مفتاح
2024 . الأربعاء 3 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
لا يخفى على أحد تفاصيل الأزمة المالية الخانقة التي تواجهها السلطة الوطنية الفلسطينية ، بسبب نكث الدول المانحة بغالبيتها، أو تلكؤها في أقل تقدير لوعودها ، و عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه السلطة الوطنية الفلسطينية من حيث عدم تقديم المعونات و الالتزامات المالية ، الأمر الذي جعل السلطة الوطنية الفلسطينية في كثير من الحالات تقف عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها في دوامة مستمرة منذ سنوات، و لعل أزمة الرواتب التي تقف لها أنفاس موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية مع مطلع كل شهر، مع كل ما لهذه الأزمة من انعكاس اقتصادي على المجتمع الفلسطيني بعامته ، هي أحد تجليات هذه الأزمة، و إن لم تكن عنوانها الوحيد .

و قد تداعى الخبراء و المحللون الاقتصاديون في الآونة الأخيرة ، في محاولات صادقة لتقديم النصح و المشورة حول سبل الخلاص من هذه الأزمة ، و حيث أن هذه الأزمة مفتعلة ، أي أنها بفعل فاعل، فلا بد من إيجاد حل لهذه الأزمة بعيدا عمن افتعلها ، و الفاعل في هذه الحالة هو الدول المانحة باختلاف مشاربها و غاياتها بل و أيديولوجياتها.

و هذا المقال ليس سوى محاولة اخرى تضاف الى تلك المحاولات في سبيل تقديم النصح و المشورة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية في سبيل الخروج من هذا المأزق المزمن، و لكن تقديم العلاج يحتاج إلى التشخيص أولا ، حتى يتسنى تقديم العلاج المناسب .

و من باب التشخيص ، لعلي اعيد إلى الأذهان أنه إبان الفترة الاولى من حكم حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية ، و انقطاع الرواتب الشهير الذي حصل في حينه و لفترة زمنية طويلة ، كانت الأرقام تشير الى أكثر من 140 ألف موظف في جميع مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية بشقيها المدني و العسكري ، بينما يتم الحديث اليوم في وسائل الإعلام عن قرابة 180 ألف موظف ، بمعنى أن الأزمة يتم مضاعفتها و تعميقها عوضا عن محاولة حلها عبر السنوات.

لا يخفى على أحد أهمية العمل في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية ، و ذلك التزاما من السلطة تجاه شعبها من حيث توفير فرص العمل والتوظيف لأبنائه ، و لا نعتب على السلطة كثيرا في هذا الصدد ، و إن كان هذا أمر يتوجب الوقوف عنده و التفكر فيه، فإنه و إن كان من الطبيعي أن تكون السلطة هي أكبر مؤسسة في الوطن من حيث عدد الموظفين فيها ، الا أن هناك بطالة مقنعه يعلمها الجميع ، و لعل إقدام السلطة على هذا النمط من التوظيف وفاء منها بمسؤوليتها تجاه شعبها، اصبح امرا لا مناص منه خاصة في ظل ندرة فرص العمل الجديدة في القطاع الخاص و انسداد آفاق العمل في ما وراء جدار الفصل العنصري.

من هنا بدأت الأزمة تزداد تفاقما مع مرور السنوات ، فالدول المانحة توقفت أو كادت عن الوفاء بالتزاماتها تجاه السلطة الفلسطينية ، بينما واصلت السلطة الفلسطينية الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها من ناحية التزايد المضطرد في التوظيف الحكومي ، مما أدى إلى تفاقم الأزمة و تصاعدها.

ينبغي أن تتمثل الحلول باتجاهين، الأول : تخفيض التكاليف ، و الثاني زيادة الإيرادات . و سأترك خيار تخفيض التكاليف لأصحاب القرار الرسمي في السلطة الفلسطينية لفحص هذه التكاليف و مسبباتها و إمكانية تخفيضها، و بالتأكيد يمكنهم ذلك مع تأكيدي على أن تخفيض عدد الموظفين في مؤسسات السلطة ليس خيارا منطقيا و لا أقترحه. و أتفرغ في ما بقي من مقالي للاتجاه الثاني و هو زيادة الإيرادات.

أطرح في هذا المقام سؤالا للمسئولين: هل كان قرار خصخصة بعض القطاعات الاقتصادية الحيوية منذ بداية عهد السلطة الوطنية قرارا صائبا من وجهة نظر اقتصادية ؟ أم كان من الأفضل إبقاء هذه المشاريع الإستراتيجية ملكية عامة لصالح السلطة الفلسطينية ؟ و السؤال الثاني : أليس مجديا أن تقوم السلطة الفلسطينية بإنشاء مشاريع إستراتيجية تحقق لخزينة الدولة تدفقات نقدية في هذا الوقت بالذات عوضا عن منح التراخيص لبعض المستثمرين المحليين و أحيانا الأجانب؟ أليس بمقدور السلطة مثلا أن تنافس بشركات مملوكة للدولة بالكامل في قطاع الاتصالات بشقيها السلكي و اللاسلكي عوضا عن منح التراخيص لشركات القطاع الخاص المحلي و الأجنبي ، و هذا على سبيل المثال لا الحصر.

أنتهي الى اقتراحاتي في اتجاه زيادة الإيرادات، و هي كما يلي :-

- اقترح على السلطة الفلسطينية القيام باستثمارات مملوكة للسلطة، بشكل مباشر أعتقد أن على السلطة الفلسطينية اقامة مصانع مملوكة لها في جميع محافظات الوطن، على أن تكون هذه المصانع بسيطة و قليلة التكاليف و تعتمد على الأيدي العاملة أكثر من التكنولوجيا، بحيث تحقق هدف تشغيل العاطلين عن العمل من الشباب و خريجي الجامعات في مصالح تنفق على ذاتها و لا تحتاج الى تمويل الا باقل القليل وفي المرحلة الاولى من انشائها، و في السنوات اللاحقة يمكن أن يتم تفريغ الالاف من موظفي السلطة الراغبين للعمل في هذه المصانع كل حسب تخصصه و مجاله و رغبته، و ربما برواتب أفضل.

وقد يسأل سائل: ما هي طبيعة هذه المصانع ؟ الجواب : أي شيء يمكن أن نصنعه و يحتاج إليه المواطن الفلسطيني: مصانع ألبان و أجبان و عصائر و مشروبات غازية و حتى ملاقط غسيل، انظروا إلى ما تمتلئ به أسواقنا من البضائع الصينية البسيطة و اصنعوا مثلها، فليس معقولا ان نستورد كل شيء من الخارج حتى وصل بنا الامر الى استيراد عيدان تنظيف الاذن و الأسنان. أي شيء بسيط و لا يحتاج الى تكاليف تشغيلية عالية و يحتاج إلى أيدي عاملة يمكن لنا ان نصنعه، و ما نحتاج اليه من مواد خام اولية بسيطة نستطيع ان نستورده ، لتحقيق هدفين: عائد مالي للسلطة من عائدات هذه المصانع، و تشغيل الأيدي العاملة سواء من داخل مؤسسات السلطة أو من الخريجين و العاطلين عن العمل بتسوية مناسبة . بقي أن أشير إلى أمور مهمة في هذا الاتجاه ، الأول : ضرورة ضبط الاستيراد من الخارج و ضمن حدود القدرة الممكنة (عدم منح تراخيص استيراد للسلع المشابهة المستوردة من الخارج) ، الثاني : القيام بحملات توعيه لتوجيه المواطن نحو الإقبال على هذه السلع التي تنتجها مصانع " الدولة " و دور هذا السلوك الشرائي في تعزيز القرار الوطني و السياسي المستقل بعيدا عن التبعية للدول المانحه و معوناتها ذات الاستحقاقات السياسية ، الثالث: تشكيل هيئة مستقلة للإشراف على / و إدارة هذه المصانع (إدارة باسلوب إدارة مشاريع القطاع الخاص، و ان كانت التبعية النهائية للسلطة) و لدينا من الإمكانيات و القدرات الكثير لتشكيل هذه الهيئة .

الاقتراح الثاني هو ضرورة الالتفات بجدية مطلقة الى موضوع الاستحقاقات الضريبة على المواطنين و أصحاب المصالح التجارية ، و يتثمل في ضرورة تثقيف المواطن الطبيعي أو الاعتباري بضرورة و أهمية الاقرار الضريبي و دفع الاستحقاق الضريبي , و كذلك ضرورة تثقيف المستهلك الفلسطيني بحقه بل بواجبه في طلب فاتورة ضريبية عن أي سلعة يشتريها مهما زهد ثمنها و ذلك حفاظا لحقه و حق السلطة في الضرائب المستحقة من اجل تمكين السلطة من الوفاء بالتزاماتها. فليس من المعقول و لا المقبول أن تكون ضريبة الدخل على موظف أكثر من ضريبة الدخل على مصلحة تجارية مزدهرة ، و كل هذا يتحقق بالشفافية و العدالة و المسائلة .

لا ندعي ان هذه المقترحات ستشكل حلا شاملا و نهائيا، بل نزعم انها ستخفف من حدة الازمة ، و نود ان نؤكد على انه في مرحلة التحرر الوطني يتوجب على الدولة الاحتفاظ ببعض عناصر الانتاج خاصة في ظل عدم توفر ثروات طبيعة كافية ، بينما يمكن في مرحلة انجاز التحرر من الاحتلال الشروع في الخصخصه.

عميد كلية التجارة

الجامعة العربية الأمريكية

 
 
اقرأ المزيد...
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required