مفتاح
2024 . الثلاثاء 2 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

لم يُعن الكثيرون، في الجانب العربي الخامل، بتقصي الإجابة عن سؤال ينبغي أن يكون مطروحاً: لماذا كل هذا الاستنفار، في أوساط اليمين الصهيوني العنصري، ضد المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة، لمجرد نيل صفة الدولة غير العضو؟ وقبل أن نضع مقاربة مختصرة للجواب، ننوّه باستنكار، الى التجاوب الأميركي لدواعي هذا الاستنفار، والى هبوط المستوى الأخلاقي للسياسة الأميركية وضعف الإدارة، وبخاصة في لُجة السباق الانتخابي، حيال طروحات اليمين العنصري الصهيوني، على الرغم من كون هذه الطروحات، تهدم كل ما حاولت الإدارات السابقة أن تبنيه، أثناء عملية التسوية التي انهارت!

بروفيسور علم الاجتماع السياسي ـ الاقتصادي، ليف غرينبرغ Lev Grinberg أجاب مبكراً عن السؤال المتعلق بأسباب الاستنفار، في كتابه المهم: Imagined Peace «سلامٌ مُتَخيَّل» الذي أصدره المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» وترجمه ببراعة الأستاذ جواد سليمان الجعبري، ويقع في ستمئة صفحة، لا يمل المعنيون بالموضوع من قراءتها دون انقطاع!

بالطبع، ليس في مقدورنا في هذه المساحة، تلخيص الإجابة الضافية والمتشعبة، التي قدمها الباحث الذكي القادم حديثاً من الأرجنتين الى إسرائيل، ضمن الهجرة اليهودية الأولى من أميركا اللاتينينة (1972). لكن ما يمكن اختزاله، هو أن القوى المعادية للعملية السلمية، والغارقة في أساطير ليست في حاجة الى منطق أو الى براهين واقعية؛ لن تجد طريقاً لمسلكها سوى شطب الحيّز السياسي الفلسطيني، وإنعاش فكرة الخطر الوجودي، والإجهاز التام على عملية التسوية مستأنسة بفائض القوة المتوافر لإسرائيل. في هذا السياق، يكون الوصف المُراد للأراضي المحتلة ـ وفق المنطق الأسطوري ـ بأنها ساحة صراع من أجل نجاة الإسرائيلي من الخطر، هو الوسيلة التعبيرية الأهم، لطمس الحقيقة الضاغطة، وهي أن إسرائيل غير ديمقراطية في احتلالها لأراضي شعب آخر، وتفتقر الى الأساس القانوني، ومفروضة بالقوة على سكان لا يرغبون فيها. وهؤلاء المتطرفون الذين يحكمون، ما زالوا ـ حسب كلام سابق لباحث الاجتماع غرينبرغ ـ ليس لديهم إلا العنف لإغلاق الحيّزات السياسية، حتى المتعلقة بالجمهور الإسرائيلي نفسه، فضلاً عن الشعب الفلسطيني، لأن هذا العنف يخلق الخوف ويفاقم العداء والكراهية وكل العوامل المميزة للسياسة العنصرية. وفي سياقات هذا المنطق، يُسدل الستار، بشفاعة الخطر الخارجي، على نقاشات البرامج الاجتماعية ـ الاقتصادية في إسرائيل نفسها!

إن هؤلاء بزعامة نتنياهو، يسعون الى شطب التوقعات والأمنيات الوطنية الفلسطينية من التسوية. فقد كان رابين، جاهزاً لعمل كل ما من شأنه إنجاح العملية السلمية، طالما أنها تضمن لإسرائيل، شطب الأمنية الفلسطينية في حق العودة. أما هؤلاء، الذين خرج من بين أوساطهم قاتل رابين؛ فإنهم يريدون الهبوط بمشروع التسوية، الى وضعية الدولة الفلسطينية الراضخة تحت الوصاية، على غرار «دولة» بورتوريكو، ذات الأربعة ملايين نسمة، في شمالي البحر الكاريبي، الواقعة تحت الوصاية الأميركية!

لقد جنت إسرائيل، من العملية السلمية، كل الأرباح التي توقعتها، وأورثتنا الخسائر والآلام والحصار. واليوم يريدون جعل الضفة وغزة، مناطق اشتباك يومي لتعزيز أسطورة الخطر الوجودي، فيما موازين القوى، تجعل السياق في الاتجاه الذي يريدون. وفي تلك العملية السلمية المنهارة، كما نستنتج من مطولات الباحث الإسرائيلي، كانت العلاقة بيننا وبين إسرائيل، تدور في رحى ثلاث دوائر متداخلة: الدائرة الداخلية الإسرائيلية، والدائرة الداخلية الفلسطينية، ودائرة وسطى تمثلها العلاقة بين الطرفين. وطالما أن في وسع الأوساط الحاكمة في إسرائيل جعل كل من هذه الدوائر، تنفتح أو أن تنغلق، وبالتالي أن تؤدي إما الى التقدم نحو حل النزاع أو الى إحباط هذا الحل؛ فإن خيار القوى العنصرية المتطرفة التي تحكم، هو إغلاق الحيّزات الثلاثة: الأول بإشغاله بهواجس الخطر الوجودي، والثاني بجره الى مواجهات مأمونة العواقب بالنسبة لهم بسبب فائض القوة، والثالث بالتحايل والخداع وإيهام الأطراف الدولية بأنهم يرغبون في الحل!

* * *

انتفاضة 87 الفلسطينية الطويلة، نجحت تلقائياً في تأطير يضاهي الترسيم، للحدود التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية، وأنهت عملية طمس الحدود الناتجة عن احتلال 67. واليمين الصهيوني العنصري المتطرف، دفع في اتجاه إجراءات أحادية، مفرطة في عنفها وفي اعتمادها على القوة الفائضة، لإفراغ المكتسب الفلسطيني في انتفاضة 87 من مضامينة، وإعادة طمس الحدود الحقيقية لأراضي 67 بطريقة التلاعب في خطوطها ومساراتها (الجدار توطئة للانفصال) والتواجد الاستيطاني المكثف في قلبها. غير أن المسعى الفلسطيني للتواجد في الأمم المتحدة، لتكريس واقع الدولة الخاضعة للاحتلال، والمعلومة حدودها؛ يعكس التوجه الفلسطيني لتخليق وعي سياسي جديد، وآليات نضال وطني مستجدة، ومعادلة للنزاع تقوم على فرضية واقعية، وهي أن عملية «أوسلو» السلمية فشلت، لكن الحيّز السياسي الجغرافي الفلسطيني قائم، وأننا موجودون في دولة محتلة، تُشن عليها الحرب، ولا تشن حرباً على طرف فائض القوة، وهذه هي المعادلة المتاحة، لإضعاف إسرائيل سياسياً، وإتاحة حيّز سياسي للنقاش الاجتماعي الاقتصادي للإسرائيليين أنفسهم، وهذا ما أوجب بالنسبة لهم الاستنفار المضاد!

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required