مفتاح
2024 . الأربعاء 3 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
قضية المدرسين الذي فصلوا من أعمالهم على خلفيات امنية بفعل الإنقسام قضية طال أمدها، وما زال مئات المدرسين ينتظرون قراراً جريئاً تتخذه السلطات الرسمية يقضي بعودتهم الى عملهم، ومن ثم تعويضهم عن سنوات فصلهم من الدراسة، مستفيدين من التعاطف الذي يلقونه مع قضيتهم على المستوى الشعبي نظراً للحساسية العالية التي تلقاها هذه القضية، والتي تمس الكرامة الانسانية لآلاف العائلات الفلسطينية التي تضررت من قرارات الفصل، خاصة أن أي من المدرسين لم يتم ادانته بأي تهم جنائية، ولم توجه لهم من قبل أية اجراءات سلوكية تتعلق بواجباتهم المهنية استدعت فصلهم من وظائفهم.

قرارات فصل المدرسين من عملهم أصبحت الآن لا تستند الى أي تبريرات ساسية بعد أن تراجعت الحكومة الفلسطينية بتاريخ 24 نيسان الماضي عن قرارها بإالغاء ما كان يعرف بالسلامة الأمنية عند تقلد الوظائف الحكومية، وهي توصية كانت تصدرها الأجهزة الامنية تعتمد فيها على الشبهات وليس على حكم قضائي، وبناء عليه يحدد مصير الموظف العمومي، اما أن يبقى في عمله أو يعود الى منزله مكسور الجناحين. فقرار الحكومة المذكور، كان قرار جريئاً، حسب لصالح حكومة الدكتور سلام فياض، وزاد في شعبيتها، وشكل على المستويين المحلي والدولي مادة للاشادة في أداء الحكومة فيما يتعلق باحترام حقوق الانسان، ومع ذلك أقول أن القرار ورغم قيمته العليا ما زال قراراً منقوصاً، ولا بد للحكومة الحالية أن تتخذ قرارات لإستكماله.

قرار الحكومة المذكور كان يجب أن يبنى على ثلاث خطوات مترابطة ومتتابعة، الغاء شرط السلامة الأمنية، وضمان عودة من فصلوا الى وظائفهم، ووضع آلية لتعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم خلال سنوات الفصل من الوظيفة العمومية.

الحكومة تتحمل مسؤولية قانونية واخلاقية تجاه قضية المدرسين، بغض النظر عن المبررات السياسية التي دفعتها لإتخاذ القرار، وكان سببها الآساسي سيطرة حماس على قطاع غزة، وما لحقه من انقسام طال عمره عن خمس سنوات ألحق بالفلسطينيين بمجملهم ضراً ليس بالامكان إزالة آثاره على مدار السنوات الخمس القادمة.

اعتقد أن الحكومة الحالية قادرة على اتخاذ الخطوة الثانية فيما يتعلق بالمدرسين، وهي ضمان عودتهم الى عملهم، فنحن على ابواب عام دراسي جديد، ولدينا شواغر وظيفية جديدة، من بينها شواغر للمدرسين، لذا بامكان الحكومة الفلسطينية أن تتخذ قراراً جريئاً يقضي بعودة المدرسين الى عملهم فوراً، وأن تترك مسألة تعويضهم عن السنوات التي فصلوا فيها عن العمل لقرار لجان الانصاف والمصالحة أو للقضاء، على اعتبار أن هذه الجهات بامكانها أن تقرر الحقوق المترتبة لكل ضحايا الانقسام ومن ضمنهم المدرسين المفصولين، وتحدد آليات التعويض وفقاً لموازنة تحدد بهذا الشأن وتضاف الى الموازنة العامة العادية.

لا شك أن اتخاذ الحكومة لقرار عودة المدرسين الى عملهم قد يكون أهم قرار تتخذه الحكومة الحالية، وستكون نقطة ايجابية تسجل لصالح الحكومة ورئيسها، رغم أن حكومة رئيس الوزراء نفسه هي التي اتخذت قبل خمس سنوات قراراً بفصل المدرسين، وكان ذلك ضمن مبررات سياسية فرضها واقع الانقسام، فهي الآن تتخذ قراراً نقيضاً لذلك القرار ومبرره انجاح المصالحة الوطنية، واتخاذ مثل هذه الخطوة عمل سيحظى بلا شك بتقدير المجتمع الفلسطيني بكافة مشاربه، فالمدرسون بصفة عامة فئة تحظى بإحترام الناس، ولا يجوز أن نحملهم مسؤولية أخطاء الساسة، وعليهم بالمقابل أن يكونو بخدمة العلم وليس بخدمة الساسة.

لا شك أن عدم اتخاذ الحكومة الحالية لهذا القرار لا يعفي سيادة الرئيس من القرار، وهو بذاته يفعل كل ما يمكنه عمله من أجل إرساء قواعد المصالحة، الحكومة الحالية وفقاً للقانون هي حكومته، وما ينجم عنها من قرارات تحسب لصالحه، وقد تكون الحكومة بالفعل بحاجة الى اسناده لاغلاق هذا الملف، بإمكانه أن يفعل ذلك مع الحكومة الحالية، وبإمكانه أن يجعل ذلك أول قرارات حكومة المصالحة القادمة، مع تأكيدي في هذا الشأن على ان اتخاذه لهذا القرار في هذا الوقت سيكون محل ترحيب من الجميع.

من جانب آخر قضية المدرسين معروضة أمام القضاء الفلسطيني منذ سنوات، والكل ينتظر قرار القضاء بفارغ الصبر، الكل يعلم صعوبة القضية، فهي قضية حق وعدالة من جهة وقضية قانون من جهة أخرى، مبادئ الحق والعدالة قد تكون كما يرى الكثيرون لصالح المدرسين، أما قواعد القانون فقد تكون معهم وقد لا تكون معهم، وهذا أمر يقرره القضاة وحدهم دون غيرهم.

الصعوبات التي تواجه جسم القضاء في هذه القضية كبيرة ومعقدة، فقد أصبحت قضية رأي عام، في وقت يتطلب فيه من القضاء قراراً مستقلاً غير متأثر بأية ضغوطات حتى لو كانت ضغوطات الرأي العام، الجمهور في هذه المرة غير محايد، ولا ينظر الى قرار القضاء من حيث صحة أو عدم صحة الاجراءات الحكومية في فصل المدرسين، بل ينظر بإتجاه واحد، فهو فقط ينتظر قراراً يقضي بعودة المدرسين الى وظيفتهم العمومية بغض النظر عن صحة أو عدم صحة اجراءات فصلهم قانوناَ، وينتظر أن تصدر الهيئة العامة للقضاة قراراً ترسم فيه مبادئ قانونية جديدة تتعدى فيه نصوص قواعد القانون لتستنبط روحه بإعتباره خادماً لتحيق العدالة.

إن أخطر ما في هذه القضية ليس قرار المحكمة بحد ذاته، إن كان يقبل بالطعن أو يرده، بل هو أثر هذا القرار على ثقة الجمهور بالقضاء، اما أن ترتفع هذه الثقة الى حد السماء أو أن تنخفض الى سابع أرض، ثقة مبنية على الحكم باتجاه واحد، وليس بإتجاهين كما هو الحال السليم، ثقة غير مبنية على صحة الاجراءات من عدمها، بل ثقة مبنية على القرار ذاته.

قد تكون هذه التعقيدات مبرراً لتفهم تأخر بت القضاء في هذه القضية حتى الآن، فالقضية ليست عادية، قضية قانونية وسياسية واخلاقية، والقضاء يأخذ عادة بالقانون ولا يأخذ بالسياسة ومصالحها، ومع ذلك وبغض النظر عن الحكم الذي سيقرره القضاءً، علينا جميعاً سواء كنا سلطات رسمية أو مؤسسات مجتمع مدني أو حتى جمهور أن نساعد القضاء على عبور هذه المرحلة بأمان وحياد واستقلال دون تأثير أو ضغط لا بإتجاه رد الطعن كما تود بعض الدوائر ولا باتجاه قبول الطعن كما تود دوائر أخرى، فقرار القضاء مهما كان حين يتم بحيادية واستقلال هو قرار بمصلحة المجتمع، وغير ذلك مهما كان هو ليس بمصلحة المجتمع.

نقطة ليست ذات علاقة مباشرة بالموضوع، لكني أود أن أوردها في هذا المقام، فأحد الأصدقاء حدثني كيف اتخذت المحكمة الدستورية الأمريكية قراراً في قضية عرضت أمامها، وقالت المحكمة رغم علمنا بأن قواعد القانون تقضي بأن نحكم بهذا الاتجاه، لكن وفي هذه المرة وعلى وجه الخصوص، وبعكس ما تنص عليه قواعد القانون، ما دام هنالك مصلحة عليا للبلد لا تتلقي وما نص عليه قواعد القانون قررنا وعن وعي أن نحكم بما يخدم المصلحة العليا وليس قواعد القانون، وكان قرارها مبدأً قانونياً درسته من بعد الجامعات.

في النهاية لا يهم كيف يمكننا أن ننصف المدرسين؟ ومن هي الجهة التي ستتخذ القرار؟ هل هو سيادة الرئيس محمود عباس؟ أم حكومة الدكتور سلام فياض الحالية؟ أم حكومة المصالحة المتوقعة؟ أم أن القضاء هو الذي سيبت في هذه القضية؟ لكن بكل الاحوال على النظام السياسي ككل أن يعمل على انصاف المدرسين المفصولين، وأن يغلق ملفهم، فخمس سنوات كافية لطوي هذا الملف دون أن تلقى تبعاته في حجر جهة واحدة دون أخرى، فعلى الكل أن يتعاون في اغلاق هذا الملف.

اعلامي مختص في شؤون العدالة

Majed.arouri@googlemail.com

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required