مفتاح
2024 . الخميس 4 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
لها التحية إذ تؤصّل معالم الكينونة والكبرياء، فهي دوما في دائرة الفعل وعظيم العطاء، أو ننساها؟ ومن يجرؤ على نسيان فدائية دلال أو صمود هناء؟ وكيف لنا أن ننسى فارسات القدس ممّن نسجن من الكبرياء عباءة ازدانت بها جنبات المشهد في البلدة القديمة وفي كل حواري المدينة المقدسّة؟!

على بوابّة الحسبة في رام الله، عشرات النماذج من الفارسات المواصلات دربهّن في العطاء، من الحريصات على أن يكنّ رقما صعبا في معادلة الإصرار التي جسدّتها نسوة فلسطين، وفي المؤسسات فارسات معطاءات حفرن أبجديّة البناء ومضين يعلننها بثبات: هو الوطن، نبنيه ونرسي دعائم عزتّه، والحكاية تطول.

في حلحول ونعلين وبلعين والنبي صالح وبيت أمر وفرعون وقباطية والنبي إلياس والخضر وبتير.... وفي غيرها من أماكن الوطن، في البلدة القديمة من الخليل ونابلس... في قفين وعبوين...في خان يونس ورفح ودير البلح...في الناصرة وباقة وحيفا... في القرى والمدن والمخيمات وفي مضارب البدو ..هنا في الوطن وكذا في الشتات، شموخ ماجدات بلادي يتجاوز الآفاق مرسلا الصوت ناطقا بمواصلة المسير، وإعلان النفير متى تطلب الأمر ذلك.

أم الأسير وزوجته وأخته..كلهّن أبرمن مع الوطن عهود الوفاء، فراق الحبيب من أجل الأوطان يهون، هو الوطن، فراق الحبيب ما دام من أجل الوطن محتمل، هو الصبر زاد لهّن وقد زانه طول الأمل، هو الحبّ في أورع تجلياته.

في هذا اليوم، أترحّم على جدتي الراحلة، وأجدّد عهدي مع الجدّة الباقية نفيسة، وأتمنى الخير لكل الصابرات في وطني، ولا أنسى التعريج على براءة ابنة قلقيلية التي كانت في الحمّام حبيسة، أرسل التحايا للمواصلات صوغ حكاية العطاء والبناء في كل الأروقة والأماكن.

حين أتحّدث عن نساء بلادي أستحضرهّن باعتبارهن نموذجا فاق كل النماذج، بوصفهن أساطير جردّت الأسطورة من كل اقتران بالخرافة، فحكايات عطاء نسوة بلادي حقيقة لا تخالطها خرافة، نماذج حيّة لمّا تزل متواصلة ناطقة بعظمة حواء بلادي، شقائق الرجال ماجدات، وعلى صناعة المجد عقدن الهمّة.

قائدات بانيات، عاملات مربيات، معلمات فارسات، ممرضات وشرطيّات، طبيبات مهندسات، بائعات مزارعات، كلهن يواصلن كتابة أبجدية الحكايات، في قلب الماضي لهن حضور لم يلغه حاضر ولن يغيب في زمن آت.

كبيرة أنت يا ابنة وطني ومعطاءة، يا من كانت لحظاتك.. كل لحظاتك بطابع الكبرياء ممهورة وضاءّة، يا من كنت دوما ملهمة للباحثين عن عطاء لا ينضب. اليوم، لا نتحدّث عنك من منظور الجندر بل من باب ثوابت كل أصل من أصولها تجذّر، قد لا يعرف الشيخ الطاعن في السنّ معنى الجندرة، لكنه حتما وبعفويّة وتلقائية يدرك معنى رفيقة الدرب، وشريكة العمر، ومتقاسمة الهمّ معه، هي عشرة عمر، ومسيرة أجمل ما فيها التلقائية والعفويّة.

هو موروثنا الذي احتفى بك أجمل احتفاء، هو موروثنا الديني ومنه ننهل كل معاني الوفاء لك أمّا مربيّة، وابنة وفيّة، وموروثنا الأدبي وقد كنت أبرز ما فيه من باعثة على الإبداع، وموروثنا الشعبي الذي كسب عمق دلالته من استحضارك في عديد محطاته، فوثّق تواجدك الدائم في سفر العطاء، وموروثنا التاريخي الذي استلهم حكايات خولة وبلقيس وشجرة الدر ونسيبة وغيرهن من اللواتي كتبن التاريخ بأفعالهن، فبتن قلادة في جيد الذاكرة.

لم يعرف أجدادنا معنى "الفالنتاين" لكنهم كانوا أوفياء، هداياهم لم تكن باقة ورد بل ثمثلت في صدق الوعد، وفي ضمّة ميرميّة، أو شيح، أو حزمة حطب، كان هذا هو أسمى الأماني، ومعها تواصل الإخلاص والتفاني، وظلّت المرأة عبر تاريخها الطويل كينونة تبحث عن بناء الكيان.

اليوم، لا نستحضرك في إطار اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لأننا نفترض أنك يجب أن تظلّي بمنأى عن أي تمييز، فواجبك دوما أقل ما يقترن به الثناء والتعزيز.

نراك في إشراقة شمس تبدد عتمة الليل، نراك في تمايل أغصان تنحني نحو الأرض تبادلها التحيّة، في ترنيمة الشادي، في نغمات شبابّة تمايلت على ألحانها الأمكنة والأزمنة.

نراك حيثما أمعنّا النظر، شريكة يصعب فراقها وكأنها علاقة المبتدأ بالخبر، نراك في عبق الزهر المتفتّح، في ضوء القمر ليلة اكتماله، نراك في عيون الطامحين الواعدين.

للمرأة الفلسطينية في يومها؛ بل في كل أيامها تحيّة تقترن بطيب التقدير وهي التي صاغت ملحمة الوفاء والعطاء، الصبر والتحدّي، العنفوان والرقّة، لها نجدّد العهد على أن يظل الحدّ الأدنى من الاعتزاز بها مقترنا بمنسوب الاعتزاز بمبدعينا في كل الميادين أدبا ونضالا، علما ونجاحا، كيف لا وهي التي تقف على رأس هرم الإبداع؟؟

لأمّي ..لجدّتي، لزوجتي، لابنتي، لخالتي، لعمتّي، ولغيرهنّ من نساء بلادنا تحيّة، فكلهّن نماذج أصيلة.

تحية للمرأة الفلسطينية التي كانت وستبقى فارسة المكان، لبنة التأسيس، وبؤرة الإشعاع الذي ما توارى، ما توارى وبإذن الله لن يتوارى، وكأنها حالة فيزيائية تقترن بالطاقة، باختصار: كل عام وأنتنّ بخير.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required