مفتاح
2024 . الإثنين 1 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

نحن اليوم، في المحطة التاريخية الكبرى والفارقة رقم 3 في تجربتنا مع الأمم المتحدة. المحطتان الثانية والثالثة (وهذه الأخيرة هي المستحقة اليوم مساءً بتوقيتنا) كانتا استدراكيتيْن وإيجابيتين، إن لم نقل سعيدتين. أما الأولى، التي نستذكرها في هذه اللحظة، ونخصص لها هذه السطور؛ فلم تكن إلا خاتمة مشؤومة لتنصّل البريطانيين من مسؤولياتهم، وبدء المفاعيل العملية للانحياز الأميركي للصهيونية، برفع مستوى مسألة اليهود في فلسطين، من وضعية تتعلق بأقلية دينية تجمعت من مهاجرين جدد، وباتت ضالعة في قضية محلية في بلادنا؛ الى طرف في نزاع دولي، تنحاز لها القوى الإمبريالية المتنفذة !

* * *

كان البريطانيون قد أخفقوا على مدار أكثر من شهر (منذ 7 شباط 1938 حتى 16 آذار من العام نفسه) في وساطتهم بين وفدين، عربي فلسطيني، ويهودي صهيوني، للتوصل الى اتفاق حول شكل استقلال فلسطين. حدث ذلك في "مؤتمر لندن" الذي عُقد في قصر سان جيمس في العاصمة البريطانية، في صالتين منفصلتين. وخلاصة المؤتمر، أن البريطانيين استجمعوا كل حيثيات تجاربهم منذ العام 1917 فقدموا في 24 شباط مشروعاً مراوغاً لاستقلال فلسطين، لم يخلُ من نقاط واقعية وإيجابية، جعلت الوفد الفلسطيني يتقبله من حيث المبدأ، معترضاً على التسويف في تحديد أوقات التنفيذ، وعلى عدم تحديد الفترة الانتقالية المطلوبة قبل إنهاء الانتداب، وإعلان استقلال فلسطين، الأمر الذي يتيح للحركة الصهيونية الوقت الكافي للضغط على الحكومة البريطانية لكي تتخلى عن مشروعها.

عاد البريطانيون في 15 آيار (مايو) 1938 الى طرح مشروع مكدونالد الثاني، الذي حمل اسم "كتاب مكدونالد الأبيض" واعتزموا تطبيقه من جانب واحد. كان مالكولم مكدونالد، وزير المستوطنات آنذاك، قد أعد وطرح المشروع الأول. وفي المشروع الثاني كانت قاعدة النص، تستبعد حل الدولتين، باعتباره غير عملي، وبدت في صياغته، محاولة لخلق بيئة تعاون وسلام داخلي بيننا وبين الأقلية اليهودية المهاجرة الى بلادنا. وما الاستنكاف عن تحديد المدة، إلا حرص على التأكد من اكتمال شروط وسمات الحياة المشتركة السلمية والمستقرة، بين أهل البلاد والمهاجرين اليها من المستوطنين اليهود!

لم يكترث البريطانيون لرفضنا، ولا لرفض الحركة الصهيونية لمشروعهم. وبعد أسبوع صادق مجلس العموم البريطاني على المشروع، ثم صادق مجلس اللوردات، وتهيأت بريطانيا لطرح مشروعها على هيئة الانتدابات في "عُصبة الأمم" وهي المنظمة الدولية قبل الحرب العالمية الثانية، التي وفرت الغطاء للانتداب البريطاني على فلسطين. وكان موعد طرح المشروع أمام "عصبة الأمم" في دورة ايلول (سبتمبر) 1938 إلا أن الحرب بدأت في مطلع الشهر، ليتوقف كل شيء!

* * *

بعد الحرب العالمية الثانية، خرجت بريطانيا مثخنة بالجراح، تتوخى محو آثار الحرب، مستفيدة من مشروع مارشال الأميركي لإعادة إعمار أوروبا. وتولت واشنطن، قيادة الإمبريالية العالمية. وهنا استغلت الإدارة الأميركية ضعف البريطانيين، فأخضعتهم لضغوط الرئيس ترومان، لكي تشارك الولايات المتحدة في معالجة الشأن الفلسطيني. وفي هذا السياق، تشكلت اللجنة الأنجلو ـ أميركية المشتركة، للتحقيق من جديد، في المشكلة القائمة في فلسطين، ملقية بتجارب البريطانيين السابقة ومشروعاتهم بعُرض الحائط. وفي البيان الذي ألقاه آرنست بيفن، وزير الخارجية البريطاني حول هذه اللجنة، كان واضحاً التعاطف مع اليهود "الذين تعرضوا للاضطهاد والإبادة في بعض أقطار أوروبا". وبالطبع كانت الفظائع النازية، سبباً في اعطاء زخم كبير بعد الحرب، للدعاية الصهيونية التي ركزت على تقييد الهجرة اليهودية الى فلسطين. ووصلت هذه اللجنة البريطانية ـ الأميركية الى فلسطين، في العاشر من كانون الثاني (ديسمبر) 1946 وأصدرت اللجنة تقريراً، هو عبارة عن خليط من عشر توصيات كل واحدة منها، مذيلة بملحق من التفسيرات. كان تقريراً عبارة عن مناورة كثيفة تزدحم بالآراء المتلاطمة. لكن نقاطه الجوهرية، بدت واضحة وهي أن لليهود "حقاً تاريخياً في فلسطين" كما للعرب، وأن لا موجب لتقييد الهجرة اليهودية. لذا فقد حث الرئيس ترومان ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني، على إصدار مئة ألف تصريح هجرة فورية لليهود، فاستجاب الأخير. وفي هذا السياق، دعت بريطانيا الى انعقاد دورة ثانية لمؤتمر لندن، طرحت فيه مشروعات تعجيزية للجانب الفلسطيني، وانتهى الأمر بفشل الدورة الثانية من "مؤتمر لندن" في التوصل الى صيغة لإنهاء الانتداب واستقلال فلسطين. وقال لنا البريطانيون ما معناه: نحن آسفون، لم نستطع التوصل الى حل، و"سنخلع" من البلاد في أقرب فرصة، وسوف نُحيل القضية الى "الأمم المتحدة" وهي المنظمة الأممية الجديدة. وهكذا كان، علماً بأن المنظمة الدولية لم تكن ذات اختصاص، وأن السياق الطبيعي هو أن تجلو بريطانيا عن فلسطين، مثلما غادرت مستوطناتها، وأن يتحقق للشعب الفلسطيني الحق في تقرير المصير!

في الأمم المتحدة، بدأت مفاعيل الأميركيين المنحازة الى الصهيونية، منذ المناقشة الأولى للقضية ومحاولات تشكيل "اللجنة الخاصة" بالقضية الفلسطينية. ففي المخاض الذي جرى قبل ولادة مشروع التقسيم؛ بذلت الولايات المتحدة، بفظاظة، ضغوطاً على الدول الصغيرة والضعيفة، لكي تصوّت لصالح المشروع. أما في كواليس مخاض المشروع، فقد تدخلت بشكل أكثر ابتزازاً، لكي تعزز وضع اليهود في خارطة التقسيم ومفرداتها الديموغرافية، حسب توجيهات الحركة الصهيونية، لكي يتبقى في الدولة المخصصة لليهود، عدد أقل من العرب، والعكس صحيح في الدولة المخصصة للفلسطينيين. وكانت المرحلة، تقتضي استفادة الحركة الصهيونية من قرار الاعتراف بإسرائيل، بموجب قرار التقسيم الذي توافق عليه القطبان العظميان، أميركا والاتحاد السوفييتي. وبلغت الضغوط على الدول الصغرى المنتجة لمواد الصناعة الأولية، كالمطاط والحديد وغيرهما، مستوى غير مسبوق من الإسفاف والخفة. كانت واشنطن، آنذاك، تعوّل على الأمم المتحدة، وهي المنظمة نفسها، التي استبعدتها عندما أبرمت الاتفاقات مع مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية. فمن خلال قراءة السياق الطويل، نرى أن جريمتين أميركيتين، وقعتا على صعيد علاقة فلسطين بالأمم المتحدة: واحدة حين دفعت واشنطن في اتجاه استدعاء المنظمة الدولية لتأمين الشرعية للمشروع الصهيوني ورفعه الى مستوى القضية الدولية، والثانية حين استبعدت المنظمة الدولية واستغنت عنها، لتأمين اتفاقات ظالمة وهشة بين إسرائيل والأقطار العربية، من وراء ظهرها. لكننا نعود اليوم، للمرة الثانية، بشفاعة حركة التحرر الفلسطينية. في المرة الأولى، لتأمين حضور الثورة، وإلقاء الزعيم الخالد ياسر عرفات لخطبته التاريخية، وصولاً الى ارتقاء التمثيل الى مستوى حركة تحرر مراقبة وحاضرة بعنوان فلسطين. وفي المرة الثانية اليوم، لتأمين وضعية الدولة المراقبة، تأطيراً سياسياً وجغرافياً، على خارطة الأمم، وإن كان بغير عضوية كاملة، وذلك خطوة في اتجاه الدولة كاملة العضوية!

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required