مفتاح
2024 . الجمعة 5 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
أطلقت الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر شعارها الرنان: "أرض بلا شعب إلى شعب بلا أرض". وقد لعب هذا الشعار دورا رئيسيا في إقناع الرأي العام العالمي بأن فلسطين خالية من البشر ووضع ألأساس لتحرك الفكر الصهيوني بالنسبة لإستعمار فلسطين.

حدث هذا على الرغم من أنه في عام 1891 قام أحد قادة الفكر اليهودي والمعروف بإسم "إحاد هعام" بزيارة فلسطين وتبين له أن الصهيونية تخدع العالم. فكتب مقاله الشهير: "الحقيقة عن أرض إسرائيل". ومما جاء فيه قوله: "إننا في الخارج كنا نعتقد أن أرض إسرائيل خالية تماما (من البشر)، وأنها صحراء وأن كل من يرغب يستطيع أن يشتري الأراضي.. ولكن ليس هذا هو الواقع ففي تلك البلاد يصعب إيجاد قطعة أرض صالحة للزراعة غير مملوكة، وصخر الجبال في الواقع كلها أشجار فواكه مثمرة. كلها ملك السكان الأصليين (الفلسطينيون العرب)".

وفي عام 1969 أطلقت رئيسة وزراء إسرائيل في حينه، غولدا مائير، في مقابلة صحفية جملتها الشهرية: "إنه لا يوجد شيء إسمه الشعب الفلسطيني". وبقيت هذه الجملة عالقة في أذهان بعض المهرولين وراء حسنات الحركة الصهيونية.

ومع ذلك فقد برهن الشعب الفلسطيني أنه موجود وأنه شعب صامد ومكافح، وأستطاع إلى حد كبير إقناع الرأي العام بحقه وبعدالة قضيته، ولعل التصويت الذي جري في منظمة "اليونسكو" (قبلت فلسطين عضوة كاملة في منظمة اليونسكو يوم 31/10/2011 بأغلبية ساحقة) خير دليل على ذلك.

واليوم يأتي إلينا شخص يدّعي أنه مؤرخ، وهو نيوت كنغريش، الذي يعتبر أحد قادة الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، وبـــعــد أن ظهرت نتيجة التصويت فــــي "اليونسكو" ليقول أن الشعب الفلسطيني شعب "مُخترع" ولم يكن موجودا بل كان جزءا من الإمبراطورية العثمانية وأنه وجد ليحارب إسرائيل.

ولكن كينغريش ذهب إلى أبعد من ذلك في المنظارة بين المتنافسين من حزبه (يوم 11/12/2011) فقال: "أن هؤلاء الناس (أي الفلسطينيين) هم إرهابيون"..!!

أولا: يبدو أن أستاذ التاريخ لا يفهم التاريخ، أو لا يرد أن يفهمه على حقيقته. فلو قرأ مقالة "إحاد هعام" لخجل منة نفسه قبل أن يتفوه بهذه الكلمات. وقوله أن الشعب الفلسطيني مخترع لأنه كان جزءا من الإمبراطورية العثمانية، فإنه بذلك يوحي أن الشعوب العربية كلها مخترعة لأنها كانت ضمن تلك الإمبراطورية.

ثانيا: إن كنغريش وكل الصهاينه، يعرفون أن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى اعترافهم بوجوده. فالفلسطينيون كانوا ولا زالوا وسيبقون وسيستمرون في المطالبة بحقوقهم حتى يأخذونها كاملة.

ثالثا: لو كان كنغريش مثقفا حقيقيا، لعرف أين ولد السيد المسيح. إنه لم يولد في ما تسميه إسرائيل "اليهودية والسامرة"، بل إن كل كتب التاريخ تقول أنه ولد في فلسطين وبالتالي فإنه فلسطيني.

رابعا: برهن بموقفه هذا أنه إنسان يبيع كرامته، ويبرهن على جهله مقابل حفنه من المال، تمشيا بما فعله يهوذا الأسخريوطي، الذي باع سيده (المسيح عليه السلام) بثلاثين قطعة من الفضة، حسب رواية العهد الجديد.

خامسا: المثل المشهور يقول: من بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة. فإتهام كنغريش الشعب الفلسطيني بأنه إرهابي يفتح أمامنا تاريخ الولايات المتحدة: ماذا فعلتم بالسكان الأصليين، والمعروفين بإسم "الهنود الحمر"؟ ألم تقوموا بإبادة أغلبيتهم الساحقة بطرق إرهابية من أشهرها البطانيات الموبوءة، ومن ثم سرقة أراضيهم؟ ألم تقتلوا أكثر من مليون فيتنامي بحرب إجرامية أدت ليس فقط إلى قتل وجرح الملايين؟ بل حرقتم أراضيهم بقنابلكم المدره وأصبحت معظم تلك الأراضي بور..!!

وماذا فعتلم في العراق؟ ألم يقم رئيسك الجمهوري جورج بوش ونائبه دك تشيني، بشن حرب مدمرة على واحدة من أعرق بلدان العالم تاريخا وحضارة، وقتل وجرح مئات الآف من سكانها الأبرياء. ألم تخترعوا أكذوبة "أسلحة الدمار الشامل" في العراق لتنفيذ مأربكم وتخدمون إسرائيل والصهيونية. وماذا يحدث اليوم في أفغانستان وباكستان؟ أليست هذه حرب إرهابية ضحيتها الشعب الأعزل؟!

سادسا: أليست أسلحتكم هي التي قتلت أطفال غزة ولبنان؟ أليست قنابلكم العنقودية هي التي زرعتها إسرائيل على الأراضي العربية ليستمر القتل الإرهابي الذي تمارسه ربيبتكم؟!

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يتجرأ كينغريش، وغيره من القادة الأمريكيين على البصق بوجه العرب دون وجل؟ السبب هو الموقف العربي المتخاذل. فقد تعود قادة الولايات المتحدة (وغيرها من الدول) على أن كل ما يقولونه أو يفعلونه، ضدّ الشعوب والدول العربية، يقبل من جانب معظم هؤلاء القادة.

بل إن الكثير من القادة العرب مستعدون على التضحية حتى بشعوبهم من أجل الحصول على مباركة من واشنطن، والتي توجه لهم الإهانة تلو الأخرى. كما يسمحون لها التدخل في شؤونهم الداخلية وبشكل سافر ومهين، في حين لم تسمح الدول التي تحترم نفسها أن تتدخل أمريكا بشؤونها الداخلية.

وهذا أحد الأمثلة: في ندوة مغلقة عقدها مركز الأبحاث "صبان" ومقره واشنطن، إنتقدت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، القوانين الأخيرة التي صدرت في إسرائيل، خصوصا تعاملها مع المرأة وقالت أن هذه القوانين والتصرفات "تذكرها بالوضع في إيران".

هذا الموقف أثار غضب إسرائيل، وبدون طول إنتظار جاء الرد من عدد من الوزراء الإسرائيليين (يديعوت أحرونوت 4/12/2011). وهذه بعض الأمثلة: الوزير جلعاد أرديون: "أقترح على الوزيرة وكل المنتخبين من جانب شعوبهم، أن ينظروا أولا إلى كل المشاكل الموجودة في بيوتهم هم". الوزير يوفال شتاينص: "كل هذه الأصوات المرتفعة تضخم الأمور. إسرائيل دولة ديمقراطية وليبرالية. إنني لا أعرف أنظمة ديمقراطية كثيرة مثلها في العالم". الوزير إيلي يشاي: "هناك كنيست في إسرائيل تضع القوانين، وتدرس وتدقق في كل شيء. إن دولة إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". رئيس مجموعة حزب "البيت اليهودي" في الكنيست، أوري أوربخ قال: "على الأخت الكبيرة أمريكا أن تفهم أن إلحاق الضرر بالنساء هي قبل كل شيء مشكلة داخلية تهمنا نحن. على كلينتون أن لا تتدخل".

هذه بعض ردود فعل من جانب مسؤولين إسرائيليين على تدخل كلينتون في شؤون إسرائيل الداخلية. هذه النغمة معدومة في الدولة العربية. ولهذا نرى أن القادة الغربيين يعرفون كيف يستغلون الأوضاع بدون خوف أو وجل أو إحترام.

والواقع أن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، ولكننا نشاهد اليوم عجز الجامعة العربية في حل المشاكل العربية العربية، يدفعها لتصبح أداة بأيدي الغرب تُستغل ضدّ الشعوب العربية، لدرجة أن وجودها بدأ يشكل خطرا قوميا بعد أن فتحت هذه الجامعة الأبواب على مصراعيها أمام التدخلات الأجنبية.

وما دام الأمر كذلك فلماذا نتعجب من أن يقوم شخص مثل نيوت كنغريش بإطلاق تصريحات كالتي نتحدث عنها؟

* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن. - FAsmar1@aol.com

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required