مفتاح
2024 . الثلاثاء 2 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

تتردد في خطابات الفصائل كما في التحليل اليومي لمجريات الأحداث عبارة باتت 'كلاشيه' مسلماً به ترمي بوزر الانقسام على طرفين هما 'فتح' و'حماس' في اختصار غير مبرر لأصول الخلاف السياسي القائم وفي فهم دوافعه. فمن جهة فإن مثل هذه العبارة يساوي على الأقل في المسؤولية وفي التهمة في ذات الآن بين الحركتين، وهذه مغالطة لا يمكن الاستشهاد بصحتها في أي قراءة لوقائع الأحداث منذ دخول حماس الانتخابات البلدية في نهايات 2004 في الدورة الأولى مروراً بالانتخابات التشريعية وتفرد حماس بتشكيل الحكومة العاشرة ومن ثم الانقلاب العسكري الذي نفذته في غزة في حزيران 2007 وما رافقه من إراقة للدماء ودمار للمؤسسات وانتهاك للوحدة الوطنية وصولاً إلى ما آل إليه الوضع الفلسطيني الداخلي خاصة في غزة من اقتصاد ريعي مدمر قائم على مفاعيل خارج سيطرته مروراً بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وانتهاء بمصادرة الحريات السياسية التي ربما كان آخرها منع حفل الزفاف الجماعي التي كان من المزمع تنظيمه يوم الجمعة الماضي في شاليهات بحر غزة.

بالطبع، فإن الخلاف وقع مع حركة فتح، لأن فتح وليست الفصائل الأخرى هي من يمتلك القوة الجماهيرية الأكثر تعداداً في الشارع ولأنها وحتى حين خسرت الانتخابات التشريعية الثانية فإنها حافظت على أقلية كبرى في المجلس وكانت لها حصة كبرى في التمثيل بجانب أنها فازت في انتخابات رأس النظام السياسي الفلسطيني في السلطة المتمثلة بموقع الرئاسة عام 2005، والأهم من كل ذلك ربما أن فتح هي صاحبة الحضور الأقوى، لاعتبارات كثيرة، في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة الشعب الفلسطيني الحقيقية ووطنهم المعنوي ودولتهم الفعلية وحاملة لواء تحقيق حلمهم وهي صاحبة الولاية القانونية على السلطة الوطنية الفلسطينية وفق مقررات المجلس المركزي عام 1994. لكل ذلك من البديهي أن يكون خلاف حماس السلطوي مع فتح وليس مع أي تنظيم آخر. ففتح هي من أسست السلطة وحملت على عاتقها مع بعض فصائل منظمة التحرير بناء هذه السلطة وركزت كل جهدها التنظيمي والمالي والتعبوي على بناء مؤسسات السلطة التي ستصبح قادرة على التحول لدولة في الوقت المناسب. وكان كل ذلك على حساب بناء الحركة واستنهاضها، بل إن فتح دفعت فاتورة ذلك غالياً، إذ إن انشغال فتح بالسلطة ومحاولة تحويلها لدولة أعاق إعادة تفعيل التنظيم وتطويره. وعادة حينما يقرأ الفتحاويون تلك المرحلة يشعرون بلوم ولو قليل بأنهم أهملوا الحركة لصالح السلطة. والحقيقة ودون قياس الأمور بخواتمها رغم أهمية ذلك فإن بناء السلطة وجعلها كياناً تجسيدياً للدولة الفلسطينية المنشودة شكلا تتويجاً لواحد من أكبر غايات الشعب الفلسطيني ولو كان ذلك على 'الجزء المتاح من أرض الوطن' بعبارة الصديق الشاعر الكبير أحمد دحبور.

وعليه، وحين ترغب حماس في السيطرة على السلطة مع من كان عليها أن تختلف!!! مرة أخرى هذا لا يعني أن أحداً بريء تماماً. فدون أن يكون المرء وجودياً يمكن له أن يتفق مع ألبرت كامو بأن الإنسان ليس متهماً تماماً فهو لم يبدأ التاريخ لكنه ليس مذنباً تماماً فهو يكمله. قد يصيب فتح جزء من المسؤولية لجميع الاعتبارات التي ذكرتها سابقاً وقد تتحمل بعضاً من الأخطاء، وهي أخطاء دفعت فتح فاتورتها مبكراً قبل الانقسام حين خسرت الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006، لكن ليس من العدل مساواة هذه بأخطاء حماس. فرغم استخدام القوة فإن السلطة لم تذهب حد المواجهة المسلحة مع حماس ورغم كل إجراءات حماس فإن فتح ومنذ لحظات حكم حماس الأولى لم تتنازل عن خطابها الوحدوي وكانت ولم تزل تصر على ذلك ولم تعمل على مواجهة حماس بالعنف بل آمنت بالحوار والمصالحة ووضعتها ضمن إستراتيجياتها.

تكمن خطورة من يقولون بمصطلح 'طرفا الانقسام' بميل حقيقي نحو التحلل من مسؤولية مواجهة الحقيقة. ثمة تهرب كبير في الخطاب الفصائلي كما المجتمعي من مواجهة الحقيقة ومن الإقرار بأن ثمة مواجهة محتملة وهي مواجهة يتم التهرب منها. فعند الإقرار بالحقيقة فإن هناك حاجة لمجابهة الواقع النقيض لها. لذا فمن الأسهل بدلاً من ذلك رمي المسؤولية بالتساوي على الجميع واتهام الجميع، وبالتالي يتوزع دم الوحدة الوطنية بالتساوي بين القبيلتين الكبيرتين ويصح عندها لكل منتقد أن يكيل بالتساوي الشتائم والتهم. سيكولوجيا الهروب تلك حل أمثل لحالة الضعف المجتمعي العاجز عن المقاومة السلمية لحالة الانقسام ولتداعياته الحقيقية الخطرة على مستقبل الشعب والقضية.

إن مراجعة مرحلة تعثر الحوار الوطني تدلل بكثير من الشواهد على هذا المنطق. فعند وقف حماس عملية تسجيل الناخبين في غزة وبالتالي تعطيل المرحلة الأولى من قائمة الإجراءات المتعاقبة التي تم الاتفاق عليها في القاهرة تنفيذاً لاتفاق الدوحة فإن كل الخطاب العام تجاهل السبب والمسبب لحالة التعطيل وصار الحديث يدور عن دعوة طرفي الانقسام بدلاً من دعوة حماس على سبيل المثال. ويكاد ينتاب المرء شعور بأن الانقسام شيء وهمي هلامي لا يمكن لمسه ولا يمكن وضع اليد على جسده. فهو شيء غير موجود بل هو فكرة أو ربما كائن خرافي؛ لذا ليس من الحكمة الحديث عنه كأنه يشبه أشياء نعرفها بل من الأفضل الإشارة إليه بالرموز والإيحاءات. وستظل عبارة 'طرفا الانقسام' أبرز تلك الرموز فهي تعفي من يقولها من مهمة المواجهة مع طرف. ثمة أوقات تحتم علينا الأخلاق ألا نكون محايدين لأن هذا الحياد هو مساهمة في الكارثة التي تجري حولنا. ومحاولة التبرير بضرورة الحياد ليست إلا إقرارا بالعجز والخوف وربما الجبن السياسي وهو مساهمة في تعميق الانقسام واستدامته. فمرة أخرى لا يوجد أحد بريء تماماً من دماء الوحدة الوطنية المراقة في دهاليز الانقسام، بمن فيهم كاتب هذه السطور وقارئها، وكلّ يتحمل مسؤولية في ذلك، ويقع على الجميع أن يقر بمسؤوليته ويعمل على تحملها.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required