مفتاح
2024 . الإثنين 1 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 
تنمو وتتزايد على السطح الإجتماعي الفلسطيني ظاهرة مقلقة بل خطيرة تتمثل في تجاهل السلطة التنفيذية الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم بعامة ومحكمة العدل العليا بخاصة وعدم تنفيذها تحت حجج وذرائع شتى. وفي المقابل لا يكف المسئول الفلسطيني عن ترديد شعار سيادة القانون في كل المناسبات، بداع وبدون داع. ويتناسى ذلك المسئول أن أول أبجديات سيادة القانون تنفيذ الوزراء وأعوانهم لقرارات المحاكم بشتى أشكالها وأنواعها سواء نالت إعجابه وحسن تقديره أم لم تنل، سواء اتفقوا معها أم اختلفوا. وكأن الزمن يعود القهقرى لزمن حيث كانت السلطة التنفيذية ورموزها تفحص الحكم القضائي فإن وافقها طبقته، وإن خالفها رمت به إلى وادي النسيان.

وحتى لا يقع المسئول تحت طائلة القانون، يصرح بملء فيه أنه يحترم القانون وينصاع له ويجله، لكن حينما يأتي المسؤول إلى التنفيذ يضيع الإحترام للقانون ويغدو في خبر كان. مسألة في غاية الغرابة والتناقض يجب حلها رغم فتاوى حقوقيو البلاط والمنافقون والمداهنون والمتسلقون. فالحكم القضائي ليس له إلا طريق واحد ووحيد ألا وهو تنفيذه مهما كانت العقبات والعراقيل. ويجب أن لا يحول دون التنفيذ رأي وزير مهما كانت صفته، وإلا أصبح الخصم حكما والوزير ذو ولاية على القضاء.

وقد أدرك المشرع الدستوري الفلسطيني خطورة هذا الموضوع، لذا أفرد له المادة 106 من القانون الأساسي لعام 2003، مع أن الأمر من بدهيات القانون، ولا حاجة للنص عليه صراحة بل هو من قبيل التزيد. من هنا آثر المشرع الفلسطيني النص عليه في صلب أسمى وأرفع وثيقة قانونية وهي القانون الأساس وهي التي تتمتع بسمو شكلي وموضوعي، وحتى لا يترك مجالا للإجتهاد أو وسيلة أو ذريعة للتهرب من هذا الموضوع الخطير بل من أجل أن لا يستطيع أحد من المتنفذين أو من المتفقهين إيجاد ثغرة في البناء القانوني الدستوري.

تنص المادة 106 من القانون الأساس الفلسطيني على أن "الأحكام القضائية واجبة التنفيذ، والإمتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها على أي نحو جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس، والعزل من الوظيفة إذا كان المتهم موظفا عاما أو مكلفا بخدمة عامة، وللمحكوم له الحق في رفع دعوى مباشرة إلى المحكمة المختصة، وتضمن السلطة الوطنية تعويضا كاملا له".

نص جميل ومتقدم في باب الحقوق والحريات العامة تفتقده كثير من الدول نظريا، ولكنه عمليا عندنا أحيانا حبر على ورق، ويقف المتضرر شخصا طبيعيا كان أو معنويا عاجزا مشدوها، بسبب عدم تنفيذ السلطة التنفيذية أو أحد العاملين فيها قرارا قضائيا. وكيف لهؤلاء رفض تنفيذ حكم المحكمة، وكيف يجرؤون على مخالفة القانون الأساس؟ بل من أين لهم هذه الجرأة غير المسبوقة على مخالفة القانون؟!

المشكلة أن جميع السلطات الثلاث ومنظمات حقوق الإنسان صامتة لا تنبس ببنت شفة حول هذا الخرق الدستوري. فالمجلس القضائي الأعلى وهو المتضرر الأول أدبيا ومعنويا لا يحرك ساكنا وكأن الأمر لا يعنيه. وكـأن المحاكم لا تمت له بصلة وأحكامها ليست بذات صفة. الا يعتير عدم تنفيذ قرار محكمة من قبل السلطة التنفيذية أو أحد أعضائها تحقيرا لتلك المحكمة المصدرة لذلك القرار أم أن الموضوع لا يخرج عن إطار العلاقات الأدبية العشائرية القبلية. ولماذا يتحرك المجلس القضائي الأعلى ويقابل الرئيس إذا قدم وزير العدل مشروعا لإصلاح مرفق العدالة بينما لا يطالب وبقوة تنفيذ أحكامه من قبل السلطة التنفيذية ووزرائها وأجهزتها ودوائرها التي يرمى بها في سلة المهملات أم أن الموضوع لا يستحق مثل هذه المطالبة.

وإذا لم يسكت المتضرر من عدم تنفيذ الحكم القضائي الصادرعن المستوى الوزاري، وتطور الرفض أكثر بأن اتخذ صورة تظلم لرئيس الوزراء باعتباره مسئولا عن أعمال وزرائه عملا بنص الفقرة 2 من المادة 74 من القانون الأساس التي تنص على أن "الوزراء مسئولون أمام رئيس الوزراء كل في حدود اختصاصه وعن أعمال وزارته". فماذا يصنع رئيس الوزراء، أغلب الظن أنه سيحيل خطاب التظلم إلى الوزير المعني بشكل أدبي وليس بشكل أمر تنفيذي لأنه يرفض التصديق أن أحد وزرائه يرفض تنفيذ قرار المحكمة.

المشكلة أن السلطة التنفيذية تزخر بعناصر القوة المختلفة والمتعددة، فهي تملك الجيش والشرطة والمخابرات والأجهزة الأمنية والمال، بينما المواطن الضعيف لا يملك سلاحا سوى القانون لمقارعة السلطة إذا أصدرت قرارا مخالفا للقانون. وبعد ذلك لا يجد ملاذا يلجأ إليه إذا لم ينفذ الوزير أو المسئول قرار المحكمة.

لذا نرى المواطن الضعيف عادة ما يلجأ إلى الرئاسة كملاذ أخير ليناشدها تنفيذ قرار المحكمة بأن تصدر أمرا للوزير بتنفيذ قرار المحكمة القطعي والبات بعد أن فشلت جهوده الأخرى في التنفيذ. وعادة ما يؤشر الرئيس لتنفيذ القرار عند علمه بالمناشدة، وما يلبث الأمر أن يدخل الحلقة البيروقراطية الإدارية من جديد.

وأحيانا يستعين المواطن المتضرر بالمجلس التشريعي أو ما بقي منه، فيقدم شكوى ضد الوزير من أجل سؤاله واستجوابه حول الموضوع غير المنفذ. وقد يتطور الموضوع إلى تحقيق مع الوزير. لكن الوزراء على علم كاف أن المجلس التشريعي منقسم ويعاني من حالة ضعف رغم نوايا أعضائه الطيبة. وبالتالي لا يسنطيع المجلس أو أجد لجانه أن يسحب الثقة من الوزير أو يوصي بها لعدم إمكانية تطبيقها عمليا.

قد يصل الضيق بالمواطن ذروته من عدم تنفيذ حكم خاص به، فيلجأ للنيابة العامة بشكوى جزائية ضد الوزير أو المسئول المختص كما بينت المادة 106 من القانون الأساس. فهل سيقوم وكيل النيابة بتسجيل شكوى جزائية ضد وزير فورا، أم يمكن أن يتردد، أم يمكن أن يستشير، أم يمكن أن يتوقف، أم أن لا يقبلها. أسئلة حائرة تمس بسيادة القانون وتعصف به.

وقد يبلغ الشطط بالمواطن أن يتصل بمنظمات حقوق الإنسان العاملة في الأراضي المحتلة أو بمجلسها العام، ويشكو لهم أمره. وقد تقوم إحداها بإثارة الموضوع مع الجهة المختصة أو مع المسئولين، ولكن الأمر يبقى على استحياء وبخجل شديدين. ويبقى أن لكل منظمة في إثارة هذه المواضيع، حساباتها الخاصة وعلاقاتها ووضعها.

وإن كان المواطن المتضرر نشيطا أو مثقفا أو له علاقات معرفة، أن يثير الموضوع مع الصحافة المحلية أو التلفزة المحلية أو الأجنبية. ولكن هذا الموضوع له مزاياه ومضاره، وتحسب وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية هذا الأمر بحساباتها وبقدر علاقاتها هنا وهناك. وهل هناك رأي عام وكيف يثار ومتى يزمجر؟

هكذا تضيع العدالة الواضحة وضوح الشمس المتمثلة في أحكام قضائية تحتاج للتنفيذ، وكلها تعبر عن مصالح حيوية للمواطن، ولولا حاجة المواطن إليها لما وصل المحاكم ولما انتظر قراراتها. تفقد العدالة بوصلتها في وسط الزحام، بين اللامبالاة وعدم الإكتراث وبين الحسابات الشخصية وتأجيلات القضايا. هذا الفقدان يحدث مع مواطن يعرف جميع خبايا الدولة، فما بالك بمواطن بسيط أمي يقول ويكرر إذا كان القاضي خصمك فلمن تشتكي ولا يلجأ للقضاء من أصله.

يجب أن تقوم رياضة روحية تؤمن بسيادة القانون، وأن المحاكم هي الجهة الوحيدة المؤهلة لتطبيق القانون عبر أحكامها عبر مبدأ الفصل بين السلطات التي لا يجوز أن تجتمع وإن اجتمعت أدى ذلك للإستبداد والطغيان. ولا تستطيع أي جهة مهما أوتيت من قوة أن تمتنع عن تنفيذ قرار قضائي قطعي مهما كانت الأسباب والمبررات حتى لو قرر حقوقيو البلاط ومداهنوه، عكس ذلك لأن ذلك يشكل جريمة جزائية ومدنية في آن واحد. فسيادة القانون قائمة على احترام تنفيذ الأحكام القضائية، تماما كما أن ليس في ميسور المرء أن يستخرج الدم من حجر..!!

* الكاتب محاضر في القانون في جامعة القدس ورئيس مجلس الإسكان الفلسطيني. - ibrahim_shaban@hotmail.com

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required