مفتاح
2024 . الثلاثاء 2 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

في الخامس والعشرين من الشهر الحالي سيقوم الرئيس محمد مرسي بإلقاء خطاب مصر في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة. يكتسب الخطاب أهميته الاستثنائية من ثلاث قضايا: الأولى هي أن الخطاب سيحدد الملامح العامة للسياسة الخارجية المصرية لحقبة ما بعد الثورة. والثانية أن الخطاب سيصدر عن أول رئيس عربي منتخب بشكل ديمقراطي. والثالثة أن الخطاب سيصدر عن أول رئيس إسلامي وسيكشف عن فهم الإسلاميين وشكل تعاملهم المتوقع مع العديد من الملفات الدولية الشائكة. لذلك سيكون هذا الخطاب موضع ترقب وتدقيق وتحليل من كافة وسائل الإعلام العربية والعالمية ومراكز الأبحاث الغربية.

لهذا، سيكون من الضروري أن يكون الخطاب واضحاً في الرؤية وفي الآليات التي ستطرح لحل المشاكل الدولية. وقد يكون من المفيد أن يقتصر الخطاب على عدد محدود من القضايا المركزية التي تهم السياسة المصرية والعربية، وأن يبتعد عن طرح قضايا لا أفق لها من نوع إعطاء دول القارة الأفريقية مقعداً دائم العضوية في مجلس الأمن الدولي.

وفي هذا الإطار، فإن تقديم مسألة الصراع العربي الإسرائيلي والشق الفلسطيني منه على وجه التحديد، على غيرها من القضايا، المسألتين السورية والإيرانية تحديداً، سيكون له الأثر الكبير في إعادة هذه القضية لصدارة الأحداث، بعد أن جرى تهميشها دولياً بفعل انسحاب الولايات المتحدة من عملية السلام بعد فشل إدارة الرئيس أوباما في إقناع إسرائيل بالالتزام بوقف الاستيطان، وما تبع ذلك من رفض فلسطيني للعودة لمفاوضات توفر غطاءً لعملية الاستيلاء على ما تبقى من الأرض الفلسطينية. ويقيناً أيضاً بأن القضية الفلسطينية قد تراجعت مؤقتاً بفعل الربيع العربي حيث انكفأت جميع الدول التي حدث فيها حراك شعبي على الذات بفعل السعي لضمان مسار آمن لعملية الانتقال الديمقراطي في مواجهة مؤسسات الأنظمة القديمة. الآن دخلت مصر مرحلة استعادة الذات بعد أن حسمت مسألة ازدواجية السلطة لصالح الرئيس المنتخب، ولم يعد هنالك سبب أو حجة تمنع السلطة المنتخبة من إعلان سياستها، والتي من المفترض أن تكون واضحة المعالم وخالية من الغموض والعموميات التي تحتمل أكثر من تفسير.

سيكون مفيداً لمصر، كما لفلسطين، أن يعيد الرئيس مرسي تأكيده على جملة من الثوابت في السياسة الخارجية تجاه فلسطين. في مقدمتها دعم مصر لقيام دولة فلسطينية على خطوط الهدنة ما قبل حرب حزيران 1967 وأن هذه الدولة لن تكون مقبولة عربياً بدون القدس عاصمة لها.. وأن قضية اللاجئين يجب أن تحل في إطار القانون الدولي.. وأن وقف الاستيطان هو شرط ضروري لتحقيق السلام. هذه المحددات الواضحة تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ضرورية لجميع الأطراف المهتمة بقضية السلام في الشرق الأوسط حتى يعلم الجميع أين تقف مصر الجديدة من هذه القضية التي تشغل العالم.

لكن الأهم من ذلك بكثير هو أن يعلن الرئيس المصري عن مبادرة تجاه القضية الفلسطينية باتجاهين: الاتجاه الأول متعلق برفضه للحصار الإسرائيلي على غزة لتعارضه مع القانون الدولي، وأن يتبع ذلك بالتأكيد على نية مصر فتح معبر رفح للبضائع والأفراد انسجاماً مع القانون الدولي ومع رغبة الشعب المصري بإنهاء الحصار. غزة محاصرة بقرار إسرائيلي، ومجلس الأمن الدولي لم يصدر قراراً بذلك ولم يصادق على قرار إسرائيل بالحصار، وإسرائيل نجحت فيه بفعل تواطؤ نظام مبارك معها. لذلك عندما يعلن الرئيس مرسي نيته فتح المعبر بشكل دائم ومن الأمم المتحدة نفسها، فإنه بذلك يؤكد احترامه للقانون الدولي الإنساني الذي ترعاه المؤسسة الأممية، ويؤكد في الوقت نفسه، أن مصر الثورة لا يمكنها أن تكون شريكاً في حصار وتجويع شعب شقيق. لن يعترض أحد على ذلك لأن هذا قرار سيادي مصري خصوصاً إذا ما تم التأكيد على أن المعبر لن يكون ممراً لتزويد "حماس" بالسلاح، وأن الغاية من فتحه هي إنهاء الحصار الاقتصادي والإنساني لغزة وإغلاق ملف الأنفاق الذي يهدد الأمن المصري.

الاتجاه الثاني متعلق بمبادرة متكاملة لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي والشق الفلسطيني منه على وجه الخصوص. الرئيس مرسي عليه أن لا يضرب في الرمل بحثاً عن مبادرات جديدة وكل ما عليه القيام به هو أن يؤكد استعداد بلاده للتعاون مع الرباعية الدولية لتحقيق سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط إذا ما قبلت إسرائيل المبادرة العربية للسلام وهي مبادرة مطروحة على إسرائيل منذ العام 2002. وبإمكانه بالطبع أن يضيف أن بلاده على استعداد لرعاية مفاوضات السلام إذا ما قبلت إسرائيل بهذه المبادرة. بإمكان الرئيس المصري أن يؤكد أن جديد مبادرته ليس في مضمونها، لأنها موجودة أمام إسرائيل والعالم منذ عشر سنوات.. لكن جديدها في أن من يقدمها اليوم للعالم هو رئيس منتخب من شعبه، وأن السلام الذي يسعى له هو سلام قائم على احترام شعوب المنطقة لبعضها ولمصالحها.

قناعتنا بأن إسرائيل سترفض خطاب الرئيس مرسي وفي أفضل الأحوال ستمارس سياسة التشكيك والابتزاز من نوع لماذا لا يزور الكنيست الإسرائيلي ليقول ما قاله في الأمم المتحدة!

على أية حال، أهمية خطاب ومبادرة كهذه متعددة. أولها أنها تعزز ثقة العالم بالنظام المصري الجديد حيث يشكل الالتزام والسعي لتحقيق "سلام" على الجبهة الفلسطينية-الإسرائيلية أحد ركائز السياسات الغربية في المنطقة.. ما يهم مصر والفلسطينيين بالطبع أن يكون هذا السلام "عادلاً" وأن يلبي الحد الأدنى المتفق عربياً عليه في مبادرتهم. وثانيهما أن مبادرة كهذه ستدفع الولايات المتحدة والدول الغربية لممارسة نوع من الضغوط على إسرائيل لإعلان قبولها بالمبادرة لأن المقابل ليس سلاماً "بارداً" بين إسرائيل وأنظمة مستبدة وإنما سلام دافئ بين إسرائيل وشعوب المنطقة. وثالثهما أن خطاباً كهذا يخرج القضية الفلسطينية من حالة الجمود التي تعيشها ويعيد لها مكانتها في السياسات الدولية، ويفتح لها آفاقاً جديدة.

الإسلاميون قطعوا شوطاً كبيراً في التحول الفكري ولن يعدموا المخارج "الشرعية" للترويج للمبادرة العربية للسلام. الإسلاميون وجدوا "المخارج" لاحترام الاتفاقيات ولقبول النظام الديمقراطي والانتخابات ووجدوا "مخارج فقهية" لقرض صندوق النقد الدولي، وبإمكانهم إن أرادوا، أن يجدوا المخارج الشرعية التي تجيز لهم طرح المبادرات التي تمكنهم من التعايش مع النظام الدولي وأن يستفيدوا من ذلك لمساعدة الشعب الفلسطيني.

إن أسوأ ما قد يقوم به الرئيس المصري هو أن يتحدث عن القضية الفلسطينية بغموض، أو أن يتحدث عنها كأحد القضايا التي تهم المنطقة بدلاً من أن يظهرها كجوهر للصراع وانعدام للاستقرار في المنطقة، أو أن يتحدث عنها بلغة الإسلاميين الخشبية القديمة.. جميع هذه الحالات ضارة لمصر وفلسطين على حد سواء. الغموض سيعزز الشكوك بتوجهات الإسلاميين ما بعد وصولهم للحكم، وإهمال القضية الفلسطينية بجعلها كغيرها من القضايا التي تشغل أجندة الرئيس مرسي، مثلما حدث في إيران، سيعطي إسرائيل الانطباع بأنها قادرة على فعل ما تشاء بالأراضي التي تحتلها، وسيعزز من إهمال العالم للقضية الفلسطينية، والتحدث عن الصراع باللغة الإسلامية القديمة، سيحدث رد فعل معاكساً لما تريده مصر والفلسطينيون، وفي مقدمته تصديق العالم للرواية الإسرائيلية عن نية العرب والمسلمين القضاء عليهم.

خطاب الرئيس مرسي سيكون بحق مركز اهتمام العالم في القمة السابعة والستين للأمم المتحدة، وهي فرصة تاريخية لأن توضح القيادة المصرية الجديدة معالم ومحددات سياستها الخارجية الجديدة للعالم.. وهي فرصة تاريخية أكبر للفلسطينيين إذا ما تضمن الخطاب إنهاء حصار غزة بإعلان فتح معبر رفح بشكل دائم ومطالبة لإسرائيل بقبول المبادرة العربية للسلام كشرط لدعم المفاوضات وتعزيز السلام بين شعوب المنطقة.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required