مفتاح
2024 . الخميس 4 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
يمكن سرد العديد من المؤشرات والوقائع التي تدلل على تزايد التوتر على مستوى العلاقة الإسرائيلية مع العديد من الدول الأوروبية. حيث لم يَعُد أمر هذا التوتر مقتصراً على التعبير عن تذمر بعض المسؤولين الأوروبيين من الحكومة الإسرائيلية ورئيسها نتنياهو وسياسته، ووصفه بالكاذب وغير ذلك من الأوصاف والنعوت.

فالمسألة تتعدى ذلك إلى مجموعة من المواقف والقرارات الهامة بمدلولاتها السياسية. ولعل آخر مؤشر على ذلك، ما شهده مبنى الأمم المتحدة في نيويورك يوم 20-12-2011، للمرة الأولى في تاريخه، حين خرج مندوبوا الدول الأوروبية الأربع الأعضاء في مجلس الأمن، (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، والبرتغال)، أمام أجهزة الإعلام للإدلاء ببيانات مكتوبة، رداً على عجز المجلس عن اتخاذ قرار بشأن الأعمال الاستيطانية الاستفزازية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وذلك بسبب الموقف الأمريكي الذي منع صدورهذا القرار.

مؤشر آخر على ذلك، ما سرّبته صحيفة "إنديبندنت" عن مشروع تقرير سري أوروبي غير مسبوق يتكون من 27 صفحة، يتحدث عن التمييز والاضطهاد الذي يتعرض الفلسطينيون داخل إسرائيل.

الجديد في هذا التقرير، هو أنه لأول مرة في تاريخ العلاقة الأوروبية – الإسرائيلية، يتوجّه النقد الأوروبي لممارسات إسرائيل، ليس تجاه نشاطاتها الاستيطانية والعدوانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 فحسب، بل تجاه ممارساتها التمييزية ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل. كما أن التقرير يتضمن توصيات محددة للاتحاد الأوروبي في هذا الشأن.

في مقابل هذين المؤشرين، وقبل عرض مؤشرات أخرى سيأتي ذكرها، فإن الموضوعية تقتضي الإشارة إلى أن مواقف الدول الأوروبية تجاه عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، ثم سلوكها في التصويت على عضوية فلسطين في اليونسكو، إذا ما تمّ النظر إليه من زاوية نتائج التصويت، فأنه ينمُّ عن انقسام وارتباك سياسي ناجم عن عدم وجود سياسة خارجية أوروبية موحدة. إلا أن هذا الانقسام والارتباك المرتبط به يترافق مع توجّه أوروبي ملموس نحو مزيد من الانفتاح والتفهم للمطالب الفلسطينية العادلة، ونحو مزيد من العزلة السياسية لإسرائيل. ولو أخذنا مواقف بعض الدول الأوروبية كنموذج لانتهاج سياسة منتقدة لإسرائيل، يمكن التوقف عند الوقائع والمؤشرات التالية.

إذا بدأنا بأيسلندا التي أصبحت الدولة الثلاثين بعد المائة من الدول المعترفة بفلسطين، على أثر موافقة البرلمان الأيسلندي بتاريخ 29-11-2011 ( في يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني)، على طلب الحكومة الأيسلندية الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة، وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة.

ومن ثم التوقيع على مذكرة الاعتراف المتبادل والتمثيل الدبلوماسي الكامل بين الدولتين، فإن هذه الخطوة تشكّل سابقة هي الأولى من نوعها بين دول شمال وغرب أوروبا.

يضاف إلى هذا الموقف الأيسلندي المتقدم، تصريح لافت لوزير الخارجية الفنلندي بتاريخ 26 أكتوبر 2011، قال فيه أن الاحتلال الإسرائيلي هو شكلٌ من أشكال الفصل العنصري. كذلك المواقف الفنلندية الداعمة للحقوق الفلسطينية، والمؤكدة على عدم شرعية الاستيطان والاحتلال وممارساته العنصرية، ثم التصويت لصالح عضوية فلسطين في اليونسكو، ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني مؤخراً.

أما الدنمرك، فقد ذكرت الصحافة الإسرائيلية( يديعوت أحرونوت) يوم 5-12-2011 أن وزير الخارجية الدنمركي فيلي سوفندال يرفض لقاء السفير الإسرائيلي، على الرغم من أن الأخير قدّم عدة طلبات لمقابلته.

وذكرت الصحيفة، إن وزارة الخارجية الإسرائيلية تنظر بخطورة بالغة إلى هذا التجاهل، خصوصًا وأن وزير الخارجية وجد الوقت للاجتماع بممثلين عن مؤسسات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية، وتهنئتهم بمناسبة فوزهم بلقب المدافعين عن حقوق الإنسان، في المؤتمر الذي انعقد في كوبنهاغن.

بالإضافة إلى ذلك، فإن وزير الخارجية الدنمركي، قد صرح بتاريخ 22-11-2011، أن بلاده ستُصوت إلى جانب أي قرار يدعم القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها. وبناءاً على ذلك، فإن مواقف الدنمرك تكتسب مزيداً من الأهمية، خصوصًا وأنها تسلمت الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في مطلع هذا العام 2012.

وفي تطور لافت، أعلنت النرويج عن رفضها المطلق للسماح للغواصات الإسرائيلية من طراز "دولفين"من التدرب في مياهها الإقليمية، وذلك بسبب مشاركة هذه الغواصات في الحصار الذي يفرضه الاحتلال منذ خمس سنوات ونيف على قطاع غزة. وكما تبيّن لاحقاً، فإن القرار النرويجي جاء ضمن الخطوات التي قررتها وزارة الخارجية النرويجية والقاضية بمنع تصدير المنتجات الأمنية لإسرائيل.

وكانت وزارة المالية النرويجية قد أعلنت في آب 2011، أن صندوق النفط القومي النرويجي قرر مقاطعة شركتي نفط إسرائيليتين، من كبرى الشركات الإسرائيلية، وهى (أفريقيا ـ إسرائيل) و(دانيا سيبوس) التي يملكها الملياردير الإسرائيلي ليف لفياف، بسبب أنشطتها الاستيطانية في الضفة الغربية.

كما سحبت الحكومة النرويجية جميع استثماراتها من شركة (إلبيت) الإسرائيلية بسبب مشاركتها في إقامة جدار الفصل العنصري.

في سياق هذه المواقف الإيجابية، فقد بدا التصويت السويدي ضد طلب عضوية فلسطين في اليونسكو، غريباً وملتبساً، وكما اتضح لاحقاً، فإنه نتج عن ارتباك في تقدير الموقف، على ضوء الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي تجاه هذه المسألة. وبرغم ذلك، فإن كل الدلائل والمؤشرات، تشير إلى أن السويد تبقى من الدول الصديقة لفلسطين، كما تتزايد لديها مؤشرات العزلة الإسرائيلية، وكذلك الاتهامات الإسرائيلية الموجهة إليها. فمنذ أواخر نوفمبر 2011 ، كُشف النقاب عن اتهام إسرائيلي رسمي جديد للسويد بأنها قامت بتمويل كتيّب جديد "ينضح بالعداء لإسرائيل"، حسب ما وصفته مصادر الصحافة الإسرائيلية. الكتيّب المذكور صدر تحت عنوان: "الكولونيالية والأبرتهايد ـ الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين".

وهو يتهم إسرائيل بأنها دولة أبرتها يد وتُمارس التطهير العرقي والعنصرية. ويُطالب المواطنين والشركات والحكومة في السويد بمقاطعة إسرائيل كليًا. تجدر الإشارة، أن العلاقات الثنائية بين البلدين كانت قد وصلت قبل حوالي السنتين إلى شفير أزمة دبلوماسية، بسبب مقال نشرته صحيفة "أفتونبلاديت" السويدية يتهم الجيش الإسرائيلي بسرقة أعضاء من جثث لشهداء فلسطينيين، وطالبت إسرائيل باعتذار سويدي رسمي ولكن ستوكهولم رفضت، وقال وزير الخارجية السويدي كارل بيلت آنذاك: لن نعتذر.

أخيراً، وبالإضافة إلى ما سبق ذكره عن دول شمال وغرب أوروبا، وفي مؤشر إسرائيلي لافت للانتباه، نشرت بعض المواقع والصحف، وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، حيث أعلنت الوزارة في برقية وُصفت بالخطيرة، أرسلها آفي براك رئيس اللجنة السياسية والمدير العام لوزارة الخارجية، تتحدث عن ظاهرة عزوف عن شغل الوظائف التي تطرحها الوزارة للعمل في أوروبا وغيرها. وتشرح تلك البرقية أسباب ذلك وفي مقدمتها التآكل المرتفع للرواتب والأجور في الخارج، وإهمال الوزارة لتشغيل موظفين من سن الشاب. الحديث يدور في تلك البرقية عن مناصب رفيعة المستوى نسبياً لنواب سفراء في دول مثل فنلندا، لاتفيا، النرويج، ومستشار سياسي، وضابط إدارة في السفارة الإسرائيلية في موسكو، ومناصب رفيعة أخرى في أوكرانيا وبريطانيا وأمريكا الجنوبية وآسيا. قد تكون الأسباب التي تذكرها البرقية، والتي تفسر ظاهرة العزوف بتآكل رواتب وأجور الكادر الدبلوماسي الإسرائيلي في أوروبا وغيرها صحيحة. لكن قد يكون صحيحاً أيضاً، أن أجواء التوتر السياسي التي تشهدها إسرائيل من جانب الرسميين الأوروبيين والرأي العام الأوروبي، تترك آثاراً نفسية ومعنوية ثقيلة على أداء الموظفين الدبلوماسيين الإسرائيليين في أوروبا، مما يؤدي بالنتيجة إلى ظاهرة العزوف المشار إليها في البرقية. وبناءاً على ذلك، فإن هذه الظروف تعني بالمقابل، أن ثمة أجواءاً إيجابية لصالح العمل السياسي والدبلوماسي الفلسطيني في أوروبا. وقد يكون من المفيد استثمار تلك الأجواء، من خلال مزيد من المثابرة وتركيز الخطاب الفلسطيني بلغة موحدة على المستويين الشعبي والرسمي الأوروبي، على مفاهيم سياسية وقيم إنسانية جوهرية مثل: إنهاء الاحتلال والاستيطان والتمييز العنصري/ الحرية والعدالة/ حماية حقوق الإنسان والديمقراطية. كذلك ينبغي أن يتناغم الخطاب الفلسطيني مع الربيع العربي وشعاراته مثل : وضع حد للدكتاتورية والظلم والفساد/ بناء دولة القانون التي تضمن العدالة والحرية والمساواة لكافة المواطنين. فهذه المفاهيم والقيم هي الأقرب للعقل السياسي الأوروبي، الشعبي والرسمي. في المقابل، فإن الخطاب السياسي الإسرائيلي الموجّه لتلك الدول، هو خطاب فقير وهزيل من الناحية السياسية، لأنه يخلو من تلك المفاهيم والقيم، ويعُجّ بالاتهامات الجاهزة والمُسبقة لكل الدول، ولكل المسئولين الذين يتبنونها، ويحاولون أن ينتقدوا إسرائيل وأن يحثوها لأجل مصلحتها، على الالتزام بتطبيقها.

* كاتب وباحث فلسطيني- . - dibsraid@yahoo.ca

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required