مفتاح
2024 . الأربعاء 3 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

لا يكترث واحدنا، بما يثرثر به أفيغدور ليبرمان، وإن كان صوت المخبول، في كل جَمْـع، يُفصح عن المسكوت عنه، في لغة الأسوياء، وبالتالي فإن هناك توظيفاً ماكراً من حكومة المستوطنين، لطابع التزّيد والتحلل من الضوابط، الذي عُرف به هذا المعتوه!

ليبرمان، حديث العهد نسبياً، بالاستيطان في البلاد (1978). وصل الى فلسطين، بعد بضعة أشهر من صعود 'الليكود' الى الحكم، وترعرع في بيئة التطرف، وهو في طباعه المتأصلة منذ حداثة السن، يعبر عن أوهامه بالتشكي المبُالغ فيه. بالتالي ربما يكون هو اليهودي الوحيد، الذي لم يتردد في الزعم بأن جامعة كييف في أوكرانيا، رفضت إلحاقه بكلية الحقوق لكونه يهودياً، علماً بأن هكذا رفض، ليس وارداً ولا حقيقياً ولا طبيعياً في أوكرانيا. وكان واضحاً، من خلال اختياره لتخصص الدراسة البديلة، في معهد زراعي متوسط في كيشناو عاصمة مالدوفا، أنه لم يكن ميالاً الى الحقوق أصلاً. لكن الصبي الذي كانه، شبّ حاقداً يفتش عن متنفس لمشاعر كريهة. ولعل سبب ذلك، كان الشرخ النفسي الذي أوقعه فيه أمر لا علاقة لنا به ولا ذنباً، وهو نفي السلطة السوفياتية الستالينية لأبيه 'لفوفيتش' الى سيبيريا، لسبع سنوات، بعد أن كان يخدم في 'الجيش الأحمر'. ففي لُجة ذلك الاضطراب الأسري، بدّل الصبي اسمه من 'إيفيت' الى 'أفيغدور' بعد وصوله مستوطناً في بلادنا، ضمن مشروع دولة إسرائيل الذي قام وغَلب وفتح خطوطاً على العالم العربي.

بالطبع التحق بـ 'الكيبوتس' ثم بالجيش فور وصوله، وكان في سلاح المدفعية برتبة عريف. غير أنه سرعان ما خلع من الجيش ليلتحق بالجامعة، بعدما أدرك أنه في دولة يطفو فيها على سطح الحياة السياسية، كل من يتجرأ على المجاهرة بأحقاد عنصرية استثنائية في لغتها. ذهب الى الجامعة العبرية، ليدرس العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وكأن هذه الأخيرة، تجتذب مخبولين لتخريب أية علاقات وفي أي اتجاه. ولم يكن غريباً أن ينضم فوراً الى أشد المجموعات الطلابية تطرفاً، وهي 'كاستيل' التابعة لتكتل 'الليكود' الأكثر تطرفاً. وفي وقت دراسته وبوجوده في حرم الجامعة؛ اشتعلت الصدامات الطلابية مع الشباب الفلسطينيين، ونقلت صحيفة 'معاريف' عن طالب عايش فترة ليبرمان في الجامعة، أنه رأى هذا المخلوق بأم عينه، على رأس ثلاثة شجارات كبرى عنيفة، مع الطلبة العرب، بل إنه اشتبك بالأيدي تحديداً، مع جمال زحالقة، الذي يترأس الآن الحزب الذي أسسه د. عزمي بشارة. وجمال، من جانبه، يقول ما معناه، إن هذا المهووس، كان يتفلّت ويصرخ ويحرّض، ولكن عندما تأتي لحظة الطحن أو التكاسر، يفلت بجلده كشخص رعديد تافه!

صحيفة 'هآرتس' كان لديها اكتشاف آخر، وهو أن ليبرمان التحق خفية، بعد وصوله الى البلاد، بجماعة 'كاخ' التي أسسها الحاخام سيء الذكر مئير كاهانا. لكن ليبرمان أنكر هذا الانتساب للجماعة الإرهابية، التي شهد اثنان من نشطائها (أفيغدور إسكين ويوسيف دايان) على أن ليبرمان كان عضواً فيها لفترة قصيرة. فالمعتوه 'حَلَقَ' لجماعة 'كاخ' بعد أن تقرر حظرها ومنعها من المشاركة في الانتخابات، فيما هو يتطلع الى الصعود السياسي.

كان في صباه المالدوفي، يعمل قبضاياً إحدى أحد حانات كيشناو. ومن المفارقات، أنه عُرف في الجامعة كناشط لاصطياد مهام العمل الجزئي جيّد الدخل. وقد أسعفه تسيحي هنغبي، أحد رؤساء الجسم الطلابي آنذاك، والوزير فيما بعد لعدة وزارات لا يجمع بينها إلا منطق حكومات إسرائيل دون سواها (الأمن الداخلي، والعدل، والمخابرات مع الشؤون النووية). فقد منحه هنغبي وظيفة شبيّح أو شيخ غفر، في نادي الطلبة. وسرعان ما تحول الى مسؤول الأنشطة في النادي. وعندما أصبح عاملاً، دخل على الخط النقابي عبر 'الهستدروت'. ثم لأن الطيور على أشكالها تقع، انضم الى حلقة نتنياهو منذ العام 1988، ولما صعد الأخير مع 'الليكود' الى رئاسة الوزراء في المرة الأولى (1996) كان اختياره لأفيغدور ليبرمان، كمدير عام لديوان رئيس الوزراء؛ يدل على وجهته السياسية التي ما زلنا بصدد انسدادها وعنجهيتها!

مرت مواقف كثيرة، زاود فيها ليبرمان على رؤسائه. فقد استقال من عمله مع نتنياهو، بذريعة ما سماه التنازلات في مباحثات 'واي ريفر' وإعادة الانتشار الجزئي في الخليل. وظل هذا دأب ليبرمان وهذه عدة النَصْبْ، وردد مراراً:'إنني مثير للجدال، لأنني أقدم أفكاراً جديدة. وكوني مثيراً للجدال، فهذا أمر إيجابي'. ظل يهجم على أعضاء 'الكنيست' من العرب، باعتبارهم 'متعاونين مع الإرهاب'. أما عن السلطة الفلسطينية، فقد قال مبكراً ومن العام 2002 : 'لو كان الأمر بيدي، لأبلغت السلطة الفلسطينية، أن عليها في الساعة العاشرة من صبيحة اليوم التالي، انتظار تفجير كل أماكنها ومراكز عملها وأعمالها في رام الله'. ورد عليه يومها شمعون بيرس، الذي كان وزيراً للخارجية، بطريقة سخيفة، إذ قال معللاً الامتناع عن التفجير الشامل قائلاً:'إن الاستخدام المفرط للقوة، وبهذا المعدل، يمكن أن يعرضنا لاتهامات بارتكاب جرائم حرب، لذا فإن علينا أن لا نُصعّد الى هذا الحد'!

وعندما اعتقلت سلطات الاحتلال 350 مدنياً في أسبوع واحد، تهلل فرحاً وعلّق قائلاً: 'سيكون من الأفضل إغراق هؤلاء في البحر الميت، لأنه أكثر النقاط انخفاضاً في العالم'. واثناء الحرب الإجرامية على غزة، دعا المعتوه الى الاستمرار في القصف والاجتياح 'تماماً مثلما فعلت أمريكا مع اليابان في الحرب العالمية الثانية'.

هو الذي دعا، في العام 1998 الى قصف السد العالي بسبب ما سماه دعم مصر لياسر عرفات (مصر في عهد مبارك، وما أدرانا ماذا يُضمر من قصف في عهد مرسي). ولما هاجم الرئيس مبارك، داعياً الى ذهابه الى الجحيم، ثم بادر شمعون بيرس وإيهود أولمرت، الى الاعتذار للرئيس المصري السابق؛ تطاول وهو المستوطن الجديد، على الاثنين العتاقي، بيرس وأولمرت، قائلاً إن الواحد منهما يتصرف كالمرأة المكسورة الخاطر!

ومثلما هم المزاودون دائما، فاسدون فائحون، يغطون على عفونتهم بطروحات قصوى؛ كان ليبرمان وما يزال فاسداً بامتياز، وبمنطق 'قبضاي' يستعصي على الحبس بضمانات سلطوية. اكتشفت الشرطة الإسرائيلية بعض وقائع فساده وحققت فيها مراراً ومطولاً. فبعد أن دخل 'الكنيست' تلقى ملايين الشواقل، من عدة مقاولين كرشوة، علما بأن قوانين الدولة الصهيونية لا تسمح للنائب بتلقي أموال، بخلاف راتبه من 'الكنيست'. كانت تلك هي البداية، ثم واجه اتهاماً معززاً بالقرائن، بأن المليونير اليهودي الأوزبكي، ميخائيل تشيرني، أعطاه عدة ملايين لتسهيل مشروعات صناعية، وسرعان ما تبع ذلك، أسس شركة قوية، باسم ابنته ميشيل، التي في سن العشرين، وقيل في أوساط الأعمال الإسرائيلية، أن هذه الشركة ذات مصادر تمويل مجهولة. وهناك مفارقة فساد معينة، تدلل على عنصر المزاودة، عند الرجل الفاقد لأية قناعات حقيقية، ارتسمت بعد ضبط قرائن، تشير الى أنه تلقى رشوة كبرى، من رجل الأعمال النمسوي اليهودي مارتن شلاف Martin Schlaff. مكمن المفارقة في الموضوع، هو أن شلاف هذا، يساري وكان صديق حكومة ألمانيا الديموقراطية (الشيوعية) حليفة العرب والثورة الفلسطينية، قبل توحيد ألمانيا. بل إن الرجل، كان وكيلاً لمؤسسة الصناعات العسكرية الألمانية الشرقية 'ستاسي'.

ومثلما يفعل الفاسدون عندما يدافعون عن أنفسهم، رد ليبرمان على كل الدعاوى بأنها مجرد مؤامرات ومكائد، تُحيكها شرطة الدولة التي جعلت منه رقماً وبوقاً. وعلى الرغم من ذلك، خضع في العام 2009 لوجبة تحقيق استمرت سبع ساعات على الأقل، بتهم فساد. بعدها قدم التماساً الى المحكمة للتعجيل في كل مرة يحققون فيها معه، أي إنه كان يطمح الى تأسيس آلية سلسة، لعمليات تحقيق يتوقعها!

في العام 2010 استدعوه مرة أخرى للتحقيق، وبعد عامين، أو بالأحرى في كانون الثاني (يناير) من هذه السنة، أصدر مكتب الإدعاء الإسرائيلي العام، قرار اتهام بحق ليبرمان، بالرشوة والتدليس وتبييض الأموال، وخيانة الأمانة وتضليل العدالة!

إن رجلاً بهذه المواصفات، من الطبيعي أن يجد نفسه في موقع من يقايض شيئاً بشيء: أن يلعب دور المهووس المتطرف، الذي ينطق بما لا يرغب الأسوياء في الإفصاح عنه، مقابل 'تمرير' القضايا الجنائية، وإحالتها الى نوم سريري، ربما تقوم بعده أو تموت!

كان بهلول، المخبول الأشهر في العصر العباسي، ينطق بالمسكوت عنه. فلما ضاق الكبار بالمواكب وبالحراسات المشددة أثناء مرور الولاة والحاكمين، أطلق بهلول بإيعاز من المترفقين به، مقولة أكثر حدة في ذكائها من مقولات الأسوياء: 'إن أول ما ظهر الظلم في أمتي، عندما قيل: تنحَّ عن الطريق'!

حكومة المستوطنين العنصرية 'تدفش' بهلولها، لكي ينطق بالمسكوت عنه، راغبة في أن يتنحى الرئيس الفلسطيني عن الطريق. هي أضمرت أمراً، ربما تظنه يسيراً، قياساً وتزامناً مع شؤون أخرى: القتل الدموي الشامل، بالجملة، في سوريا. الفتن المستشرية في المنطقة. التخوين الحمساوي لما يمثله الرجل المرجوّة تنحيته. محاولات سخيفة ويائسة، لشيطنة الهدف، من قبل صديق أولاد شارون وصديق عائلته وشريكها، الذي لا نعرف له اسماً معتمداً بصورة نهائية.

على الرغم من ذلك، فإننا لن نعود الى المفاوضات، إلا في حال توافر شرط صدقيتها وجديتها، وفي المقدمة منها وقف الاستيطان. وليضرب المهووسون المعتوهون رؤوسهم في ألف جدار. بل إن ما يفعلونه، هو حجة لأبي مازن، وليس ـ بالطبع ـ حجة عليه. ولدينا في الهند، مقولة بديعة للمهاتما غاندي، تصلح لكل من لم تتوافر لهم، منذ وقت مبكر، مقومات الكفاح المسلح الرابح، حتى باتوا لا يقتنعون به، لكنهم ظلوا عازمين مع شعبهم على الصمود والثبات على الموقف الوطني: ليس بمقدوري أن أعلمك العنف، لأنني أنا نفسي غير مقتنع به، ولكن باستطاعتي أن أعلمك ألا تحني رأسك أمام أي كان، حتى ولو دفعت حياتك ثمناً لذلك!

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required