مفتاح
2024 . الخميس 4 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
يصعب على القارئ الغربي للمقال الأخير لشيمعون بيريس: 'المستقبل للشباب'، والمنشور مؤخراً في صحيفة 'دي فيلت' الألمانية الشهيرة والرصينة، إيجاد الكثير من نقاط الخلاف مع الرجل الثمانيني الذي عاش المراحل الأهم من قيام الدولة العبرية وما رافقه من انهيار إجباري للحياة الفلسطينية بالكامل، فهو العارف الكبير بخبايا - الأزمة - الفلسطينية/ الإسرائيلية كما يسميها، وهو المحلل واسع الاطلاع وكثير الأدوات، كما يقدم نقسه.

وهو إلى هذا وذاك القائد البعيد عن الشبهات 'مصلحة شعبي وشعوب المنطقة التي وجدنا أنفسنا فيها، هما الشغل الشاغل لي ولإسرائيل'، إنه الشغل الذي قاد، بحسب الكاتب، إلى النتائج التالية: 'لدينا تجربة فذة في إسرائيل، لقد انطلقنا من الصفر تماما، لم يكن لدينا من مصادر القوة الطبيعية آنذاك سوى تاريخنا وارثنا الطويل الذي عدنا للبحث عنه في الوطن..ولكننا نجحنا، بفضل جهودنا الذاتية، بالصعود إلى مراتب اقتصادية وعلمية عظيمة، ونحن نقدم خبراتنا اليوم لمن يحتاجها في العالم'!؟

ولعل الرهان على الشباب يضيف بيريس 'هو الرهان الوحيد الرابح لدينا، فبجهودهم يمكننا الحفاظ على تلك المنجزات، جهود الشباب هي الضامن الوحيد للمستقبل، ليس مستقبلنا وحدنا في إسرائيل، بل مستقبل جيراننا الذين يشعل شبابهم الآن هذا الربيع العربي، ولن تحمل إسرائيل في الأيام القادمة صفة الدولة الديمقراطية اليتيمة في محيط يعج بالأنظمة المستبدة، فالربيع العربي سيخلق ديمقراطيات جديدة مجاورة'.

أما النهاية التي يتصورها بيريس ويقترحها لحل - الأزمة - الفلسطينية فهي على الشكل التالي: 'لا بد من قيام الدولة الفلسطينية الديمقراطية إلى جانبنا، لقد عملنا على قيامها وسنواصل العمل'، لكنه يعود في فقرة أخرى ليحدد هوية هذا الجانب المطلوب من الدولة الفلسطينية أن تجاوره: 'إسرائيل هي دولة سكانها اليهود وهي دولة ديمقراطية بكل الأحوال'!؟

لا يُفسر شيمعون بيريس لقارئه الأوروبي المفترض كيفية العثور على مقاربات واقعية لكلامه الكثير، ولا يشرح له بالطبع ما تعنيه أمثال هذه المقولات العجيبة: 'مصلحة شعبي وشعوب المنطقة هما الشغل الشاغل لي ولإسرائيل'! فما تعرفه شعوب المنطقة من عذابات خلقتها إسرائيل وعمقتها هي الدليل الواقعي الحي والمستمر، على عكس ما بشرت به الكلمات المخادعة تلك وما سعت لإثباته.

كذلك هو حال مقولات: العودة إلى الوطن، والاعتماد على الذات، ثم تصدير الخبرات للعالم، وهي ليست أكثر من لعب تقليدي بالألفاظ والحقائق بالتالي، فخبرات إسرائيل التي صدرتها للعالم هي تلك العسكرية والأمنية التي ذهبت ذات يوم ليس بالبعيد إلى النظام العنصري في جنوب إفريقيا، كما ذهبت وتذهب لمساعدة عديد الأنظمة الاستبدادية الأخرى في أميركا اللاتينية والعالم الثالث!

ولا نعرف الآن عن خبرات من نوع آخر صدرتها إسرائيل أو ساعدت بها العالم، كما لا نعرف الكثير عن تلك العبقرية التي مكنت إسرائيل من الاعتماد الكلي على ذاتها -من الصفر- ! فما نعرفه جيداَ، وما تؤكده الوقائع والأرقام، هو أن الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية قد قدمت للدولة العبرية ولا تزال ما يصعب حصره من الأموال وأسباب البقاء، إلى جانب ما تواصل إسرائيل ابتزازه من أثمان باهظة عن ضحايا الهلوكوست! لتكون حكاية الاعتماد الكلي على الذات هذه مجرد محاولة لإيهام المتلقي بأمجاد أسطورية لإسرائيل، ستلتقي مباشرة مع المحاولة الأخرى الساعية لإقناع المتلقي بخرافة - العودة للوطن- صهيونية الخلق وعديمة الجذور بالمطلق!

ذر الرماد في العيون هو بالضبط ما يمكن وصف مقالة بيريس به، فهناك إلى جانب ما تقدم ذكره، تتجلى أكذوبة - المساعدة على قيام الدولة الفلسطينية- التي تسعى إسرائيل (على العكس تماما مما جاء به بيريس) لمنع قيامها! كما سعت جاهدة، وتسعى الآن إلى تعطيل حركة التغيير التي تعم العالم العربي (الربيع العربي الذي تغنى به بيريس مرارا عبر مقاله الطويل)، ولنا في موقف إسرائيل من الثورة المصرية خير دليل على تلك الرغبة بتعطيل المسار، كما حالها اليوم مع مسارات ثورية أخرى في دول الجوار!؟

يكذب بيريس على قارئه الغربي بلا انقطاع، يذر الرماد في العيون مرة، ويحلق في لا حدود الفانتازيا مرات أخرى، ولكنه يعود لمرة واحدة فقط، ليذكر الحقيقة كما هي فعلاَ، حين لا يتورع عن ترديد العبارة التالية: 'إسرائيل هي دولة سكانها اليهود وهي دولة ديمقراطية بكل الأحوال'!!.

إذ لا يفسر بيريس لقارئه كيف تصبح الدول ديمقراطية في ظل إعلانها عن هويتها الدينية والعرقية، والتأكيد المستمر على أن مشروعها الديمقراطي هو لصالح تلك الهوية وفقط!؟... ولكن شيمعون بيريس لا يُفسر أشياء أخرى عديدة في مقاله هذا، معتمداً ربما على لامبالاة القارئ الغربي البعيد عن الحقائق الفعلية الدائرة رحاها على الأرض الفلسطينية، وهي الحقائق البشعة التي لا تستطيع مقالة هنا وأخرى هناك أن تجملها وتسقط واقعها إسرائيلي الصنع عنها.

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required