى بشرا يستعيدون دمهم عن القضبان والجدران ويتنفسون، ونرى موتا ينتبه، لنولد ثانية ونعود من الغياب.

في العرس كان الهواء مختلفا ...القمر مبلل بالندى ...السماء ملونة... الكواكب تخرج عن مدار الجاذبية، كل أغنية دقة على الباب المغلق، وكل رقصة رسالة حنين الى الغد تقول له: سوف نشفى من الماضي وتقوم الضحية من قيامتها، ولا يبقى في السجن غير سجان وقيود وخواطر لنا تذكر أسماءنا.

نائل البرغوثي لم يتأخر عن موعده، لم يتأخر عن الزفاف الذي بدأ، هم تأخروا أكثر عن إنسانيتهم وانشغلوا في الحرب حتى فقدوا الروح، هو الآن يعّلم السماء كيف تمطر، وهم يشعلون السماء بارودا ونارا ولا ينتصرون إلا على سخرية البرق.

نائل البرغوثي العريس الذي مرّ كالسحابة من زمن الى زمن موقظا العتمة من جسده، ناظرا الى القدس ليعلن الصلاة، وناظرا الى البحر ليعلن صوت الكبرياء، حمل بيته وحلمه على كتفه من سجن الى سجن لا يسمع سوى نبض دمه وعروق المكان.

كان عرسا وتوالت الأعراس، نتعانق في القاعة مبلولين بالبهجة، والإسرائيليون يتعانقون في وزارة الدفاع حول خطة العدوان القادمة، نتناول ذكريات السجن معا ونضحك عاليا، والإسرائيليون يتناولون عدد قتلانا منزعجين من ضحكة الآخرين ويقظة الحالمين.

كان عرسا من عمل الأساطير الفلسطينية، شارك فيه النجم والرعد والمطر والملاك والبشر والليل والضوء والوقت والطير، وإيقاع شعب فتح نوافذه كما فتح أجساده أمام الموت والأبدية، ليكون له حضور و دولة وهوية.

عرس نائل البرغوثي الآن في الماء وليس في الجفاف، صاعدا خفيفا وكبيرا من المعسكرات الكثيرة الى الشتاء الكثيف، خلع القميص البني ورمى البطانية ذات الرائحة الكريهة ولبس البدلة الأنيقة، وظل جنودهم هناك يلبسون الخوذات ويحملون البنادق لا يصدقون أن للسماء شهودا، وللأرض موعد مع الشهداء.

عاد نائل من السجن و بقي الجلاد سجينا، يتفقد أنفاس نائل ورائحته وبرشه وخربشاته وسعاله، خرج نائل الى الحياة حرا وبقي الجلاد بين خرافة هرتسل وأحلام نتنياهو عن دولة لا تقوم إلا على الاستيطان والجريمة.

وزير شؤون الأسرى والمحررين

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required