مفتاح
2024 . الخميس 4 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
ثمة جملة من المفاجآت في التصعيد الإسرائيلي الأخير. فرغم الحديث الإسرائيلي المتكرر عن احتمالات التصعيد إلا أن التركيز الهجومي الإسرائيلي انصب في الأشهر الأخيرة على إيران وسلاحها النووي المحتمل بحيث بات الظن سائداً بأن ثمة طائرات إسرائيلية رابضة في انتظار التعليمات للانقضاض على المفاعلات النووية الإيرانية. وكان تراشق الحديث عن غزة يتم بعبارات قليلة دون أن يعني هذا أن إسرائيل رمت غزة خلف ظهرها أو حساباتها. فالحديث عن تطوير الفصائل في غزة لقدراتها الصاروخية واستجلاب معدات هجومية مهربة عبر الأنفاق من عتاد الجيش الليبي المنحل بات فكرة شائعة وراسخة. وهو ما استوجب الحديث في الكثير من المرات عن التدخل لردع أية فرصة لتحويل هذا العتاد إلى تهديد للمستوطنات والمدن حول قطاع غزة.

رغم ذلك كان الهجوم بحجمه وتوقيته وسرعته مفاجئاً. فإسرائيل قامت باغتيال 15 فلسطينياً في قرابة 24 ساعة وهو معدل مرتفع ويكاد يكون الأعلى نسبة منذ انتهاء عدوان إسرائيل على القطاع في كانون الثاني 2009، كما أن شدة القصف وتنوعه يذكر المواطن بتلك الليالي القاسية في شتاء 2008 - 2009. كما أن الاغتيالات طالت شخصيات قيادية في بعض المجموعات المسلحة مثل لجان المقاومة. هذا يجب ألا يعني بأن عدوان إسرائيل على غزة توقف يوماً واحداً فهي لم توقف الاغتيالات لحظة وهي جاهزة للتدخل حين تحين الفرصة المناسبة ويتوفر لديها هدف 'ثمين' من رجال المقاومة بجانب رغبتها المستمرة في فحص مستويات الرد الفلسطيني ومنسوب وانسيابية تدفق الصواريخ على الغلاف الاستيطاني حول القطاع في حالة التصعيد.

وعليه يمكن وضع هذا التصعيد المفاجئ، كما يحب البعض، ضمن دائرة حالة القياس الإسرائيلية. فقط بعض السذج وأصحاب الشعارات الكبرى عندنا هنا من اعتقدوا أن إسرائيل نفضت يدها من غزة وأن غزة تحررت بشكل كامل فيما إسرائيل لم تنفض يدها من غزة وهي لم تدر ظهرها لحديقة بيتها الخلفية. فهي لم تفعل أكثر من اقتلاع الاشجار في هذه الحديقة وواصلت تصويب بنادقها ومدافعها وبوارجها وتحليق طائراتها فوقها. تكمن الرغبة الإسرائيلية في البحث عن أفضل السبل لإدارة العلاقة مع غزة.

لقد قدم الانقسام لإسرائيل فرصة نادرة وثمينة في إدارة علاقتها مع الفلسطينيين. تزامن هذا مع التراجع الكبير في السياسة الإسرائيلية عن أية إمكانية للتقدم في عملية السلام. لقد أدركت اطياف السياسة الإسرائيلية ان ثمة استحقاقا على إسرائيل دفعه إذا استمرت في التفاوض وأن غاية أي مفاوضات لا يمكن أن تكون، إلى الأبد، المفاوضات ذاتها. بعبارة بسيطة فالدولة الفلسطينية المستقلة التي ينشدها الفلسطينيون خطر استراتيجي على مصالح إسرائيل الحيوية لذا لا يمكن السماح لهم باستقلال في الضفة الغربية وقطاع غزة ناهيك عن جملة الاستحقاقات الأخرى.

من هنا كانت طاولة المفاوضات وكلما شهدت المزيد من الحوارات والنقاشات والوساطات تشهد تراجع الاحتمال الحقيقي لتحقيق الغاية النهائية لعملية السلام والمتمثلة بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وظهر أن الحاجة الإسرائيلية تكمن في إدارة العلاقة مع الفلسطينيين وليست حل الصراع سياسياً. لأن إدارة الصراع تعني التهرب من الاستحقاقات السياسية المترتبة على أية عملية سياسية.

ما أرمي إليه هنا أن الانقسام وفر مادة خصبة من أجل تعزيز هذا النهج الجديد، بحيث أمكن لإسرائيل إخراج النصف الجغرافي والكياني الثاني للدولة الفلسطينية المنشودة من دائرة الجدل العام حول مستقبل التفاوض ومكنها من خلق آليات خاصة للتعامل مع غزة. وهي آليات أسهل مثلاً من التعامل مع الضفة الغربية التي يوجد فيها قيادة سياسية تبحث عن حقوق سياسية يؤازرها العالم ويضغط على إسرائيل من أجلها. وربما كان استحقاق أيلول، الذي كان رغم ما قد يقال عن النتائج، وهو واحد من أهم الهجمات السياسية الفلسطينية، خير مثال على ذلك.

إدارة العلاقة مع غزة لا تقتضي أكثر من الحفاظ على قواعد اللعبة مع الحكام الجدد فيها. لقد بات واضحاً لإسرائيل بأن حماس لن تكون معنية بأي حال بتصعيد قد يهدد وجودها في غزة لذا فهي أثبتت خلال السنوات الماضية بأن بإمكانها لجم فصائل المقاومة ومنعها من التصعيد. مدركة ذلك، فإن إسرائيل من فترة لأخرى ترغب في التأكد من أن قواعد اللعبة لم تنتهك. بالمقابل فإن إسرائيل هذه المرة لا ترغب في التصعيد غير المقنن كي لا تفلت السيطرة على الميدان من يدها. وهذا تحديداً ما قد تقوم به حماس حتى لو قامت بالرد ببعض الرشقات الصاروخية وتعرض بعض أفرادها للاغتيال، فهي لا تريد أن تجد نفسها في سيناريو لا تتحكم فيه بمنسوب التصعيد الفلسطيني.

وعليه فالأمر ليس مفاجئاً بهذا المعنى. ثمة إدراك للخط الفاصل بين الحرب والنشاط الحربي، بين الهجوم الواسع والتصعيد. بالتأكيد ما يحدث هو تصعيد لكنه، ما لم تطرأ تغيرات جوهرية على قواعد اللعبة، سيبقى مجرد تصعيد آخر. السياق الآخر الذي لا يمكن أن يفوتنا في هذه القراءة هو ربط التصعيد الميداني في غزة بحالة المصالحة. إن تتبعا سريعا لمسنوب التصعيد الإسرائيلي والرد الفلسطيني يكشف هذه العلاقة الطردية بين التصعيد والمصالحة: فكلما تقدمت المصالحة ارتفع مستوى التصعيد. لا يختلف الوضع في هذه الحال فالمصالحة، التي بات واضحاً أنها لولا رفض حماس غزة لها لأنجزت، بحاجة لمزيد من العقبات والتأخير.

ربما استدعى كل ذلك الاقرار بأن أولى اولويات الحالة الوطنية الفلسطينية هي انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة وتطوير برامج نضالية مشتركة تتناغم فيما بينها من اجل الحد على الأقل من خسائرنا أمام إسرائيل وتقرب من فرص تحقيق بعض من تطلعات أبناء شعبنا. وإن تعذر فهم الأمر بهذه الطريقة، فإن نظرة على تردي الاوضاع المعيشية في غزة من نقص حاد في الكهرباء والغاز وارتفاع في الأسعار تجعل البحث عن مخارج حقيقية من حالة الانقسام واجبة وملحة على الأقل انسانياً.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required