مفتاح
2024 . الأربعاء 3 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
فجأة اهتزت الخارطة الحزبية والسياسية في إسرائيل، وفجأةً ارتبكت كل الحسابات وظهرت علائم الذهول والوجوم والحيْرة في مختلف وسائل الإعلام، بُعيْد الإعلان عن صفقة دخول كاديما إلى حكومة الائتلاف القائمة في إسرائيل.

فمتى تم الاتفاق على هذه الصفقة يا ترى؟ هل تمت الصفقة قبل الإعلان عن الانتخابات المبكرة والدعوة إلى حلّ الكنيست؟ وهل كانت الدعوة إذاً مجرّد لعبة سياسية أو حيلة لجأ إليها نتنياهو وهو يعرف أنها مجرّد أداة ضغط لإتمام الصفقة؟ وإذا كانت الصفقة قد تمّت أو تُمِّمتْ بعيد الدعوة إلى الانتخابات المبكرة، فكيف كان بمقدور موفاز أن يدخل في هذه 'المغامرة' –والأصح القول في هذه المقامرة- وأن يقنع أعضاء مركز كاديما بهذه الخطوة وبهذه السرعة وفي غضون أقل من يوم واحد؟؟ ثم هل يُعقل أن يكون مركز الليكود خارج هذه الطبخة وهل يُعقل أن تتم من وراء ظهره؟؟؟ ليس لدي أجوبة على كل هذه الأسئلة الهامة، ولا تتوفر حتى الآن معلومات كافية في وسائل الإعلام لمعرفة خلفيات هذه الصفقة، ومعظم ما توفّر منها يثير من الأسئلة الإضافية أكثر مما يجيب عن بعضها، وهو الأمر الذي يجعلنا نرجح 'عنصر' المؤامرة والانقلاب في هذه الصفقة الغريبة.

في إسرائيل تحولت السياسة إلى ساحة للحِيَلِ والمناورات والألاعيب، وتحوّل القادة السياسيون أو بعض رموزهم الأولى إلى البهلوانية السياسية التي لا تخلو من لحظات التهريج المخلوط باللعب في مناطق الهاوية وعلى حافتها في بعض الأحيان. وفي إسرائيل هذه الأيام يلعب القادة بمصائر الأحزاب أكثر مما يعبث قادة الاستبداد في العالم الثالث بمصائر شعوبهم ومقدراتها.

وفي إسرائيل اليوم تنفصل الطبقة السياسية عن فئات واسعة من المهنيين والفنيين والتكنوقراط والأكاديميين الذين يحتفظون لأنفسهم برؤى عقلانية لتقدير المواقف والأخطار وتحديد الأولويات الوطنية.

وفي إسرائيل اليوم تحوّل مفهوم الصفقة مهما كانت قذرة وحتى نتنة الرائحة، إلى 'قيمة' سياسية مقبولة ومشروعة، وغادر معظم القادة السياسيين منطقة النزاهة والشفافية إلى غير رجعة وبدون أي أسف أو شعور بالندم.

في إسرائيل، اليوم، أصبحت لغة الابتزاز هي اللغة المشتركة الوحيدة التي يتفاهم بها السياسيون، وهي اللغة الوحيدة التي تمكن القادة السياسيين من البقاء على المسرح السياسي، وهي اللغة الوحيدة تقريباً التي لا يستطيع أحد أن يُعيب على أحد بسبب اللجوء إليها. في هذا الإطار أرى الصفقة التي تمت وفي هذا الإطار أعتقد أن الصفقة قد تمّت وأنجزت.

أما الحديث عن 'الوحدة الوطنية' وعن مواجهة الأخطار المحدقة وعن تغيير الأولويات وعن شروطٍ قد تم الاتفاق عليها (بما في ذلك إعطاء الأولوية والأهمية للحل على الجهة الفلسطينية)، فهي مجرد ذرٍ للرماد في العيون، وهي مجرد غطاء لإخفاء حالة التردي التي وصلت لها الطبقة السياسية في إسرائيل.

وهي مجرّد لعبة وحيلة سيتخلص من خلالها نتنياهو من ابتزازات ليبرمان، ومن طابور اليمين المتطرف الذي يقف وراء ليبرمان، وهي الطريقة التي من خلالها سيتخلص نتنياهو من بعض الأوساط المتربصة به داخل حزب الليكود نفسه، وهي الطريقة التي من خلالها سيواجه نتنياهو 'المجتمع الدولي' وإيهامه بأن ثمة جديدا في توجهاته السياسية على صعيد العملية السياسية. وهي الطريقة التي من خلالها سيتم إخلاء الساحة من المعارضة السياسية المنظمة وإبقاء الحركات الاجتماعية النشطة في الميدان بدون قيادة سياسية مباشرة وبدون كاريزما سياسية وبدون دعم مؤسسي على المستوى السياسي الشامل.

وهي الطريقة التي يتوفر لموفاز موطئ قدم في هذه الحكومة قبل أن تأتي الانتخابات القادمة وتضعه في مصاف القوى الهامشية، شأنه في ذلك شأن الكثير من القوى السياسية الصغيرة التي ستقبل بالجلوس على طرف المائدة والتهام ما يُقدم لها من طعام. وهي الطريقة الوحيدة التي تنقل ما سيتبقى من حزب كاديما من معارضةٍ لم تؤد إلى أي دور جديد إلى موالاةْ 'قد' تغيّر من مسار التدهور الذي أفصحت عنه استطلاعات الرأي الأخيرة.

والهدف في نهاية المطاف هو تشكيل مركز سياسي من يمين الوسط ووسط اليمين لإنهاء 'دكتاتورية' 'اليسار' ودكتاتورية اليمين المتطرف وتحضير إسرائيل إلى مرحلة 'استقرار' سياسي آمن لمواجهة المرحلة القادمة، ليس من زاوية مواجهة الأخطار المحدقة بإسرائيل، وإنما من زاوية البقاء في السلطة السياسية حتى بوجود هذه الأخطار.

الصفقة التي تمت أبسط بكثير مما يظن البعض، وهي لعبة سياسية صغيرة أكثر مما هي حالة وعي ويقظة سياسية، وهي صفقة حزبية ضيقة أكثر مما هي صفقة سياسية 'وطنية'، وهي في النهاية تعبير صادق، وصادق أكثر مما يجب عن تردي الحالة السياسية في إسرائيل.

رائحة الانقلاب والمؤامرة تزكم الأنوف وقد فهم بعض السياسيين اللعبة ولكنهم بدلاً من شق طريقٍ جديد يحضرون أنفسهم للعودة إلى المسرح السياسي بنفس الوسائل والأساليب والأدوات.

إسرائيل تحتاج إلى حزب سياسي جديد، وما يجري اليوم هو محاولة لمنع قيامه وتبلوره ولقطع الطريق عليه بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة أيضاً.

ما يجري هو تعزيز لحالة الضياع وحالة انعدام الوزن وفقدان الاتجاه.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required