مفتاح
2024 . الجمعة 5 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

المصالحة الوطنية الفلسطينية أصبحت خياراً استراتيجياً فلسطينياً إجبارياً، ولا يختلف اثنان على هذه النظرية، وذلك من أجل سد الذرائع التي يتذرع بها الأخ والعربي والمسلم والصديق المتعاطف مع القضية وعدالتها في عدم تقديم الحد الأدنى للدعم الإقتصادي والسياسي للقضية الفلسطينية، تلك الذرائع التي ربما كانت بسبب القصور في بعض الأحيان من بعض الأطراف العربية والإسلامية، وبسبب الإذعان لمعادلات القوة في احيان اخرى لبعض الأطراف الأخرى، أو بسبب المصالح المرتبطة بالقوى الفاعلة والإنسياق في مخططاتها للمنطقة بالنسبة لأطراف ثالثة لا يروق لها حل القضية لكي تبقى ساحة للهو واللعب والتلهي بها. وكان الإنقسام شماعة يعلقون عليها ذرائعهم.

وحتى العدو ومن لف لفه اتخذوا من الإنقسام ذريعة للتملص من استحقاقات السلام الذى أضحى مطلباً عالمياً ومصلحة دولية ملحة. وظهر ذلك جلياً في الجهود الحثيثة التي بذلتها الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن من أجل احباط تمرير قرار في مجلس الأمن يعترف بالدولة الفلسطينية. وكان الإنقسام هو المبرر والذريعة الذي اتخذتها بعض الدول في عدم تصويتها لصالح القرار بينما السبب الحقيقي المخفي هو تعرضها لضغوطات من الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها اسرائيل. وفي نفس الوقت نرى اسرائيل ومن لف لفها يعملون جاهدين على بقاء الإنقسام على حاله لأنهم هم وحدهم المستفيدون الحقيقيون من هذا الإنقسام. فأصبح الإنقسام سلاحاً ذا حدين بالنسبة لهم وسكيناً ذا حدِ واحد مسلطاً على رقبة القضية الفلسطينية.

لا نريد اشاعة الإحباط حيال المصالحة لأننا نتمنى أن تتم بنجاح، وبعد اخراج القيح من دمل الإنقسام وتعقيم الجرح بالنوايا الطيبة والحسنة، وبدون عودة الى هذا الإنقسام المشئوم كما كان الشعب الفلسطيني دوماً يداً واحدة تواجه عدواً واحداً يقف ضد المصلحة الفلسطينية.

وبنفس الوقت لا نريد الإفراط بالتفاؤل لئلا نصاب بالإحباط كما اصبنا به في المرات العديدة السابقة. ولكن ما يدعونا الى التفاؤل هو تصريحات رأسي الهرمين المتخاصمين (فتح والسلطة من جهة وحماس من جهة اخرى) وكلامهما عن المصالحة بجدية واضحة في حديثهما هذه المرة، وتلك عموميات لا اشكال فيها، ونتفهم حرصهما عليها، ولكن الإشكال يكمن في التفاصيل الدقيقة لبنود المصالحة، حيث يكثر الطباخون وبالتالي تتشعب المصالح وتكثر النفاثات بالعقد. نظراً لنشوء طبقة من الصدأ على الجسمين في كلا جناحي الوطن باتت مستفيدة من هذا الإنقسام وتخشى أن تضيع بين الأرجل بعد المصالحة. فتخرج أصوات نشاز من هنا وهناك، وتطلق تصريحات مستفزة تعبر عن تعزيز هذا الوضع الفلسطيني المتشرذم. ومن يتابع التحركات السياسية للأطراف الفلسطينية يلحظ أن بعض الأطراف المتخاصة باتت تحضر لما بعد المصالحة التي هي الاستراتيجية للدخول في صراع على كعكة السلطة من خلال الانتخابات التي هي التكتيك وذلك للإستفراد بالسلطة.

وما يلفت النظر في هذا الصدد تصريح الدكتور محمود الزهار لجريدة الشرق الأوسط بأن حماس سوف تكتسح الإنتخابات القادمة وكأن الانتخابات (التكتيك) صارت الهدف الذي يتغنى به، والمصالحة الوطنية (الإستراتيجية) هي الوسيلة للوصول الى الهدف (الإستيلاء على السلطة). وما يعزز هذا التصريح هو قيام السيد اسماعيل هنية بزيارة الى الدول الحليفة لحركة حماس، وما يلفت النظر هو توقيت الزيارة وأهدافها، ولماذا؟

يحمل السيد هنية هموم قطاع غزة بصفته رئيس وزراء الحكومة المقالة (كما يسميه الإعلام العربي)، يحمل تلك الهموم الى الدول المنتقاه التي سيزورها، وذلك من أجل فكفكة الوضع الإقتصادي الذي تعاني منه غزة، وحل مشاكل البطالة للتحضير للمرحلة القادمة.

ولكن ما الهدف من وراء ذلك ولماذا الآن؟

لقد جرب الشعب الفلسطيني في غزة حكم حماس وعانى كثيراً من الضائقة الإقتصادية التي كانت من جراء الحصار الذي جلبته له حماس يوم أن كانت تتبنى مشروع المقاومة المسلحة التي استبدلتها اليوم بالمقاومة الشعبية بعد أن استخلصت النتيجة متأخرة وكلفت فيها شعبنا الكثير من الشهداء والجرحى والأسرى، ولم تستمع ولم تستفد من تجربة حركة فتح طوال اربعين عاماً من الكفاح المسلح التي أوصلت الشعب الفلسطيني لما هو عليه الآن من سلطة وطنية تصارع عليها حماس والى اعتراف دولي تعيش ايامه حماس بدون جهد أو دم أو عرق، وكان هذا الحصار بعد الحرب الطاحنة بين الكف والمخرز بدون طائل أو عائد سياسي.

وكذلك جرب شعب غزة القبضة الحديدية التي تطوقه، من قمع للحريات وتكميم للأفواه ومنعها من التعبير عن الرأي وعن الإنتماء، فمن المتوقع عند اجراء الإنتخابات أن لا يصوت الناخب الفلسطيني في غزة لمن جرب حكمه، كردة فعل للتعبير عن رفض الواقع المر الذي يعيشه، وبالتالي سوف يذهب صوت الناخب للطريق الآخر المفتوح أمامه وهو طريق فتح. فهما الطريقان الوحيدان المعبدان بالمال السياسي والمعيشي امام الناخب الفلسطيني لا ثالث لهما. وهنالك طرق فرعية التفافية غير معبدة لا توصل للهدف ولا تلبي المصلحة السكانية. وربما تجني حماس نسبياً أصواتاً في الضفة الغربية أكثر مما ستجنيه في غزة. وهذ ما ينطبق على فتح في غزة وفي الضفة بصورة عكسية.

إذن اسماعيل هنية يريد تحويل واستقطاب صوت الناخب الفلسطيني في غزة لصالح حماس وذلك بالمال السياسي الذي سيعود به من الدول العربية والإسلامية المنتقاة التي سيزورها وخاصة قطر وتركيا. وكلنا يعلم عن اثر المال السياسي القطري الذي جعل منها قائدة للأمة العربية ولربيعها العربي ومسيطرة على الجامعة العربية وأمينها الذي عينته وكذلك على قراراتها. من هنا يتسرب الينا نسمات تثير الإحباط من نجاح المصالحة الوطنية على المدى البعيد. ونعود الى الدوران في حلقة مفرغة كما حصل في الإنتخابات السابقة التي جلبت الإنقسام. وذلك لأننا ما زلنا ندور في فلك الأحلاف والتحالفات خارج الإطار الوطني الفلسطيني، وهذا من شأنه احداث التجاذبات والإستقطابات السياسية، وما زال التحرك السياسي الفلسطيني يتسم بالثنائية التي تعبر عن ثنائية الكيان والتي تبحث عن المصالح الشخصية دون النظر الى المصلحة الوطنية العليا.

ومن ناحية اخرى ما جاء على لسان السيد خالد مشعل في مقابلته مع قناة العربية بخصوص زيارته للأردن، حيث قال إن زيارتي للأردن تأجلت بسبب ترتيبات طرف ثالث مساهم بالزيارة وهي قطر، نحن لا نتدخل في العلاقات الثنائية الأردنية القطرية، ولكن من حقنا أن نتساءل عن الدور القطري في هذا الموضوع الذي يخص العلاقة الثنائية بين الأردن وحماس. نحن لا نشك بالدور الأردني في دعم المشروع الوطني الفلسطيني لأنه مصلحة وطنية اردنية، وامتداد للعلاقة الأردنية الفلسطينية التاريخية المميزة، ولكن أنا (وهذا رأي شخصي) من المتشائمين من الدور القطري في مجمل العلاقات العربية العربية، فلم تدخل قطر في ملف قضية عربية عربية الاّ وأفسدتها، وكلنا لا يخفى عليه دور قطر في تمويل الإنقسام الفلسطيني ومحاولة ترسيخه بوسائلها وإمكاناتها المالية والسياسية والإعلامية، وذلك بتسخير هذه الإمكانيات والوسائل في الإنحياز لطرف ضد آخر وإدارة صراع أخوي فلسطيني بما تشتهي هي من خلال دور انيط بها، وبما يشتهي حلفاؤها من القوى الخارجية المعادية لطموحات الشعب الفلسطيني.

نعود الى الانتخابات:

من الملاحظ ان كل الانتخابات العربية التي جرت حديثاً لم تأت بالنتائج التي تعبر عن طموحات الطبقات الوطنية الواعية والمثقفة، لقد عكست الانتخابات العربية ردة فعل المواطن العربي المقهور والكئيب والمحبط واليائس تجاه القوى الحاكمة للواقع العربي المرير المهيض التي وصلت بالشعوب العربية الى طريق مسدود من الناحية الإقتصادية والسياسية والتنموية، فذهب صوت الناخب بشكل تلقائي الى عكس هذا الواقع الحاكم، أي الى قوى المعارضة التي كانت جزءاً من المجتمع، وذلك من أجل عملية الإحلال في قمرة السلطة، أي استبدال حكم اثبت فشله بإحلال حكم مضاد سيخوض تجربة على واقع أمَرُّ من الواقع المرير السابق، وعملية استبدال لون واحد بلون آخر معاكس، وجاء حكام اللون الواحد الجدد على تركة لا يحسدون عليها. وامكانية نجاحهم في الخروج من هذا النفق ضئيلة ما دام المجتمع لا يهنأ بالأمن السياسي والإجتماعي ولا ينعم باقتصاد معيشي كريم فسيظل يدور في حلقة مفرغة وفي مخاض عسير حتى تتحقق التنمية في كل مناحي الحياة. وسيظل يتقلب من لون الى لون الى أن تتلون أطيافه كقوس قزح الذي يطل علينا بعد موسم شتوي يغاث فيه الناس ويسعدون بربيعه ويجنون ثماره في صيفه.

لست من مؤيدي اجراء الانتخابات تحت الاحتلال بأي شكل من الأشكال ولا بأي دافع من الدوافع. ولكننا دخلنا في هذا النفق المظلم وأغلق علينا باب الدخول منذ اجراء الانتخابات الآولى التي كانت بناء على طلب خارجي وليس بناء على حاجة وطنية. وليس امامنا من مخرج الاّ باب الخروج بانتخابات جديدة، وكانت الديمقراطية التي زينوها لنا هي الطعم الذي أوقعنا بالأمس واليوم في فخ الإنقسام البغيض. وكما وقع فيه العراق وما زال يعاني منه.

فالاحتلال الذي نعيش في بطنه اليوم يشكل مجالاً سياسياً مغناطيسياً يحاول ويعمل بكل امكاناته وسلطاته المسيطرة توجيه هذه الانتخابات وفرز نتائجها لصالحه من خلال تحكمه في مشاربنا وطرق حياتنا اليومية وفي مصالحنا، لذلك لن تكون نزيهة ومعبرة عن الطموح الوطني الفلسطيني، مهما شهد لها العالم، وهذا ما عانينا من نتائجه وما زلنا نعاني.

الانتخابات في الحالة الفلسطينية ليست مصلحة ومطلباً وطنياً فلسطينياً، ولا يمكن أن تخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا، لأنها أدخلتنا في جدال عقيم، وفي معركة داخلية ذاتية تنابزية وفي معمعة محاصصة مقيتة على تشعبات وهيكلة السلطة، وحالنا هنا كمن استعجل النضوج واستبقه وقطف حبة تين فجة (عجرة) وأكلها فسببت له المتاعب الهضمية والتقرحات المعدية والمعوية، وعلاوة على ضررها، لم يستطعم بها، فخسر ثمرة لو ابقاها على الشجرة لنضجت واستفاد منها، وكان الأحرى به عندما خسرها حين قطعها عن الشجرة أن يرميها بدلاً من أكلها وبذلك يتقي شر ضررها.

نأمل أن تكون النوايا خالصة لوجه الله والوطن والمواطن، وأن يبدد الله شكوكنا في عدم نجاحها، وأن يصبح نجاحها يقيناً وواقعاً نحياه.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required