مفتاح
2024 . الإثنين 22 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

المقدمــة

لا شك ان اطلاق الاحكام ذات الطبيعة السياسية، ضمن التصنيفات المعهودة من قبيل يمين ويسار، رغم مصداقيتها في وصف المواقف ومن ضمنها مواقف الاكاديمية الصهيونية، قد لا تفي بالغرض المطلوب والمرغوب في آن معاً، في التطرق لنتاجات الفكر المتبلور بمنطلقاته النظرية وفرضياته وميادين تطبيقاته المختلفة، ضمن تداخلاته في المجالات العديدة، وايضاً من خلال الرؤية التي يبشر بها ويروج لها، ومع ذلك فان الاكاديمية الصهيونية بنزعتها الاقصائية التي تصر على افراغ المنتج الفكري من أي محتوى قيمي وتسعى جاهدة للابتعاد به عن جدلية ارتباط الفكر بالموقف، فهذه النزعة ورغم ما تدعيه من الموضوعية الاكاديمية، وكما هو الحال مع مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة، وقعت أسيرة للانغلاق المحكم والتعصب الشوفيني الأعمى ووضعت نفسها في موقع العداء السافر للشعب الفلسطيني وتطلعاته وامانيه الوطنية وحقوقه المشروعة، وفي ذات الوقت تدفعها انغلاقيتها الى ممارسة التغييب الاقصائي للمثقفين اليهود في داخل اسرائيل وفي العالم عبر الصاقها الاتهام بالعداء للصهيونية بالمثقفين الاوروبيين واصوات معينة بالتحديد من اليسار الامريكي، في محاولة واضحة لتصدير الازمة، التي تعصف بالبنية الفكرية اليهودية وبما تحمله من تجليات وتداعيات على مجمل الحياة الثقافية في اسرائيل .

في مجمل القضايا التي تثيرها الاكاديمية الصهيونية، وبغض النظر عن أي موضوع تطرقه بالمتضمن الذي تحتويه في سيرورتها من الافتراض مروراً بالمنطلق، تتمترس خلف الرؤية الأحادية المجزوءة محكومة بالانغلاقية الشديدة للخصوصية المدعاة، والتي بدورها انتجت جدلية الزيف التاريخي بكل ما تحويه من تعاكسية الاستخلاصات والنتائج . وعلى ذلك فان التقنيات المستخدمة في الاطروحات على اختلافها وبآلياتها المتنوعة سخرت ووظفت لقلب الحقائق رأساً على عقب، فالسرد التاريخي الاجتراري بالتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين ضمن افتراضات رواية الحدث وتسخير المنطلقات وانتزاع الاقتباسات من خارج السياق، حتماً يقود الى الرفض وعدم الاقرار بقرارات الشرعية الدولية وارادة المجتمع الدولي وبالتالي ترويج الاطروحات التي تنادي بحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في الاراضي الفلسطينية والدول المضيفة وإعفاء اسرائيل من المسؤولية وما يترتب عليها من التزامات أخلاقية وعملية .

ان المعضلة الاساس للسلام المنشود في الشرق الاوسط، تكمن في طبيعة وجوهر الصراع العربي – الاسرائيلي والذي وان كان على تشابه مع النزاعات الاقليمية الاخرى في أرجاء عديدة من العالم، الاّ انه ينفرد ويمتاز عنها بكونه مختلفاً وليس على ذات النمط، وعلى العكس تماماً من المقاربة التي تطرحها الاكاديمية الصهيونية بالزج القسري للمثال القبرصي بالاشارة الى عناصر مشتركة تتضمن الزعم باحتواء البيئة القبرصية ايضاً للاحقاد القديمة والتحريض الديني والحروب والارهاب احتلال اراض ومطالب لاجئين وايضاً المستوطنات والمستوطنين، هذه المقاربة التي وظفت في الترويج للانفصال الاسرائيلي احادي الجانب المرتكز على جدار الفصل العنصري، لا ترتكز على أي منطق فالمشكلة القبرصية بتعقيداتها وبالتطورات التي آلت اليها، لا تحمل أي تشابه مع القضية الفلسطينية بأي وجه من الوجوه ولا حتى في السياق التاريخي العام، وحتى في الحالة الاقرب، الجنوب افريقية، فان اسرائيل بارتكازها على ايدلوجيا الحلم الصهيوني وأرض اسرائيل الكاملة، اكثر عدائية وبطشاً من جنوب افريقيا العنصرية (الابرتهايد)، فهي زيادة على العدوانية والغطرسة والصلف، قامت في مرحلتها الاولى باقتلاع الشعب الفلسطيني من ارضه وتهجير وتشريد غالبيته العظمى الى بلدان اللجوء والشتات، وفي مرحلتها الثانية بعد حرب حزيران 1967، مارست ابشع مظاهر الاستعمار الكولينيالي – الاستيطاني على الاراضي الفلسطينية في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وفي مرحلتها الثالثة، بعد التوقيع على اعلان المبادىء في ايلول 1993، عمدت الى اجهاض اتفاقات اوسلو عبر المماطلة والتهرب المتواصل من تنفيذ الاتفاقات المبرمة برعاية دولية وسعت لاجتثاث السلطة الوطنية الفلسطينية والضم الفعلي لمجموع الاراضي الريفية الفلسطينية خارج التجمعات السكنية، وتغذية ورعاية الاستيطان الاستعماري – الكولينيالي في الاراضي الفلسطينية .

خلال العقد الاخير، شهدت الساحة الاسرائيلية انعطافات متلاحقة نحو اليمين وبنتيجتها تجذرت وتنامت النزعات العدوانية في المجتمع الاسرائيلي وطال التهميش المستمر قوى السلام، وهذا مرده بالاساس لتقاعس حكومة ائتلاف اليسار بزعامة اسحق رابين واعاقتها التوقيع على اتفاق الخليل والتردد في انجاز تنفيذ الاتفاقات المرحلية والتهيئة لمفاوضات الحل النهائي . حيث آثرت حكومة يسار الوسط مردودات الاجماع الوطني تماشياً مع مقولة، ان الحسم في القضايا المصيرية يحتاج لتأييد وتعاضد ومساندة قوى اليمين الاسرائيلي، ولم تكن حكومة ايهود باراك العمالية بأفضل حال من حكومة اسحق رابين "اليسارية"، بل انها ونتيجة للنهج الذي اتبعته قادت المجتمع الاسرائيلي نحو انعطافته الكبرى باتجاه اليمين وجسدت التحاق حزب العمل بمواقع اليمين عبر المشاركة بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة اريئيل شارون .

ليس من قبيل المبالغة القول بان السلام المنشود في الشرق الاوسط بات مستحيلاً ومتعذراً وغير قابل للتحقيق، ذلك لان اطروحة اريئيل شارون في مؤتمر هرتسيليا الاقتصادي بفك الارتباط والانفصال احادي الجانب، جسدت الترجمة الفعلية للمفهوم الاريكشاروني للتسوية الذي يرتكز على السيطرة الاسرائيلية على السفوح الغربية لسلسلة الجبال باتجاه خط الرابع من حزيران 1967، وكذلك السيطرة على السفوح الشرقية المطلة على الاغوار وعلى طول الشريط المحاذي لنهر الاردن .

1- منطلقات نظرية فيما يحلو لمركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة، ومن باب التعريف بنفسه بلغة احصائية، التنوية بمشاركة 300 باحث في برامج الدراسات البحثية التحليلية ومن ضمنهم 80 من طاقمه البحثي وبنتاج يتجاوز 700 من الاعمال، فان المركز الذي اسسه الدكتور دانيال اليعازار ويترأسه الدكتور دوري جولد، سفير اسرائيل السابق لدى الامم المتحدة وعبر الاطروحات العديدة الصادرة عنه، بتناولها للقضية الفلسطينية سواء بربطها بقضايا الصراع العربي – الاسرائيلي او بجدلية التأثير الترابطي ما بين الاجندة الداخلية الاسرائيلية والاوضاع في الاراضي الفلسطينية، يتمترس خلف ذات المنطلقات ويسوق ذات المسوغات ويصل لذات الاستخلاصات والنتائج التي تنبري الاكاديمية الصهيونية في الترويج لها .

* التناظر التاريخي والسلام الديمقراطي في اطروحته المعنونة "اخفاق الادراك والخداع الذاتي": المسعى الاسرائيلي للسلام في سياق الارتباط بالحالات التاريخية" . وكما في عمله البحثي المعنون "العهد المنقوض للسلام الديمقراطي: اسرائيل والسلطة الفلسطينية . يلجأ الكاتب الاسرائيلي جوئيل فيشمان الى استخدام آلية التعزيز الالحاحي الممنهج في بلورة منطلقاته الفكرية وصياغة المفاهيم النظرية، ومن ثم تسخيرها في اظهار الفكرة المنتجة بكل تجلياتها واسقاطاتها القسرية والجبرية وبالرؤية التي تتبناها وتروج لرسالتها المبتغاة .

ينطلق جوئيل فيشمان من نقطة البداية بتفحص السجل التاريخي الحافل بالامثلة العديدة لاخفاق الادراك والخداع الذاتي، في معرض تقييمه لتجربة القيادة الاسرائيلية في مرحلتين تاريخيتين، حرب اكتوبر 1973 والتوقيع على اعلان المبادىء واتفاقات اوسلو وحتى نهاية مرحلة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود باراك (1)، وضمن ذات المنطلقات يرى جوئيل فيشمان بأن، رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحق رابين قد وقع اسيراً للاخفاق الادراكي والخداع الذاتي، باعتقاده ان التوقيع على اعلان المبادىء واتفاقات اوسلو ليس الاّ مجرد مخاطرة محدودة ومحسوبة من أجل السلام، وذلك ضمن الجدلية التالية:-

- التركيز المبالغ فيه حول قوة اسرائيل الاقتصادية بالمقارنة مع جيرانها، وما يتطلبه ذلك من الخوض بامكانيات الاولويات الاقتصادية على الاجندة الاسرائيلية . - اعتبار كلاً من ايران والعراق اكبر اعداء اسرائيل واغفال الخطر الفلسطيني باعتباره خطراً تكتيكياً وان انهيار اتفاقيات اوسلو سيأتي على اسرائيل بمخاطر في الحد الأدنى. - الاعتماد على الدعم الامريكي في التعويض عن مخاطر السلام من خلال الركون لزيادة المساعدة الامريكية .

وعند التعرض لمرحلة ايهود باراك يذهب جوئيل فيشمان الى حد القول: ان حكومة باراك دخلت في تجربة الفشل الادراكي الكبير والخداع الذاتي الذي جلب نتائج ضارة وسلبية، وجوهر هذا الفشل السياسي ترافق مع رفض الحكومة التعاطي مع العديد من التحذيرات والمؤشرات الدالة على عدم فعالية سياستها، وجوهر هذا الرفض يكمن في تخلي حكومة باراك عن ورقتها البيضاء التي وثقت الخروقات الفلسطينية (2) .

في معرض تجييره للمنطلقات والافتراضات النظرية للتناظر التاريخي يستحضر جوئيل فيشمان النموذج الالماني النازي ليناظره ويماثله ويحاكيه مع النموذج الفلسطيني ضمن اسقاط اعتباطي لا تراعي فيه النزعة الاكاديمية المدعاة أبسط بديهيات المنطق السليم وضمن مقولة طنانة بكل ما تحويه من التهويل "ان دارس تاريخ القرن العشرين سوف يجد الكتاب الذي استعارت منه السلطة الفلسطينية صفحة او اثنتين . وكذلك "ان النموذج الالماني باستخدامه للدعاية كأداة لتعبئة المجتمع بمجموعة في التحضير للحروب، يمكن توضيحه اكثر من خلال التحريض الممنهج على كراهية اليهود واسرائيل الذي وجد تعبيره في النظام التعليمي الفلسطيني ووسائل الاعلام الفلسطينية واستخدام الاطفال الفلسطينيين في المواجهات العنيفة، هذه بمجموعها ليست احداث عشوائية بل جزءاً من البرنامج" .

في التمهيد للاستخلاص الاستنتاجي لاطروحة التناظر التاريخي يعلن جوئيل فيشمان ان الافتراضات الاساسية التي قامت عليها عملية السلام الاسرائيلية قد اثبتت عدم نجاعتها وهي:- - ان منظمة التحرير الفلسطينية ليست عدائية ومن الممكن ان تكون شريكاً محتملاً . - امكانية الحفاظ على الأمن بدون استخدام القوة الرادعة . - امكانية وقف الارهاب بازالة اسبابه . - ان النزاع بين الفلسطينيين والاسرائيليين يمكن انهائه من خلال المفاوضات . وعلى ذلك فان الاستخلاص الاستناجي يتضمن:- - ان صانعي السلام الاسرائيليين قد مكنوا العدو الفلسطيني من تأسيسس قاعدة قريبة من المراكز السكانية الاسرائيلية . - يتوجب فحص الاقتراحات التي شكلت الاساس للمبادرة الدبلوماسية التي عرفت بعملية اوسلو . - ان الاذى الكبير الذي يلحق بالأمن الاسرائيلي مرده سيرورة الاخطاء التي ابتدأت منذ التوقيع على اعلان المبادىء . - ان اسرائيل الآن تواجه المحطة الاكثر حرجاً وصعوبة في تاريخها ويتوجب على رئيس الوزراء اريئيل شارون حماية دولة اسرائيل من الآثار التراكمية لسنوات في الدبلوماسية الخاطئة من الاساس .

لا تختلف كثيراً اطروحة العهد المنقوض للسلام الديمقراطي: اسرائيل والسلطة الفلسطينية بخطوطها العامة ومنطلقاتها الاساسية عن ما تقدم به جوئيل فيشمان بمعالجته لنظرية التناظر التاريخي، الاّ أنه انتقل من الاستنتاج بعدم جدوى عملية السلام الى تصنيف السلطة الوطنية الفلسطينية بالكيان الفاشل الذي يتوجب ولمصلحة الجميع ان لا يكون اهلاً للترشح لمرتبة دولة (3) . وبذات الصدد تتمحور اطروحة السلام الديمقراطي حول دحض مقولة الباحث الامريكي مارتين كرامر التي تضمنتها دراسته المعنونة "ابراج عاجية فوق الرمال" مشيراً الى الاستثناء الفلسطيني كنموذج سائد في الدوائر الامريكية، معتقدا بان الفلسطينيين مجتمع مدني ناشط في داخل وخارج فلسطين بمؤسسات تمثيلية واتحادات وجميعات وقيادتهم تخضع للمسائلة وتسمح لهم بادارة شؤونهم، وانهم اثبتوا بان العرب قادرون على الحفاظ على الديمقراطية (4) .

في دحض مدنية المجتمع الفلسطيني ونشاطيته وتمتعه بمؤسسات تمثيلية وخضوع قيادته للمسائلة لا يلجأ فقط جوئيل فشمان للاسطوانة المشروخة والقائلة بان السلطة الوطنية الفلسطينية قد اصبحت نظاماً تسلطياً دفع بشعبه في اتون الحرب والكوارث، بل يستنجد بالجدول الثلاثي لتقسيم الدول الذي نادى به روبرت كوبير، مستشار رئيس الوزراء البريطاني اتوني بلير لشؤون السياسة الخارجية، الذي ورد في مقالته المعنونة "الامبريالية الليبرالية الجديدة"، والذي يجدّول فيها الدول في خانات ما بعد الامبريالية والعصرية الحدثية ودول ما قبل العصرية، وطبقاً للجدول فان السلطة الفلسطينية التي تشكل خطراً على الجيران وتحكم من قبل جماعات الجريمة المنظمة وغير المنظمة تندرج في خانة الدول الفاشلة، حالها حال الصومال وافغانستان، وعلى ذلك فلمصلحة كافة المهتمين بشؤون السلطة الفلسطينية ان يدرجوها تحت أي شكل، المتلقية للمنح وربما المحمية او أي تصنيف آخر، وهي بعد ان فقدت شرعيتها فهي لن تكون اهلاً للترشح لمرتبة الدولة.

مفهوم السلام الديمقراطي المزعوم، بتنكره لقرارات الشرعية الدولية وارادة المجتمع الدولي والاتفاقيات المبرمة برعاية دولية، يقود الى استخلاصات متناقضة ومتعاكسة، ففي الوقت الذي ينكر فيه على المجتمع الفلسطيني أهم مقوماته بكونه مجتمعاً مدنياً ناشطاً ويضع السلطة في مصاف الدول الفاشلة، يعتبر ان اسرائيل دولة ديمقراطية في حالة حرب وتعاني من عدم الاستقرار والتضخم وانخفاض الصادرات وازدياد في العجز التجاري وضياع الاستثمارات القادمة من الخارج وارتفاع البطالة وانخفاض عوائد الضرائب والدين الناتج عن التكلفة المباشرة لانهيار الأمن . ولكن ما يثير الاستهجان والرثاء ما تقدمه عصارة الاستخلاص بالقول: من خلال هذا المنظور فان قضايا مثل الكيمياء الشخصية وتقنيات التفاوض والهدنة وحتى التسوية المفروضة كلها تصبح ثانوية .

نظرية اللعبة لم يكن الدكتور ياكير بليسنير، استاذ الاقتصاد في الجامعة العبرية وعضو لجنة التوجيه لمركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة، في اطروحته المعنونة "النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين: تحليل منطقي"، أول من اخضع نظرية اللعبة، التي استخدمت لسنوات عديدة في الاقتصاد جنباً الى جنب مع نظرية التعاقد والاتفاق المسحوبة عليها ونظرية احتكار القلة، في الحكم على جدية موقف الرئيس ياسر عرفات تجاه قضايا النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي وقضايا السلام في الشرق الاوسط، فقد سبقه في هذا المضمار طاقم متخصص في جهاز الامن العام الاسرائيلي، قام ببلورة وصياغة وثيقة معنونة "ياسر عرفات: دخر ام عبء"، بناء على تكليف من رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ايهود باراك (5) . ونظرية اللعبة كما هو مفترض من الوصف الذي وصفت به، تتطلب الالتزام بقواعد اللعبة ومراعاة طريقة اللعب ضمن القوانين الخاصة بها لاحراز عدد النقاط الضرورية للفوز، ذلك ان تتابعية اللعبة بذات المفاهيم ونماذج التفكير المحددة تقود عبر طريق طويلة باتجاه التحليلات الممنهجة، وبناء على ذلك فان استخدام مبادىء نظرية اللعبة على النزاع الراهن يبدأ بتحديد الخيارات المتاحة لكل طرف وما يسعى لكسبه بالارتكاز على الخيار المتاح وما يريد ان يحقق تبعاً لذلك .

في ارساء البناء الافتراضي يضع ياكير بليسنير المدماك الأول باختيار الرئيس ياسر عرفات الالتزام بعملية السلام، ويطرح التساؤل، هل اتخذ قراراً بالتوصل الى سلام مع اسرائيل؟ وينوه بان الجواب سلبي، ويشيد المدماك الثاني عبر المقولة، اذا رغب أو لم يرغب بالسلام فان الاستراتيجية الذكية المتاحة له هي الالتزام، وفي المدماك الثالث نشهد ارتقاء في المفهوم الاحادي المعبر عنه بالقول، اذا رغب في السلام فان التزامه سوف يشجع هؤلاء الاسرائيليون الراغبون في السلام بالدفع بتقديم تنازلات بعيدة المدى من اجل الوصول الى اتفاقية نهائية، ويقدم ياكير بليسنير تدعيماً لمدماكه بمادة تبريرية من خلال مقولته سوف يقومون بذلك لان التزام عرفات سوف يقنعهم بجديته، ولذلك فانه لم يعد يشكل خطراً أمنياً، وبذلك يتم التسهيل لتقديم تنازلات أخرى، على كل حال فان الأمر لا يقف عند تشييد المداميك الثلاثة بل يتخطى ذلك الى وضع السقف لهذا البناء الافتراضي من خلال الجزم، اذا لم يرغب في السلام، سيكون عاقلاً ليلتزم، وبهذه الطريقة بامكانه الحصول على اقصى ما يمكن تحصيله بدون اراقة الدماء، وايضاً يضيف الى السقف مادة تدعيمية اخرى لتبرير اقواله، والجمهور الاسرائيلي سوف يفسر هذا الالتزام كمؤشر بان ياسر عرفات جدي تجاه السلام (6) .

عند التطرق للاحتمالات التي تفسر موقف الرئيس ياسر عرفات من اتفاقيات اوسلو ومجمل عملية السلام، تتجلى احادية المفاهيم التي اريد لها ان تتبلور وتصاغ على مقاس واحد وباتجاه واحد وبالضرورة لمحاسبة ياسر عرفات لوحده، وتندرج هذه الاحتمالات بالتالية:-

- ياسر عرفات ليس عقلانياً . - حتى مع رغبة عرفات بالسلام واستعداده للالتزام فانه أسير الضغط الداخلي الفلسطيني . - يرغب بالسلام ولكنه غير مستعد لدفع ثمن للسلام يتطلبه الالتزام . - يريد ادامة الصراع ويعتقد بان اسرائيل ضعيفة وستنهار .

ويضيف ياكير بليسنير الاحتمالية الخامسة والقائلة، بان ياسر عرفات يحاول تحصيل اتفاقية نهائية أفضل من التي يمكن تحصيلها بدون العنف، ولكن سرعان ما يقوم بدحض هذه الاحتمالية من خلال القول، بالرجوع الى مجريات كامب ديفيد فان هذه الامكانية ليست واردة حيث عرض على ياسر عرفات في مباحثات كامب ديفيد الحد الاقصى الذي يمكن تقديمه . وبذات الصدد فان التبرير يتلخص في ان المطالب الفلسطينية في مباحثات كامب ديفيد تشدد على السيادة على الحرم القدسي وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهذا سيقود الى تنازل اسرائيل عن حقها بالوجود والتعرض لخطر الانقسام المدمر في نسيجها الاجتماعي وهذا يعني انتهاء اسرائيل كدولة يهودية .

في ختام اطروحته يتسائل ياكير بليسنير، ماذا يتوجب على اسرائيل ان تفعل؟ ويستدرك، واذا كان الاحتمال الثالث هو الصحيح بان عرفات لا يرغب في دفع ثمن سياسي يتوجبه التزامه بالقسم المنوط به من الصفقة، وهنا يصل الى الاستنتاج بعينه الذي سبقه اليه الطاقم المتخصص في جهاز الأمن العام الاسرائيلي، من خلال القول، بان اسرائيل تحتاج ان تفرض على ياسر عرفات ثمناً عالياً جداً بحيث يدرك بان الثمن السياسي الداخلي اقل شأناً بالمقارنة .

2- الموقف من عملية السلام والتسوية التاريخية تتمحور الاطروحات البحثية، المختصة بقضايا الصراع العربي – الاسرائيلي، الصادرة عن مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة، حول الموقف من الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية، القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، بنتيجة حرب حزيران 1967، والربط الجدلي ما بين تنفيذ وتطبيق الاتفاقيات المرحلية ومتطلبات التفاوض على قضايا الوضع النهائي على قاعدة عدم الاقرار والرفض الكامل لقرارات الشرعية الدولية باعتبارها غير ذات صلة، سواء برفض كل قرار على حدة او برفضها جميعاً من حيث كونها سلة واحدة جملة وتفصيلاً، ومن ضمنها قراري الاساس للجمعية العامة 181 لعام 1947 والقرار 194 لعام 1948، والذي بقوة الأول قامت دولة اسرائيل وبالاقرار بالثاني قبلت عضويتها بالامم المتحدة، وكذلك قراري مجلس الأمن الدولي 242 لعام 1967 و338 لعام 1973، بدعوتها للانسحاب الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وعلى ذلك فان الرفض الكلي لقرارات الشرعية الدولية وارادة المجتمع الدولي يتجلى في نفي صفة الاحتلال الاسرائيلي عن الضفة الغربية وقطاع غزة وعدم الاعتراف بخط الرابع من حزيران وتسويغ ضم القدس العربية، من خلال الاصرار على مقولة أن الاراضي الفلسطينية لم تكن تخضع لسلطة سيادية شرعية، باعتبار ان الدولة الفلسطينية لم ترى النور ولم يتم تطبيق الشق المختص بالدولة العربية في قرار الجمعية العامة 181، وان الادارتين المصرية والاردنية لم تكونا سوى قوتي احتلال لاجزاء من فلسطين الانتدابية، ومن ثم ترويج الاطروحات البحثية للحل الانتقالي طويل الأمد وعدم شرعية قيام دولة فلسطينية مستقلة والاغفال الكامل لحق العودة لتندرج جميعها تحت يافطة حق اسرائيل بالوجود والحفاظ على هويتها ونسيجها الاجتماعي.

* الاحتلال والحدود الدفاعية في تناوله لموضوعه الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية عقب حرب حزيران 1967 باطروحته المعنونة "الحدود الدفاعية لاسرائيل"، يعمد دوري جولد، رئيس مركز القدس للشؤون العامة، السفير السابق لاسرائيل لدى الامم المتحدة، لتثبيت نقطة ارتكاز رئيسه لنفي صفة الاحتلال عن الاجتياح العسكري الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية والعربية في صبيحة الخامس من حزيران 1967، وبالمقابل التأسيس لمصطلح مناطق موضع نزاع، باستهلال تمهيدي، دخلت اسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب الايام الستة 1967، (7) لينتقل الى القول، قاوم الخبراء القانونيون الاسرائيليون الجهود الهادفة لتعريف الضفة الغربية وقطاع غزة بالمحتلتين، او كونهما تقعان تحت المعاهدات الدولية الرئيسة التي تختص بالاحتلال العسكري . ويورد الجدلية التالية لتدعيم نفي صفة الاحتلال:-

- بحكم الامر الواقع لا تنطبق اتفاقية جنيف الرابعة بما يتعلق بالاراضي المحتلة على الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث ان الاتفاقية بنيت على افتراض وجود قوة سيادية طردت وانها كانت شرعية، قبل العام 1967 قامت الاردن باحتلال الضفة الغربية ومصر احتلت قطاع غزة، والوجود الاردني والمصري في هذه المناطق كانت نتيجة لغزوهما غير الشرعي في العام 1948، وفقط اعترفت كلاً من بريطانيا والباكستان بضم الاردن للضفة الغربية في العام 1950 . بعد أن فرغ الدكتور دوري جولد من تثبيت نقطة الارتكاز لنفي صفة الاحتلال من خلال تدعيمها بجدلية أغفلت بجزئيتها المطروحة بالتركيز على وضعية الادارتين الاردنية والمصرية في الاراضي الفلسطينية، حقيقة ان قوة القرار 181 ليست مقصورة على اسرائيل وانها ايضاً منوطة بحكومة عموم فلسطين ومن ثم انتقلت لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي هي بصفتها الاعتبارية والتمثيلية مؤهلة لتجسيد حق تأسيس الدولة الفلسطينية استناداً الى قوة القرار 181 ومؤهلة للعضوية الكاملة في هيئة الامم المتحدة، انتقل الى تطوير مفهوم نفي صفة الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية بالانتقال به من الرفض المطلق للتعامل مع احكام القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات المبرمة الى القبول لاجزاء محددة تخدم النقلة الجديدة المتمثلة بالتفريق الواضح ما بين تسليم الصلاحيات المدنية للسلطة الوطنية الفلسطينية والسيطرة الاسرائيلية على الاراضي الريفية خارج المناطق السكانية الفلسطينية وعلى ذلك يورد النقاط التالية:-

- منذ العام 1994 أصبح 98% من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الولاية القانونية الفلسطينية . وقامت اسرائيل بنقل السلطات في 240 من الميادين المختلفة وكذلك مسؤولية الأمن والنظام العام، بينما السلطات الباقية تتعلق بالامن الخارجي الاسرائيلي وأمن المواطنين الإسرائيليين . - ان هذه السلطات المتبقية قد استخدمت بكثرة في الاشهر الماضية كرد على تصعيد العنف والهجمات المسلحة التي فرضت على اسرائيل . - ان المادة السادسة من اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أن القوة المحتلة تلتزم فقط بحدودها الى المدى الذي تمارس فيه وظائف الحكومة في مثل هكذا مناطق . - بالاعتماد على احكام اتفاقية هيغ (لاهاي) 1907 فان المنطقة تعتبر محتلة عندما تقع تحت السيطرة الفعلية للمحتل . - وبالاعتماد على المعاهدات الدولية الرئيسة التي تتعامل مع موضوعة الاحتلال العسكري فان نقل السلطات من قبل اسرائيل الى السلطة الفلسطينية تماشياً مع اتفاقيات اوسلو قد جعل من الصعوبة تصنيف الضفة الغربية وقطاع غزة بالمحتلتين. تبدو النبرة التقريرية تحصيل حاصل في الاطروحة المعنونة "الحدود الدفاعية لاسرائيل" للعمل البحثي" من مناطق محتلة الى مناطق موضع نزاع"، ليس فقط بالتتابع الزمني لاصدار الاطروحتين بل لما تضمنته من ارساء لقواعد الجدل الترابطي الذي شكل اسفل البناء الهرمي لاطروحة الحدود الدفاعية لاسرائيل (8) . وبما ان الدكتور دوري جولد مولع بالاستهلالات التمهيدية، فان هذه التقنية تجد طريقها ايضاً بمقولة تغلب عليها الصبغة التقريرية التي تشوبها لمسة يقينية بتأكيدها القائل، منذ حرب الأيام السته في حزيران 1967 الى وقتنا الحاضر، فان حاجة اسرائيل لحدود دفاعية ضمن أية تسوية سلمية مستقبلية، تعتبر أحد العوامل المسلم بها في السياسة الخارجية لها . ويرى ان قرار مجلس الأمن الدولي 242، قد هيأ المسرح لهذا المطلب بالاعتماد على الصيغة اللغوية التي تتطلب من اسرائيل بشكل محدد الانسحاب فقط "من مناطق" وليس من كافة المناطق الى حدود آمنة ومعترف بها، ويعتبر ان حق اسرائيل في حدود آمنة ومعترف بها انبثق من الظروف المحددة لحرب حزيران 1967 والتي دخلت فيها اسرائيل في حرب واضحة للدفاع عن النفس، وعلى ذلك يورد الأسباب التي جعلت من بحث اسرائيل عن حدود آمنة اكثر ملحاحيه بالتالية:-

- النصر الامريكي على العراق في العام 2003 والذي بنتيجة تحسن الوضع العسكري على الجبهة الشرقية لاسرائيل وبذلك دفع الى السطح التوقعات حول المتطلبات الاسرائيلية الاقليمية في التسوية السياسية . - استئناف الخيار الدبلوماسي الاسرائيلي – الفلسطيني من خلال خارطة الطريق التي ترعاها اللجنة الرباعية، والذي من المتوقع ان يثير نقاشات دبلوماسية حول موقعة الدولة الفلسطينية حتى بحدودها المؤقتة . - قيام اسرائيل ببناء سور عازل في الضفة الغربية على طول خط مختلف عن حدود 1967، الأمر الذي اثار التحفظات الامريكية على المسار والذي ارتكز على القلق أن يصبح المسار حدوداً سياسية نهائية . - بالرغم من احباط التهديد العراقي على المديين القصير والمتوسط، فان التهديد الفلسطيني برز في السنوات الثلاث الماضية الى الحد الذي يتقدم الى السياق الرئيس لطلب اسرائيل بحدود دفاعية . - مع اقتراب اسرائيل من تطبيق خارطة الطريق، سيكون من الضرورة الوصول الى تفاهمات اسرائيلية – امريكية جديدة حول الحدود الدفاعية .

في معرض طرح استخلاصاته يتكأ الدكتور دوري جولد على مقولة شاؤول موفاز رئيس الاركان الاسرائيلي ابان المداولات التي رافقت محادثات كامب ديفد بقوله، ان مقترحات كلينتون التجسيدية بما تحويه من ترتيبات أمنية لا تتلائم مع المصالح الاسرائيلية واذا تم قبولها فانها سوف تشكل تهديداً لأمن دولة اسرائيل ليصل الى الاستنتاج بان التنازلات العميقة التي قدمتها حكومة باراك والتي احتوتها خطة كلينتون اعتبرت كارثة لاسرائيل ويطرح التصور التالي:-

- قبل ان تشرع اسرائيل في تطبيق خطة الطريق سيكون من الملائم ان تصل الى تفاهمات جديدة مع الولايات المتحدة حول الاتجاه المستقبلي لعملية السلام . - في المدى المنظور ان بناء اسرائيل للجدار العازل يتوجب الاّ يصبح قضية اشكالية في العلاقات الامريكية الاسرائيلية . - ان السياج عبارة عن حاجز عسكري ولاسرائيل الحق باتباع تصورها الخاص حول تأمين احتياجاتها الامنية والتي يجب ان تحترم . - سوف تستمر اسرائيل بالاحتفاظ بالمستوطنات وتقوم باجراء العمليات العسكرية في كلا جانبي الجدار . - ان الجدار العازل سيتحول الى حدود سياسية دائمة اذا فشل الفلسطينيون في الدخول بمفاوضات مع اسرائيل . - ليس بالضرورة ان يصبح الجدار حدوداً نهائية اذا اتفق الفرقاء على حدود أخرى . - تفصيلات مكونات الحدود الدفاعية يجب ان توضع من قبل الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية قبل ان تبدأ المرحلة الثانية من خارطة الطريق .

* المرحلية والاستراتيجية والدولة ثنائية القومية لا ضير في ان ينبري ثلة من الاكاديميين الاسرائيليين لتسويغ وترويج الرواية الرسمية الاسرائيلية لانهيار محادثات كامب ديفيد في تموز 2000، ومن الطبيعي ان يرى اصحاب النزعة الاكاديمية المحافظة الموغلة في تعصبها وانغلاقها في الرئيس ياسر عرفات سبباً لما يدعونه من التسبب في اغلاق بوابة الأمل وضياع الفرص السانحة، ولكن من غير الطبيعي والموضوعي ولا يمت للاكاديمية بصلة، ما يقوم به اصحاب النزعة عبر اطروحاتهم بتشويه للحقائق المتعمد والاصرار على تجاهل أبسط قوانين وقواعد النهج العلمي الموضوعي والمسلمات البديهية لتطور المجتمعات وسيرورة التاريخ في حركته الدائمة الى الامام .

في التعامل مع القضية الفلسطينية وقضايا الصراع العربي الاسرائيلي، يلجأ أصحاب النزعة الاكاديمية الصهيونية الى تعمية وتمويه المفاهيم وتجييرها لتبرير تضاضدية وتعاكسيه الاطروحات التي تفترض القبول الفلسطيني بانهاء النزاع واسقاط المطالبات الفلسطينية بتجسيد حق العودة واسترجاع كافة الممتلكات الفلسطينية العامة والخاصة في اسرائيل .

يشير الباحث جوناثان هاليفي في اطروحته المعنونة "محاولة لفهم انهيار المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية"، الى الفجوة السياسية التي لم تجسر بين السلطة الوطنية الفلسطينية واسرائيل والتي ظهرت في محادثات كامب ديفيد في تموز 2000، بانها كانت أولاً واخيراً نتيجة للتباين الواضح بين ادراك الزعامة لجوهر النزاع والهدف النهائي للمفاوضات ويستعرض جوناثان هاليفي وجهة النظر الاسرائيلية ضمن ذات التوليفة بتجاهلها للحقائق الراسخة للقضية الفلسطينية وقضايا الصراع العربي – الاسرائيلي، باعتبارها ان جوهر القضية نزاع بين كيانيين سياسيين هما الآن في طور التحضير للوصول لتسوية تاريخية والتي ستقود الى تعايش سلمي حقيقي بين دولتين مستقلتين (9).

في تحديد مفهوم التسوية التاريخية يطرح جوناثان هاليفي النقاط التالية:- - التسوية التاريخية في الادراك الاسرائيلي تستند الى الانتهاء التبادلي لحلم ارض اسرائيل الكاملة والحلم الفلسطيني بكامل التراب الفلسطيني . - هدف المفاوضات للحل الدائم الوصول الى صيغة تجسر الخلافات بالتساوي بين الطرفين، وكمثال اعتراف اسرائيل بالدولة الفلسطينية والتسوية، القدس في مقابل التنازل الفلسطيني في موضوع حق العودة . - الهدف النهائي للعملية بكاملها انهاء النزاع واسقاط المطالبات الفلسطينية اللاحقة وتحديداً عودة اللاجئين الفلسطينيين لاسرائيل واسترجاع الممتلكات الفلسطينية العامة والخاصة في اسرائيل .

في معرض طرحه لاستخلاصاته ينوه جوناثان هاليفي الى اصرار منظمة التحرير الفلسطينية على الالتزام بموقفها المبدئي غير المساوم بخصوص النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني حتى في ذروة المفاوضات والترتيبات المرحلية، وأن السياسة الفلسطينية المتبعة ترتكز على البرنامج الوطني المرحلي الذي يوظف كرافعة للنهج التاريخي الاستراتيجي بهدف تدمير المؤسسة الصهيونية واجهاض المشروع الصهيوني وبناء على هذا الاستخلاص يطرح الاستنتاجات التالية:_

- ان اقامة دولة فلسطينية سوف لن يكون نهاية المطاف للطروحات الوطنية الفلسطينية ولن يجبر الفلسطينيين على اغلاق بوابات الحل التاريخي . - ان التدفق الفلسطيني لاراضي الدولة الفلسطينية سيقود الى تمركز قوة بشرية متجددة وراديكالية . - ان التطلعات الفلسطينية باحياء الجبهة المناهضة لاسرائيل سوف يقود الى استقدام اللاعبين الاقليميين الى اراضي الدولة الفلسطينية مثل ايران وحزب الله .

لا شك ان الاصرار على الصاق الاتهام بالعداء للصهيونية بالمثقفين الاوروبيين واصوات معينة بالتحديد من اليسار الامريكي يمثل محاولة واضحة لتصدير الأزمة التي تعصف بالبنية الفكرية اليهودية وبما تحمله من تجليات وتداعيات على مجمل الحياة الثقافية في اسرائيل وعلى ذلك فان الاطروحة المشتركة للباحثين دوري جولد وجيف هيلمريخ والمعنونة "الاجابة على الاعداء الجدد للصهيونية: حقوق الشعب اليهودي في دولة ذات سيادة بوطنه التاريخي" قد اغفلت عن سابق قصد ذكر أي من رموز النزعة الاكاديمية الانسانية في اسرائيل، فيما يعرف بالمدرسة ما بعد الحداثية بحركاتها المختلفة والتي أهمها ما بعد الصهيونية، مثل توم سيجيف وبراخ كيميرلنغ (10) .

يستعرض دوري جولد وجيف هيلمريخ افكار الحركة المابعد صهيونية بالاشارة الى دعوتها الاحلالية والتي تطرح تصفية اسرائيل وغالباً ما تكون مترافقة مع قيام دولة ثنائية القومية فلسطينية – يهودية في مكانها، وينوها الى الطرح ما بعد الصهيوني والقائل بعدم وجود حقوق يهودية بالسيادة في اسرائيل وأن القومية اليهودية ليست عادلة بطبيعتها، وفي معرض انتقاد الحركة المابعد حداثية يثير النقاط التالية:-

- عدم ادراك النتائج القانونية والسياسية للتعبير القومي الاسرائيلي كدولة يهودية بما يمت بصلة لمواطنيها غير اليهود ومساواتهم بكافة مواطنيها . - تجاهل الظروف التاريخية المحددة والمخاطر التي قادت الى ظهور الحاجة لتعريف اسرائيل باليهودية . في معرض الاجابة على ما يحلو للباحثين جولد - هيلمريخ اطلاق لقب الاعداء الجدد للصهيونية ترتكز الاطروحة على محورين (11)، في المحور الأول تسحتضر الشروط الاربعة التي حددها القانون الدولي للمجموعات السياسية للاعتراف بها كدول هي المقرونة بالشعب والارض والحكومة والقدرة على الدخول بعلاقات مع الدول الأخرى . ولا يجد جولد - هيلمريخ بداً من الاستعانة بشهادة المندوب الامريكي في مجلس الأمن بأن اسرائيل قد أوفت بهذه الاشتراطات، للتغطية على الاستحضار المنزوع من سياقة، حيث ان المغالطة واضحة وضوح الشمس وقيام اسرائيل لم يكن بسبب الاشتراطات المذكورة بل بقوة القرار 181 وقبول عضويتها بالامم المتحدة ارتكز على الاقرار والتعهد من قبل ممثل حكومة اسرائيل امام اللجنة السياسية الخاصة بتطبيق قراري الجمعية العام 181 لعام 1947 و194 لعام 1948 (12) .

وفي المحور الثاني تسند الاجابة على ما تدعيه من فرصة سانحة ظهرت منذ العام 1517 من خلال بسط السيادة العثمانية على المشرق العربي، وتحديداً بخسارة تركيا للحرب العالمية الأولى وقيامها بالتنازل عن السيادة على المشرق العربي في اتفاقية سيفرز 1918، وحدوث الفراغ السيادي الذي قد افسح المجال للمطلب التاريخي للشعب اليهودي ولتدعيم هذا الاستناد التاريخي بالزيف الذي يحتويه فان الاطروحة تطرح المفارقة التالية:-

- توافد اللاجئين اليهود من اسبانيا عام 1492م الى الامبراطورية العثمانية ادى الى توسيع متزايد للوجود اليهودي في صفد والخليل وطبريا، حيث قام السلطان سليمان بمنح مستشاره اليهودي البرتغالي دون جوزيف ناسي اقطاعيات لاعادة توطين اليهود.

- خلال اعادة احياء الوجود اليهودي في ارض اسرائيل، كان الانطباع الغالب للرحالة الغربيين في القرن التاسع عشر بوجود القليل من السكان العرب وبالاعتماد على تحليلاتهم فان فلسطين كانت مسكونة بمجموعات سكانية مرتحله من الجزيرة العربية، والى حد ما كانت فلسطين ملاذاً مؤقتا، واضافة الى ذلك فان العثمانيين قد اسكنوا تجمعات سكانية مسلمة كحاجز ضد الهجمات البدوية، وكذلك قام الحاكم المصري ابراهيم باشا باحضار المستعمرين المصريين، ومن الجدير بالذكر بان اللقب مصري والمستعمل من قبل عشيرة في نابلس يعني مصري الأصل .

ان هذه المفارقة بما تحويه من الزيف تحاول رسم صورة للاسقاط القسري والجبري وهي والحال هذه لا يمكن الاّ ان تفهم في سياق الاستخلاص الاستنتاجي لاطروحة الاجابة على الاعداء الجدد للصهيونية والذي يقول: بغض النظر عن كون الهجوم الجديد على اسرائيل نتاجاً للعلمانية الراديكالية او دوائر فكرية معينة للذين لا يمتلكون الفهم للتاريخ اليهودي، او انها منبثقة من النزعة الماكرة المعادية للسامية والتي ولدت من جديد فانها بمجملها صناعة يد الجهل التام المتوثب على خصوصية جذور اسرائيل .

وعلى ذلك يتضح بما لا يدع مجالاً للشك النوازع اللاعلمية واللامنطقية واللاموضوعية للاكاديمية الصهيونية التي ومن باب الوفاء لانغلاقها وايغالها في التعصب الشوفيني وفي سعيها المحموم لتشويه الحقائق وتجاهل قوانين تطور المجتمعات وسيرورة التاريخ لا تكتفي بمناصبة الشعب الفلسطيني العداء بل تنقل معركتها ضد القوى والتيارات السلامية في اسرائيل وفي اوساط الجاليات اليهودية في العالم .

* الاعلان احادي الجانب للدولة الفلسطينية وحق العودة ينطلق الباحث طال بيكير في اطروحته المعنونة "الاعتراف الدولي بالاعلان احادي الجانب للدولة الفلسطينية: المأزق القانوني والسياسي"، من مقولة ان القانون الدولي يستوجب الايفاء باربعة معايير منفصلة للاعتراف بالكيانية السياسية كدولة مستقلة ذات سيادة (13) وهي التالية:-

- يتوجب على الكيانية ان تمارس سيطرة حكومية فعالة ومستقلة . - يتوجب على الكيانية امتلاك أرض محددة تمارس عليها السيطرة . - يتوجب على الكيانية امتلاك القدرة على التعاطي الحر بالعلاقات الخارجية . - يتوجب ان يكون تحكم فعال ومستقل على المجموعة السكانية .

هذا الاقتباس للمعايير المدرجة في معاهدة مونيفيديو حول حقوق وواجبات الدول توج سلسلة من الاشارات والاستشهادات والاقتباسات التي طالت هانس كيلسن، جايمس كوفورد . ولوتير باخت، ربما لتبرير الاثقال المقصود بتحميل الاطروحة اكثر مما تحتمل (14)، وفي معرض استعراضه للمعيار الأول، حول ممارسة السيطرة الفاعلة، ينوه طال بيكير الى عدم ممارسة السلطة الوطنية الفلسطينية لعملها كحكومة مستقلة بحكم طبيعتها كجسم للحكم الذاتي مؤقت ومحدود الصلاحيات وعلى ذلك يطرح الجدلية التالية:-

- ان السيطرة الحكومية الفاعلة للسلطة الوطنية الفلسطينية لا توجد حتى في المناطق السيادية الفلسطينية في ذات التصنيف (أ)، وغياب الدرجة المطلوبة للسيطرة تتجلى اكثر في المناطق الريفية ب،ج . - ان الرموز الاولية للحكومة الفاعلة ذات السيادة، مثل الأمن الخارجي والسيطرة على المجال الجوي ومسؤولية الأمن على كافة المعابر الحدودية والمطارات لم تنقل الى الكيان الفلسطيني وبقيت تحت الولاية القانونية الكاملة لاسرائيل . - لم يتم نقل أي نوع من الصلاحيات للسلطة الوطنية الفلسطينية في القدس خلال المرحلة الانتقالية حيث ان موضوع القدس احتفظ به لمفاوضات الوضع الدائم وفي ضوء غياب أية سلطة فلسطينية على القدس والممارسة الفعلية للسيادة الاسرائيلية والولاية القانونية على كافة اجزاء المدنية فان الاعلان الفلسطيني للدولة والذي يفهم منه الاحتواء على اجزاء من القدس ضمن اراضي الدولة الفلسطينية سيكون من الناحية القانونية بلا معنى .

رغم ان الاتفاقيات المرحلية قد استنفذت صلاحيتها منذ 4 آيار 1999 وتجاوزت 13 أيلول 2000 الموعد الذي حدد لاتفاقية الوضع الدائم، الاّ ان طال بيكر يحاجج ويطرح جدلية اخرى تعاكسية ضمن التالية:-

- لا يوجد مؤشرات محددة في الاتفاقيات الموقعة بان الترتيبات المرحلية تنتهي بتاريخ محدد . - الاتفاقات المرحلية تقدم تاريخاً لدخولها موضع التنفيذ العملي ولكنها لا تقدم تاريخاً بانتهائها .

في تناوله لمعيار الملكية لارض محددة يلجأ طال بيكير الى ذات الأسطوانة التي استخدمت على الدوام في وسائل الاعلام الاسرائيلية وخاصة اذاعة اسرائيل ليقدم لنا مادة دعاوية من قبيل ان الفلسطينيين عوّلوا كثيراً على اللاشرعية المزعومة للانتداب البريطاني لفلسطين ورفضوا قرار الجمعية العامة للامم المتحدة 181 لعام 1947، وضمن هذا السياق يدرج التالية:-

- ان شرعية الانتداب والتي قادت الى تأسيس وطن قومي يهودي في فلسطين تم التأكيد عليها بتكرار من قبل الهيئات الدولية مثل مجلس عصبة الامم ومحكمة العدل الدولية واللجنة الخاصة للامم المتحدة حول فلسطين والتي توصلت الى استنتاج بان الفلسطينيين لم يمتلكوا أرض فلسطين الانتدابية كأمة ذات سيادة وانه لا توجد أرضية للمسائلة بصلاحية الانتداب للسبب الذي تقدمت به الدول العربية .

- ان الاعتماد الفلسطيني على القرار 181 بذات القدر لا يملك الحجة، حيث ان الدول العربية والفلسطينيين قالوا بان هذا القرار ليس ذا صلة . - من اجل التعامل مع الحقائق الجديدة التي نتجت عن ذلك والمساعي المتلاحقة لتدمير دولة اسرائيل، فان الامم المتحدة قد تخلت عن المقترحات التي تضمنها القرار 181 مستبدلة اياه بقراري مجلس الأمن 242 و 338 اللذان اصبحا الاساس المقبول لعملية السلام .

في هذه الجدلية التي يطرحها طال بيكر تتضح المغالطات الكبيرة والتي هي نتاج للتوجه الدعاوي واستغلال لذات الاسطوانة المملة، وهذه المغالطات تندرج بالتالية:- - ان اللجنة الخاصة للامم المتحدة حول فلسطين قد رفضت كلا الحلين المتطرفين، وبأخذها لهذا الاجراء فان اللجنة على ادراك كامل بان العرب واليهود تقدموا بمطالب قصوى لحقوق ومصالح في فلسطين، العرب لكونهم ولقرون هم السكان الأصليون والمتوالدون فيها، واليهود لارتباطهم التاريخي في البلاد والوعود الدولية التي قطعت لهم لاحترام حقوقهم فيها (15) . وللحقيقة فان اللجنة الخاصة للامم المتحدة حول فلسطين كانت تفضل الحل القائم على دولة ثنائية القومية في فلسطين، ولكنها فضلت عليه التقسيم مع الاتحاد الاقتصادي وذلك للمتطلبات التي لم تكن ناضجة ومهيأة آنذاك وتحديداً التساوي في التركيبة السكانية والتي كانت بواقع 1.200.000 عربي مقابل 600.000 يهودي .

- اثبت حقائق الصراع العربي – الاسرائيلي وما آلت اليه القضية الفلسطينية وفي ظل الظروف بالغة التعقيد للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي ان القرار 181 ما زال يمتلك القوة الدافعة مع قرارات الشرعية الدولية سلة واحدة للوصول الى سلام عادل وشامل للقضية الفلسطينية وقضايا الصراع العربي الاسرائيلي . - ان الشرعية الدولية كل لا يتجزأ، ولم يسبق للامم المتحدة وهيئاتها ان اتخذت قراراً بالتخلي والاستبدال سواء القرار 181 لعام 1947 او للقرار 194 لعام 1948 وما زالت الجمعية العامة للامم المتحدة تؤكد على ضرورة تنفيذ كافة قراراتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية .

حظي المعيار الثالث بنصيبه من المقولات التي لا تخفي اعتمادها على الاتفاقيات المرحلية لتحاجج بان مسألة العلاقات الخارجية قد وضعت جانباً لمفاوضت الوضع الدائم، وكذلك الحال مع المعيار الرابع والقول بان السلطة الوطنية لا تمارس صلاحيات مهمة على السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، واضافة الى ذلك فان طال بيكير يلجأ الى الرواية الرسمية الاسرائيلية لانهيار مباحثات كامب ديفيد ليحاسب السلوك الفلسطيني بالقاء المسؤولية على العناد الفلسطيني الذي تسبب بتعطيل التوصل الى اتفاقية الوضع الدائم، وعلى ذلك يدرج الجدلية التالية:-

- سيكون من الظلم السماح للجانب الفلسطيني ان يعتمد على غياب اتفاق الوضع النهائي من اجل تبرير الاعلان احادي الجانب للدولة الفلسطينية . - من الجانب القانوني والسياسي يتوجب منع الفلسطينيين من استخدام نتيجة انتهاء محادثات كامب ديفد بدون التوصل لاتفاق كتبرير للافعال احادية الجانب والتي تشكل خرقاً للالتزامات الفلسطينية الحالية . - ان الاعتراف بالدولة الفلسطينية المعلنة احادية الجانب يبعث برسائل واضحة الى كافة المجموعات العرقية المطالبة بالاستقلال الذي تحقق فيه اهدافها بدون الحاجة الى مفاوضات حقيقية .

لعّل القاسم المشترك بين اطروحتي الدكتورة روث لا بيدوث الأوجة القانونية لقضية اللاجئين الفلسطينيين "واطروحة الباحث سكوت لاسينسكلي "كيفية مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في الوقت الراهن"، عدم الاعتراف بقرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 194 لعام 1948 والرفض الكامل لحق العودة للاجئين الفلسطينيين جملة وتفصيلاً، الاّ ان الاطروحتين على درجة من الاختلاف الذي أملته ظروف المعالجة، فالدكتورة لا يبدوث حاولت باطروحتها "الأوجه القانونية" بتركيز واضح ليس فقط على عوامل نزع الشرعية عن القرار 194 بل بناء استخلاصات تحصيل حاصل بشكل مطلق بنفي وجود حق للاجئين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم التي هجروا وشردوا منها بنتيجة حرب 1948 وقيام دولة اسرائيل . على الجانب الأخر فان اطروحة سكوت لا سينسكلي انطلقت من الحالة الراهنة لعملية السلام للتبشير بآلية المبادرة المرتكزة على الحافز والتي تقتضي حل قضية اللاجئين على اراضي الدولة الفلسطينية والدول المضيفة للاجئين باعتبار أن اسرائيل ليست سبب المشكلة وليست طرفاً في قضية اللاجئين الفلسطينيين لا من قريب ولا من بعيد .

في التمهيد انطلقت روث لابيدوث من المنطلق الاساس ان النزاع الراهن ذو طبيعة سياسية ويتوجب التعامل معه من منظور قانوني للاسباب الثلاثة التالية:- - بعض القضايا المعينة ذات طبيعة قانونية . - استناد الفرقاء في دعواهم على حجج قانونية . - التسويات التي يتم التوصل اليها سوف تصاغ بمفردات قانونية وسيتم تضمينها في نص قانوني .

في الحديث عن بداية مشكلة اللاجئين استخلاص مكثف للسرد التاريخي الاجتراري والذي نجده في اكثر من موضع في النتاجات الاكاديمية أو الاعلامية والسياسية على حد سواء من خلال الادعاء القائل، خلال فترة عامي 47-1948 هرب وغادر العديد من العرب أو ابعدوا، وفي نفس الوقت فرّ اليهود من الدول العربية، وبينما تم استيعاب اليهود في الدول التي لجأوا اليها، فان اللاجئين العرب وبقصد منعوا من الاستيعاب في معظم الدول العربية، ما عدا الاردن، من اجل منع أي امكانية للتوصل الى تسوية مع اسرائيل (16) .

ومن خلال تناول تعريف من هو اللاجيء، تنتزع روث لا يبدوث من سلسلة اتفاقيات الامم المتحدة التعريف التالي:- أي شخص في خوف من الملاحقة لاسباب عرقية او دينية او قومية أو لانتمائه لاحدى المجموعات الاجتماعية او لمناصرته لرأي سياسي أو لوجوده خارج بلد جنسيته، وعدم تمكنه مدعاة لهذا الخوف وغير راغب في ترك حماية تلك الدولة او الذي لا يملك جنسية ويتواجد خارج البلد السابق لسكنه الطبيعي وغير قادر ويمتلكه الخوف ولا يرغب بالعودة الى ..

وفي معرض تبيان عناصر هذه التعريف المنتزع الذي لا يمت لموضوع اللاجئين الفلسطينيين بصلة، تدرج لابيدوث الجدلية التالية:- - في هذا التعريف لا يوجد ذكر لتتابع النسل بشمولية الاحفاد . - بالاعتماد على هذا التعريف فان عدد الفلسطينيين المؤهلين لوضعية اللاجئين سيكون اقل من نصف مليون . ان المغزى من انتزاع التعريف من سلسلة اتفاقيات الامم المتحدة والتعامل معه باعتباره الانموذج المسلم به، يتضح من المقولة التي اسبقتها روث لا يبدوث لتعريف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا" من خلال القول، لم يتم تعريف اللاجئين الفلسطينيين باي وثيقة رسمية ووكالة الغوث تبنت تعريفاً مطاطا، وفي ذلك محاولة مسبقة لنسف تعريف وكالة الغوث . تعريف وكالة الغوث ... اللاجيء الفلسطيني هو الشخص الذي كان سكنه الطبيعي فلسطين لمد سنتين كحد أدنى قبل النزاع 1948 والذي هو كنتيجة لهذا النزاع فقد بيته ووسيلة عيشه ولجأ الى احدى البلدان التي تقوم بها الوكالة بتقديم الاغاثة . واللاجئون حسب هذا التعريف والنسل المباشر لمثل هؤلاء اللاجئين لهم الحق بتلقي المساعدة من الوكالة اذا تم تسجيلهم بوكالة الغوث ويسكنون في منطقة عمليات الوكالة .

تدرج لا بيدوف مآخذها بالنقاط التالية:- - ان هذا التعريف واسع جداً ومن خلاله يتزايد عدد اللاجئين باستمرار . - يلائم عمل وكالة الغوث من اجل تحديد المؤهل لتلقي المساعدة ولكنه بصعوبة يلائم الغايات الأخرى . ان المأخذ الرئيس والذي لم تدرجه لابيدوث يكمن في المسؤولية الاساسية لوكالة الغوث والمناطة بها من القرار 194 لعام 1948 في عملية تجسيد حق العودة للاجئين الفلسطينيين بالتعاون مع الهيئات والوكالات المتخصصة للامم المتحدة (17) .

بمعرض تناول حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة تقتبس روث لابيدوث النص التالي من الاعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية "لا أحد سوف يحرم تعسفيا من الحق بدخول بلده"، مع ان هذا الاقتباس من وثيقة أقرت في العام 1966 ولا تمت لموضوع اللاجئين الفلسطينيين بصلة الا ان لابيدوث تفصح عن السبب في لجوئها للاقتباس بالقول، ان مقارنة مختلف النصوص والنظر في النقاشات التي جرت قبل اقرار هذه النصوص التي قادت الى الاستخلاص بان حق العودة فقط محصوراً بمواطني الدولة. وبذلك وبكل جلاء فان لابيدوث تشير الى اللاجئين الفلسطينيين ليسوا مواطنين بالدولة، وتضيف: وحتى ان حق المواطنين بالعودة ليس من طبيعة مطلقة، ولكن يمكن ان يكون محدداً بشرط ان تكون اسباب الحرمان او التحديد ليست جرمية .

ان مفهوم الدولة عند لابيدوث، ولا ريب مفهوماً غيريا ضمن سياق الخطاب الذي تناولته ومن خلال التساؤل الذي طرحته من الذي يتمتع بالعودة؟ او ما نوع العلاقة التي يتوجب ان توجد بين الدولة والشخص الذي يرغب بالعودة ؟ ان هذا المفهوم الغيري يتحدث ليس عن دولة قامت بقوة قرار التقسيم 181 لعام 1947، واشترط قبول عضويتها بالامم المتحدة باقرارها تطبيق قراري الجمعية العامة 181 لعام 1947 والقرار 194 لعام 1948، وعلى ذلك فان الدولة التي تحدثت عنها لابيدوث ضمن مفهومها الغيري هي دولة اسرائيل التي ارتبطت شرعيتها بوجود دولة فلسطينية الى جانبها وبعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وممتلكاتهم ضمن الحدود التي رسمها القرار 181، وما لم يتحقق ذلك فان شرعية دولة اسرائيل تبقى موضع التساؤل .

لا يقف المفهوم الغيري التغييبي عند حد التعامل مع نص الاعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية بل يتعداه الى القرار 194 لعام 1948 وتحديداً مع الفقرة الاولى من البند الحادي عشر بادعاء الدكتورة روث لابيدوت بأن التفسير للنص لا يحمل صيغة الأمر وان الفقرة لا تعترف بأي حق ولكنها توصي بان اللاجئين يتوجب السماح لهم بالعودة، ان هذه محاولة واضحة للتلاعب اللغوي اولاً باقحام التفسير والتغاطي عن النص، وثانياً بالاقتراح بان الفقرة لا تعترف بحق، وثالثاً بالحديث عن التوصية . ان النص واضح ولا يحتاج الا ان يؤخذ كنص .. تقرر وجوب السماح بالعودة، في اقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات، عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة الى ديارهم وعن كل مفقود او مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقاً لمباديء القانون الدولي والانصاف، ان يعوض عن ذلك الفقدان او الضرر من قبل الحكومات او السلطات المسؤولة . روث لابيدوث اغفلت الفقرة الثانية من البند الحادي عشر .

وتصدر تعليماتها الى لجنة التوفيق بتسهيل اعادة اللاجئين، وتوطينهم من جديد، واعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الامم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة في منظمة الامم المتحدة .

ان الاستنتاج الذي خلصت به روث لابيدوث في تطرقها للقرار 194 بأن ميثاق الامم المتحدة لا يؤهل الجمعية العامة بان تتبنى قرارات ملزمة باستثناء امور الميزانية وبما يتعلق بنظامها الداخلي ولوائحها وقوانيها . وهذا الاستنتاج مغالطة كبيرة حيث ان الجمعية العامة هي أساس المنظمة الدولية وهي بدورتها السنوية تطرح على البساط كافة القضايا المتعلقة بالامن والسلم العالميين . في التطرق لحرب الخامس من حزيران 1967 وما آلت اليها من نتائج، تشير لابيدوث الى200,000 فلسطيني من النازحين الذين تركوا منازلهم وانتقلوا الى مكان آخر في نفس الدولة، وهذه الاشارة الى الاردن باعتبار ان الضفة الغربية كانت تحت الادارة الاردنية، وفي معرض تناولها لقرار مجلس الأمن 237 بتاريخ 14 حزيران 1967 للاقتباس المجزوء للبند الأول بالشكل التالي، الذي دعا حكومة اسرائيل "لتسهيل عودة هؤلاء سكان المناطق التي وقعت فيها العمليات العسكرية والذين فروا منها منذ اندلاع المعارك، مستعيضة عن القراءة التامة .

1. يدعو حكومة اسرائيل الى تأمين سلامة وخير وأمن سكان المناطق التي جرت فيها عمليات عسكرية، وتسهيل عودة اولئك الذين فروا من هذه المناطق منذ نشوب القتال. وكما ادعت لابيدوث بان القرار 194 لعام 1948 بالفقرة الاولى من البند الحادي عشر، لا تعترف باي حق ولكنها توصي بان اللاجئين يتوجب السماح لهم بالعودة، فانها تسحب نسخة طبق الأصل للبند الاول من قرار مجلس الأمن 237 لعام 1967 لتقول: ان القرار لا يتحدث عن حق للعودة وكبقية قرارات مجلس الأمن فانه ذات طبيعة توصوية .

في معرض التعامل مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967، نوهت روث لابيدوث بان القرار يعتبر على غاية من الأهمية لعملية السلام العربية – الاسرائيلية واشارت الى البند (ب) من الجزء الثاني بتأكيد الحاجة من اجل التوصل لتسوية عادلة لمشكلة اللاجئين وطرقت الجدلية التالية:-

- ان المجلس لم يتقدم بحل محدد، ولم يحصر البند على اللاجئين العرب وذلك ربما بسبب حق التعويض للاجئين اليهود من البلدان العربية الذين يستحقون تسوية عادلة. - لا يوجد أي سند قانوني للدعوى العربية بان القرار 242 يتضمن الحل الذي أوصى به قرار الجمعية العامة 194 لعام 1948 . لا ريب بان جدلية لابيدوث لا تنتمي الى الجدل باي حال من الاحوال ليس فقط للمغالطات التي تنضوي عليها بل للاسقاطات التي حملتها، فالقرار اعرب عن قلق مجلس الأمن للوضع الخطير في الشرق الاوسط واكد على عدم جواز الاستيلاء على الاراضي بالقوة والحاجة الى العمل من اجل سلام عادل ودائم، وفي البند الأول بشقيه تقدم بالحل: أ‌- انسحاب القوات المسلحة الاسرائيلية من الاراضي التي احتلتها في النزاع الأخير . ب‌- انهاء جميع ادعاءات او حالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة ووحدة اراضي كل دولة في المنطقة، واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنه ومعترف بها، حرة من التهديد بالقوة او باستعمالها .

وفي البند الثالث ... بطلب من الامين العام تعيين ممثل خاص ليتوجه الى الشرق الاوسط كي يجري اتصالات بالدول المعنية ويستمر فيها بغية ايجاد اتفاق، ومساعدة الجهود لتحقيق تسوية سلمية ومقبولة وفقاً لاحكام هذا القرار ومبادئه . مهما يكن من أمر مغالطات واسقاطات لابيدوث، فان الفقرة "ب" من البند الثاني للقرار 242 بنيت بالاساس على الخطاب المجسد في البند الحادي عشر للقرار194 لعام 1948 الذي خص به اللاجئون الفلسطينيون دون سواهم، والسند في الدعوى العربية يتلخص في أن الشرعية الدولية كل لا تتجزأ ولا تتقادم مع الزمن، وهي تجد قوتها في مجموع قرارات الشرعية الدولية وارادة المجتمع الدولي.

في اطروحته "كيفية مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في الوقت الراهن"، ينطلق سكوت لا سينسكلي من الحالة الراهنة لعملية السلام في مأزقها المستعصي للتبشير بآلية المبادرة المرتكزة على الحافز لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال الاستعانة بمنظومة معلوماتية ترتكز على التالية:- - منذ التوقيع على اتفاقات اوسلو في العام 1993، قامت المجموعة الدولية بضخ ما يناهز الخمسة بلايين دولار في الاراضي الفلسطينية، جاعلة الفلسطينيين في اعلى مستويات تلقي الافراد من مساعدات التطوير . - جهود الاعانة التي واكبت اتفاقات اوسلو كان القصد منها بالأصل اعطاء ثمرة السلام للفلسطينيين من اجل ارساء دعم شعبي متزايد للمفاوضات . - مع تعطل عملية السلام، فان الدعم توجه بشكل متزايد للبرامج الطارئة

وبناء على هذه المنظومة المعلوماتية فان سكوت لاسينسكلي يبلور المنطلق القائل بان الدعم الذي واكب اتفاقات اوسلو لم يتوجه الى قضية اللاجئين لكون القضية موضوعاً لاتفاقية الوضع النهائي (18) وعلى ذلك يطرح الجدلية التالية:- - ان الدول المانحة ستكون على قدر من العقلانية بان لا تكرر اخطاء العقد الماضي وتتجاهل الوضع الصعب للاجئين الفلسطينيين . - ان وضع آلية انفراج لاوضاع اللاجئين الفلسطينيين ستؤدي الى حل النزاع وسوف تسهم على المدى البعيد بالوصول الى السلام وتحقيق الاستقرار، بدلاً من الاستراتيجية الراهنة القائمة على زيادة دعم الطواريء وانعاش السلطة الفلسطينية المحطمة التي يقودها ياسر عرفات .

في التبرير لاقتراح آلية المبادرة المرتكزة على الحافز يعتقد سكوت لاسينسكلي بأن القوى المؤثرة من الخارج باستطاعتها تقديم وترسيخ القناعة بان الأثر الخالص لخلق ظروف ايجابية على الارض يسهم في الحل المحتمل للنزاع، بدلاً من انتظار الاسرائيليين والفلسطينيين للاتفاق على تسوية نهائية والذي قد يستغرق جيلاً آخر، وعلى ذلك فانه يرى بان العمل لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين سيكون النقطة الاساس الملائمة للانطلاق منها، وبناءً عليه فان سكوت لاسينسكلي يضع على كاهل الولايات المتحدة اطلاق مبادرة دولية تتضمن العناصر التالية:-

- دعم اعادة التأهيل والتوطين في الضفة الغربية وقطاع غزة . - تقديم سلة حوافز لحق السكن والاقامة في الدول غير المضيفة ومن ضمنها الدول الغربية . ان الافتراضات التي وضعها سكوت لاسينسكلي لآلية المبادرة المرتكزة على الحافز لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين في الاراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة وفي الدول المضيفة، قد انطلقت من النقطة الخطأ باغفالها وتغييبها لقرار الجمعية العامة 194 لعام 1948، وهي لذلك بالضرورة انتهت الى المغالطات والاسقاطات بكافة اشكالها والوانها، ان ما تقترحه المبادرة بعناصرها وآليتها، ما هو الاّ قفزة في الهواء وهروب الى الأمام وبالنتيجة تصدير للمسؤولية بالقائها على كاهل الآخرين عبر التنصل والادعاء بأن اسرائيل ليست السبب في مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وليست طرفاً، والاطروحة جعلت من الفلسطينيين والعرب السبب في المشكلة في نفس الوقت الذي وضعت فيه على كاهل الولايات المتحدة مسؤولية حل المشكلة .

3- اشتراطات السلام المستحيل فيما ترتكز الاكاديمية الصهيونية على الافتراضات والمنطلقات التعاكسية في التنظير لمواقفها النمطية باحكامها الاستباقية ضمن قوالب محددة تجاه الشعب الفلسطيني ووجوده على أرض وطنه وتطلعاته وأمانيه، فانها وبما يخص المسيرة السلمية وعبر المشاريع المطروحة لا تعبر استنتاجاتها واستخلاصاتها والرؤية التي تبشر بها، الاّ عن تجليات النظرة الأحادية ووضع الاشتراطات والاصرار على الاملاءات.

النظرة الأحادية للاكاديمية الصهيونية ترى ان خارطة الطريق تخدم خطة عمل الامم المتحدة التي هدفها الانتقاص من دور المفاوضات وفرض حلول محددة مسبقاً للنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي، وأن نموذج اتفاق جنيف لا يمكن تبنيه من أي مهتم بأمن ومستقبل الدولة اليهودية، وذات النظرة التي تروج لجدار الفصل العنصري والانفصال احادي الجانب عبر مقولة، ان الاتفاقيات ومن ضمنها اتفاقات اوسلو سريعة الزوال ولكن البناء المادي للجدار له تأثير فوري ومحسوس .

* خارطة الطريق في تعريفها لخارطة الطريق تعمد آني بايفسكي الاستاذ المساعد للقانون في جامعة كولومبيا في نيويورك لاستحضار رمز تاريخي بما يحويه من الدلالات في سعي لتوضيح الفكرة المتوخاه، فخارطة الطريق هي حصان طروادة المستوحى من الامم المتحدة الذي دخل العمق الاسرائيلي والفارس الامريكي يمسك بزمامه . ففي اطروحتها "الامم المتحدة والهجوم على شرعية اسرائيل: متضمنات خارطة الطريق" . لا تعدم الدكتورة آني بايفسكي، الوسيلة لابراز موقفها من الامم المتحدة من خلال اقرانها بخارطة الطريق محتفظة للهيئة الدولية بسجل حافل من السلبية والذي تستخدمه كخزان كبير تخرج منه قصاصاتها الاتهامية لتشير الى موضوعة أو تنوه الى اخرى . وفي جميع الحالات فان الأمم المتحدة في موقع الاتهام والتجريم (19) .

في معرض تناولها للعلاقة بين اسرائيل والامم المتحدة فان الدكتورة بايفسكي تحمل الهيئة الدولية مسؤولية التدمير الحاصل لحقوق الانسان ضمن ما تطرحه من جدلية في المقولة التالية، مع الآخذ بالاعتبار خاصية انتساب خارطة الطريق، فان حقوق الانسان قد تكون العملة السياسية الاكثر قيمة في الوقت الراهن، ولهذا السبب بالضبط تحاول الدول المجرمة وكذلك واللاعبون السياسيون الاستيلاء عليها، والامم المتحدة باعتبارها الحارس المؤتمن على حقوق الانسان قد مهدت الارض لهذا التدمير، وهي الجسم القائم حاليا على معارضة اللاسامية قد استخدمت في السابق كعربة عالمية رئيسة ضد السامية، انها لا سامية الى الحد الذي يتواصل فيه في اورقة الامم المتحدة اتخاذ الاجراءات الكبيرة التي تتطلب الكثير من الجهد لأضفاء صبغة الشيطان الشرير على اسرائيل وبالتالي تدمير الدولة اليهودية .

لا يقف اتهام الهيئة الدولية عند هذا الحد بل ينتقل الى حلقة اخرى في ذات السلسلة التي تترابط حلقاتها بالاقتران بخارطة الطريق حيث تشير آني بايفسكي الى ممارسات واهداف مزعومة للامم المتحدة بقولها، وباختصار ان الامم المتحدة هي الأم لخارطة الطريق وتقوم بالتهيئة والتغذية للعداء للسامية حيث يتم انكار الضحايا اليهود بشكل روتيني ويستبدلون بالضحية الفلسطيني الذي يدعى بانه يعيش تحت الاضطهاد العنصري الاسرائيلي بنموذجية النازي، ان هدف الامم المتحدة الانتفاض من دور المفاوضات والتدخل لمصلحة الضحية الفلسطيني على ارضية ان الاحتلال الاسرائيلي يشكل الجذر المسبب للنزاع وذلك من أجل فرض حلول محددة مسبقاً على مرتكب الجرم الاسرائيلي وهذه هي خطة الطريق التي تخدم الآن خطة العمل هذه .

تمثل نظرة اني بايفسكي الى دور الولايات المتحدة المدخل الصحيح لفهم الموقف الذي عبرت عنه تجاه الهيئة الدولية، فهذا الرفض المطلق للدور المناط بالامم المتحدة يقابله عدم الرضى من التوجهية الاممية للسياسية الخارجية الامريكية وضمن هذا السياق تضع آني بايفسكي المنطلق الاشكالي للدور الامريكي بالتنويه بان التبني الامريكي لخارطة الطريق يمثل تحركاً زلزالياً في موقف الولايات المتحدة وهي تطرح الجدلية التالية:-

- ان سياسة الامم المتحدة المتبعة لمدة طويلة اعتمدت على الدفع بحلول مفروضة وليس حلولاً تفاوضية يمكن هضمها بالكامل، ان التغيير قد حصل في الفترة من خريف عام 2001 وحتى نهاية عام 2002 . - اشكالية الموقف الامريكي تنبع بالاساس من انتهاج الولايات المتحدة لدور قيادي ومباشر في الشرق الاوسط، كما هو الحال في العراق، في الوقت الذي تتخلى فيه للجنة الرباعية واجندة الامم المتحدة عن الدور الريادي الاساس المتحكم في سياق النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي . - توافق المصلحة الامريكية في دور اللجنة الرباعية مع اضفاء صبغة توجهية الامم المتحدة على السياسة الخارجية الامريكية .

وانسحاباً على هذه الجدلية فان آني بايفسكي تحاسب الموقف الامريكي في الامم المتحدة بالاشارة الى الفترة الممتدة ما بين 12 آذار وحتى 19 نيسان 2002 باعتبار ان الولايات المتحدة سمحت أو انها دفعت بفعالية اقرار اربعة قرارات لمجلس الأمن الدولي تتعلق بالنزاع الفلسطيني – الاسرائيلي، وتشير ايضاً الى فشل الولايات المتحدة في 24 ايلول 2002 بنقض قرار آخر لمجلس الأمن . وعلى ذلك فانها تخلص الى الاستنتاج بان المسؤولين الامريكيين قاموا بالتضحية باسرائيل من اجل الحصول على قرار يمهد الطريق لاستصدار قرار من مجلس الأمن حول العراق . في معرض قرائتها لخارطة الطريق تنطلق آني بايفسكي من توجيه التحذير بقولها ان كل المؤشرات المحيطة بولادة خارطة الطريق يتوجب ان توقظ في الاسرائيليين الشعور الدفاعي .

وتدرج المأخذ التالية: - تعارض خارطة الطريق مع كلمة الرئيس جورج بوش بتاريخ 24 حزيران 2002 . - الانتقال من النبضة الى التوازي ومن ضرورة وقف الارهاب الفلسطيني اولاً الى تنفيذ الواجبات بالتوازي - تمييع مبادىء التنفيذ المرتكز على السيرورة من خلال اللجوء الى وضع جدول واهداف محددة بتواريخ ومن خلال تصميم عملية المراقبة والتي نظريا قد تدفع العملية الى الامام بغض النظر عن الالتزام . - لا تصر خارطة الطريق على الزامية وجود قيادة فلسطينية جديدة . - تهميش تفاصيل متطلبات محاربة الارهاب واحتوائها على الاحتمال الواعد بقبول شرعنة السلاح غير القانوني . - توفر خارطة الطريق التساوي الاخلاقي بين التحريض الفلسطيني وما يدعي بالاسرائيلي . - الانتقال من الدعم الامريكي المشروط الى الالتزام الثابت باقامة دولة فلسطينية مستقلة كجزء من سلسلة خطوات متفق عليها .

ورغم هذه القائمة الطويلة من المأخذ فان الدكتوة آني بايفسكي تتحدث عن الألغام الماثلة في خارطة الطريق وفي مقدمتها موقف الامم المتحدة الذي يرى في التحفظات الاسرائيلية الاربعة عشر لا وضع لها وانها غير ملزمة باية طريقة كانت ولا يوجد للامم المتحدة ادنى علم بضمانات امريكية تتعلق بهكذا تحفظات، وتشير آني بايفسكي الى تشديد الجانب الاسرائيلي بان خارطة الطريق ليست وثيقة قانونية وان بنودها كما تواريخها غير واقعية وتدعي باقرار كافة الاطراف بان لا محاولة جرت لضمان التواصل بين خارطة الطريق وما قبل اتفاق اوسلو أو ما بعده من اتفاقات مرحلية قانونية. ان ما تثيره آني بايفسكي في النقاط الثلاث آنفة الذكر بما يتعلق بالطعن بالوضع القانوني والتواصل لا يعتمد على أساس حيث ان كلا العنصرين ماثلان فيما تضمنته الوثيقة في مقدمتها وكما في الفقرة الثالثة ... ستؤدي التسوية التي سيتم التفاوض عليها بين الطرفين الى انبثاق دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية، قادرة على البقاء، تعيش جنباً الى جنب بسلام وأمن مع اسرائيل وجيرانها الآخرين وسوف تحل التسوية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني وتنهي الاحتلال الذي بدأ عام 1967، بناء على الاسس المرجعية لمؤتمر قمة مدريد، ومبدأ الارض مقابل السلام وقرارات الامم المتحدة 242 و 338 و 1397، والاتفاقات التي تم التوصل اليها سابقاً بين الطرفين، ومبادرة ولي العهد السعودي الامير عبد الله، التي تبنتها قمة الجامعة العربية في بيروت، الداعية الى قبول اسرائيل كجار يعيش بسلام وأمن، ضمن تسوية شاملة . ان هذه المبادرة عنصر جوهري في الجهود الدولية للتشجيع على سلام شامل على جميع المسارات، بما في ذلك المساران السوري – الاسرائيلي واللبناني – الاسرائيلي .. (20)

في الاشارة الى اللغم الرابع بالسخرية من أي ارتباطات عاطفية متلاشية وخاصة عند الحديث عن توافق خارطة الطريق لخصائص السيادة التي ستتطابق مع الدولة الفلسطينية في المرحلة الانتقالية، ومع وضوح النص المتعلق بالتطابق في نص البندين الاخيرين من المرحلة الاخيرة وتحديداً التواصل الجغرافي والدور الدولي المعزز في المراقبة والاعتراف بالدولة الفلسطينية والعضوية في الامم المتحدة . وكما في اللغم الثالث ففي تناولها للغم الرابع فان الدكتورة بايفسكي تشير الى اقامة الدولة الفلسطينية عبر عملية تفاوض اسرائيلي فلسطيني وتغفل ان النص المشار اليه في نهاية المرحلة الثانية اقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة عبر عملية تفاوض اسرائيلي – فلسطيني، يطلقها المؤتمر الدولي، وكجزء من هذه العملية، تطبيق الاتفاقات السابقة لتعزيز اقصى حد من التواصل الجغرافي، بما في ذلك اجراءات اضافية بشأن المستوطنات مع اقامة دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة .

وكذلك فان الدكتورة بايفسكي تضع اسقاطاتها على ألسنة المسؤولين الاسرائيليين الذين تصفهم بانهم يضعون ثقتهم لتفادي النتائج المفروضة في الكلمات الموجودة في آخر المرحلة الثانية، وكذلك كلمات المرحلة الثالثة، ونحن قد بينا النص المشار اليه في الشق الأول في المقولة ولا ضير لو اننا احتكمنا لنص البند الأول من المرحلة الثالثة .. المؤتمر الدولي الثاني تعقده المجموعة الرباعية، بالتشاور مع الطرفين، مطلع عام 2004 للمصادقة على اتفاق يتم التوصل اليه حول الدولة الفلسطينية المستقلة ذات الحدود المؤقتة والاطلاق الفعلي لعملية تحظى بدعم فعال متواصل، وعملياتي من قبل المجموعة الرباعية، تؤدي الى حل دائم لقضايا الوضع النهائي عام 2005، بما في ذلك الحدود، والقدس، واللاجئون، والمستوطنات، ودعم التقدم نحو تسوية شرق اوسطية شاملة بين اسرائيل ولبنان، واسرائيل وسورية، والتي ستتم باسرع وقت ممكن.

بالاعتماد على ذلك كله فان اشارة آني بايفسكي لموقف الامم المتحدة القاضي بان المصادقة الاسرائيلية ليست مطلوبة لتأسيس الدولة الفلسطينية، على غاية من الوضوح والجلاء .

* وثيقة اتفاق جنيف في تناوله لوثيقة اتفاق جنيف باطروحته المعنونة اتفاقية جنيف: تقييم استراتيجي ينطلق ياكوف أميدرور، عميد احتياط، الرئيس السابق لقسم البحث والتقييم في الجيش الاسرائيلي، من فرضية ان نموذج اتفاقية جنيف لا يمكن تبنيه من أي اسرائيلي مهتم بأمن ومستقبل الدولة اليهودية (21)، ومن هذه الفرضية يبلور منطلقات اطروحته المعنونة "اتفاقية جنيف: تقييم استراتيجي "ليطرح الجدلية التالية:-

- الوفد الاسرائيلي التفاوضي ذاتي التعيين الذي يزعم التحدث باسم غالبية الاسرائيليين توصل لاتفاق مع وفد فلسطيني، وهذا الاتفاق الغي تقريباً كافة الترتيبات الامنية التي سعت الحكومات الاسرائيلية السابقة لترتيبها في الضفة الغربية وقطاع وغزة . - مهندسو اتفاق جنيف من الجانب الاسرائيلي لم يتعلموا شيئاُ من تجربة انهيار اتفاقات اوسلو، فاتفاق جنيف ترك اسرائيل بلا شبكة أمان في حال خرق الاتفاقية من الجانب الفلسطيني . - وافق مهندسو اتفاقية جنيف على طرد اكثر من 100.00 يهودي اسرائيلي من المناطق . - باسم الشعب اليهودي تنازل فريق جنيف الاسرائيلي عن السيادة على جبل الهيكل، الموقع الاكثر قداسة في التاريخ اليهودي، مما يشكل تأثيراً كبيراً على المفترضات المستقبلية طويلة الأمد لتخلي الحركة الصهيونية عن القدس . - بالاعتماد على اتفاقية جنيف، فان الاسرائيليين يعترفون للمرة الاولى بالحق الفلسطيني بالعودة الى اسرائيل ما قبل 1967، وفي المقابل فان الفلسطينيين وافقوا على ان ليس كل الفلسطينيين سيعودون الى اسرائيل .

في التعرض للتنازلات الاسرائيلية يلجأ ياكوف اميدور الى ادراج ما يتحدث عنه من تنازلات في خانات ثلاث: أولها بما يتعلق بالقدس، وثانيها بما يخص الضفة الغربية وقطاع غزة وختامها الترتيبات الأمنية . يعتقد العميد إحتياط ياكوف اميدرور بان الاسرائيليين قد اتخذوا خطوة لم تقدم عليها أي حكومة اسرائيلية من قبل، فقد نقلوا السيادة على جبل الهيكل في القدس الى الفلسطينيين، وبذلك يتم تأسيس الصهيونية بدون صهيون مما يعتبر تنازلاً ايدلوجيا ينسحب على القيم الفردية، وفي تبيان اثر التنازل الايدلوجي يرى أميدور بان اتفاق جنيف يتيح للفلسطينيين نصرهم النهائي في الموضوعة الاساسية لجوهر الصراع، والتي اثاروها منذ بداية الهجرة اليهودية بالتساؤل عن طبيعة عودة اليهود لما يفترض بانه وطن تاريخي أو انهم حضروا كمحتلين اجانب، ولا يفوت ياكوف اميدور التنويه الى ان اسرائيل لم تفرض سيادتها على جبل الهيكل منذ بداية تأسيسها وحتى الخامس من حزيران 1967، ويشير الى وجود عدد كبير من الاسرائيليين الذين يرون في جبل الهيكل موضوعاً لمتطلبات اكثر براجماتية باعتبار أن اصباغ الصفة الرسمية للسيادة الفلسطينية ما هو الا تحويل للترتيبات المؤقتة الموجودة منذ العام 1967، الى ترتيبات دائمة، حيث أن الوقف الاسلامي الذي كان بالأصل يتبع للاردن والان فلسطينياً، هو بالفعل من يقرر كيف تسير الأمور في الحرم القدسي الشريف وليس دولة اسرائيل .

في استخلاصه الاستنتاجي للتنازلات الاسرائيلية في القدس، والحرم القدسي يذهب ياكوف اميدرور الى حد القول، ان نموذج اتفاق جنيف يحتوي على النسخة الاكثر تطرفاً لهذا النهج، لانه يتنازل عن المكان الاكثر أهمية في التاريخ اليهودي، ويسوق الدليل بعدم وجود ممثلين يهود في المجموعة الدولية المكونة من مجموعة التنفيذ والتحقق (الرباعية) واطراف اخرى ضمن التواجد متعدد الجنسيات داخل الحرم القدسي الشريف للاشراف على قضايا الأمن والصيانة والترميم (22) .

في الاشارة الى الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية وقطاع غزة باعتباره التنازل الرئيسي الثاني ينوه ياكوف اميدرور الى أن موقعي وثيقة جنيف الاسرائيليين بما يخص الارض اتخذوا خطوة رئيسة أبعد من التنازلات المقدمة من قبل حكومة ايهود باراك وعلى ضوء هذه المقولة يدرج الجدلية التالية:-

- من كافة الكتل الاستيطانية تبقي اتفاقية جنيف على تلك المحيطة بالقدس بشكل رئيسي، بينما تعطي التنازل بالانسحاب من منطقة اريئيل مما سيزيد بشكل دراماتيكي عدد المستوطنين الاسرائيليين الذين سيجبرون على الترحيل أو الطرد من بيوتهم ؟ - اتفاقية جنيف ستترك الاراضي المرتفعة المطلة على مدينة تل ابيب الكبرى تاركة الشريط الساحلي لمركز اسرائيل بسكانه ومقدراته الصناعية، مكشوفاً بالكامل بدون أي عمق استراتيجي . - نقل اخدود نهر الاردن الى الفلسطينيين، يترك اسرائيل بدون مقدرة للدفاع عن نفسها من الشرق . في الاستخلاص الاستنتاجي يشير العميد احتياط أميدرور الى الاثر العملي للانسحاب الاسرائيلي من الاراضي الفلسطينية على الأمن الاسرائيلي وايضاً باثره على الاعداد الكبيرة من المستوطنين الذين سيجبرون على مغادرة المستوطنات، وينوه الى أن أي تنازل فلسطيني في الاراضي مهما كان صغيراً يعوض بالكامل بمثل ما يساويه من الاراضي غير المأهولة داخل دولة اسرائيل . وعند الحديث من الترتيبات الامنية فلا يجد ياكوف في المادة الخامسة المخصصة للأمن في وثيقة اتفاق جنيف ما يستحق الاشادة به سوى الترتيب الوحيد المتعلق بحق استخدام سلاح الجو الاسرائيلي للمجال الجوي الفلسطيني لاغراض التدريب . وانطلاقاً من هذه المقولة يدرج اميدرور النقاط التالية:-

- وثيقة اتفاق جنيف لا تحتوي شبكة أمان فعلية في الترتيبات التي تضمنتها . - وثيقة جنيف تقدم لاسرائيل محطتين للانذار المبكر معزولتين وليستا ذات اهمية .. - ان الترتيبات الامنية التي تضمنتها وثيقة اتفاق جنيف تنحرف عن التي حملتها المسودة التي تقدمت بها حكومة باراك في محادثات كامب ديفيد . - في الجوهر تم التغاضي عن كافة المتطلبات الامنية الاسرائيلية، وقد استبدلت بفكرة نشر قوة وجود عسكري اجنبي والتي يتم الاشراف عليها من قبل اللجنة الدولية الموكل اليها تطبيق الاتفاقيات .

ينوه ياكوف اميدرور الى أن وثيقة اتفاق جنيف لا تتضمن ما يشير الى نشر القوات الاسرائيلية في وادي الاردن ولا حتى التواجد الاسرائيلي على الحدود بين فلسطين ومصر أو الاردن وكذلك عدم التواجد الاسرائيلي على نقاط العبور الدولية أو في المطارات او المرافىء الفلسطينية . في معرض تناوله للتنازلات الفلسطينية، فان العميد احتياط ياكوف اميدرور يطرح التساؤل الذي يفيد بعدم تنازل الفلسطينيين مقابل التنازلات الاسرائيلية وعلى ذلك فانه يدرج اللاتنازلات الفلسطينية التالية:- - لا ارضية لادعاء مهندسي وثيقة اتفاق جنيف الاسرائيليين بالقول باسقاط المطلب الفلسطيني بحق العودة للاجئين الفلسطينيين الى اسرائيل ما قبل 1967 .

تواصل الاصرار الفلسطيني على مطلب حق العودة بشقيه:- أ‌- الموضوع من حيث المبدأ، ويعني الاعتراف بوجود مثل هذا الحق . ب‌- طريقة التنفيذ وتعني الكم العددي من الفلسطينيين الذين سوف يمارسون هذا الحق اذا تم تخويله لهم . - الانجاز الرئيسي لاسرائيل في وثيقة اتفاق جنيف يكمن في وضع حاجز امام حق الفلسطينيين بالعودة، فمقابل التخلي الفلسطيني عن مطلبهم بالسماح لكافة اللاجئين بالعودة حصلوا على الاعتراف الاسرائيلي بممارسة الحق ولكن ليس باعداد كبيرة . كما في استخلاصاته الاستنتاجية السابقة فان العميد احتياط ياكوف أميدرور يشير الى نصف الكأس معتبراً مقترحات وثيقة جنيف حول اللاجئين ما هي الاّ مصيدة محكمة لاسرائيل فاذا قامت اسرائيل برفض التنفيذ الكامل لقرارات اللجنة الدولية بخصوص ممارسة حق العودة لعشرات أو مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين للاراضي الاسرائيلية فان الجانب الفلسطيني يحتفظ بحقه اعتماداً على وثيقة اتفاق جنيف في الاستمرار في النزاع وما يترتب عليه من نضال كما فعلوا سابقاً قبل التوقيع على الاتفاقية .

* الانفصال احادي الجانب في اطروحته "الانفصال احادي الجانب كضمانة لخارطة الطريق". ينطلق جيرالد ستينبرغ، مدير برنامج ادارة النزاع والتفاوض في جامعة بار ايلان والمحرر المسؤول للمرصد الاسرائيلي للمنظمات الأهلية، من جدلية افضلية الانفصال الاسرائيلي احادي الجانب المرتكز على الاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري القائم في قلب الاراضي الفلسطينية، ليرسم صورة بمكونات ناتجة عن الدمج التماثلي الخيالي من استوديو الاكاديمية الصهيونية باحتوائها على عناصر بالاساس من خارج الواقع المبتغى والتوخى، وهذه التماثلية تحتوي المكونات التالية:-

- اقامة جدار الفصل يحوز على تأييد 70% من الجمهور الاسرائيلي . - ان الانفصال احادي الجانب قدم بديلاً على المدى القريب والذي يسمح بادارة النزاع. - ان الكلمات والجمل في شكل الاعلانات والوعود والجولات التالية من الاتفاقيات وكما هو الحال في اتفاق اوسلو، سريعة الزوال ولكن البناء المادي لجدار الفصل له تأثير فوري ومحسوس . - ان اقامة جدار فصل متكامل وحدود أمر واقع سيضعف الموقف الفلسطيني الذي يهدف الى اعادة مراجعة خطة الامم المتحدة لتقسيم فلسطين لعام 1947، وجعل قيام الدولة اليهودية غير قابل للتحقيق (24) .

يحدد جيرالد ستينبرغ المنطلق الأساس لاطروحته بالاشارة الى ان التأييد للانفصال سواء على اساس اتفاقية يتم التفاوض عليها أو باجراء اسرائيلي احادي الجانب هو نتاج لعملية الدفع باتجاه الاعتراف بالخطر الديمغرافي الذي يهدد الطبيعة اليهودية والديموقراطية للمجتمع الاسرائيلي، ويسوق اقتباساً تعزيزياً من تصريح ادلى به مؤخراً اريئيل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي يقول فيه: ان غالبية السكان في كيانية سياسية واحدة ما بين البحر الابيض المتوسط ونهر الاردن، قريباً ستكون فلسطينية. وتبعاً لذلك فان المجموعة السكانية اليهودية سوف تجبر على قبول وضعية الاقلية في دولة عربية والى حد كبير ذات صبغة اسلامية، وهذا يترتب عليه اعادة تقييم انجازات الحركة الصهيونية واعادة تأسيس حق تقرير المصير اليهودي.. رغم ان الاقتباس التعزيزي بحد ذاته يحمل امكانية الانطلاق من النقطة الصحيحة فان جيرالد ستينبرغ، امتثالاً للصورة التماثلية التي رسمها، وظف الاقتباس في النقطة الخطأ ليواصل السير به ومجموع الاطروحة الى الاستخلاصات والاستنتاجات الضدية والتعاكسية . في الحديث عن منطق الانفصال احادي الجانب وبالمقارنة التي يعقدها بين الاسلوب الرسمي بمواصفاته المحددة والاجراءات احادية الجانب يرى جيرالد ستينبرغ ومن جانب الشق الثاني من المقارنة بان الاسلوب غير الرسمي والذي يرتكز على التقليل من الاختلاف والاحتكاك اكثر واقعية في فض النزاعات، ولكن هذا المنطق الذي يسوقه ستينبرغ في الدفاع عن الاجراءات احادية الجانب للانفصال بالارتكاز على جدار الفصل العنصري، يأخذ نهجاً لا منطقياً عند الزج القسري للمثال القبرصي وبمغالطة كبيرة من خلال القول، ان البيئة القبرصية ايضاً تحوي الاحقاد القديمة والتحريض الديني والحروب والارهاب ومناطق محتلة ومطالب اللاجئين وايضاً المستوطنات والمستوطنين، وهذا المثال القبرصي المقحم في سياق منطق، مثال غير موضوعي ولا يعتمد على أي منطق فالمشكلة القبرصية لا ترتبط باية علاقة بالقضية الفلسطينية ولا تحمل أي تشابه بأي وجه من الوجوه ولا حتى في السياق التاريخي العام .

يشير جيرالد ستينبرغ الى المسارات قيد التنفيذ لجدار الفصل العنصري ولارتباطها بالعامل الأمني باعتبار ان النظام المتكامل من الحواجز والذي يتضمن القطاع الشرقي الممتد من بيسان وحتى البحر الميت داخل الاراضي الفلسطينية سوف يوفر مصدراً مهماً للحماية من التسلل وعلى ذلك يحدد المسارات قيد التنفيذ بالتالية:- - الحد الأعلى ويضم غالبية المستوطنات الاسرائيلية بالضفة الغربية . - الحد الادنى وبشكل عام يتبع الخط الاخضر بانزلاقات نحو الشرق في الاراضي الفلسطينية . - مسار الوسط ويضم كتلاً استيطانية حددتها حكومة باراك في مباحثات كامب ديفد في تموز 2000 . تتناول الاطروحة جدار الفصل العنصري ببعديه الاقتصادي السياسي، وفي الجانب الاقتصادي يتم الحديث عن افضلية اقتصادية ضمن الجدلية التالية:- - بناء جدار الفصل سيقود الى احداث تخفيضات في تكلفة الاعباء الأمنية . - التكلفة الاولية 2.5 مليون دولار لكل كلم . - سيجري تنظيم المعابر بين المجتمعين الاسرائيلي والفلسطيني، مما يتطلب وجود ممرات رسمية خلال نقاط العبور للحدود الرسمية .

عند الحديث عن الابعاد السياسية يذهب جيرالد ستينبرغ الى حد القول، ان مثل هذا الفصل احادي الجانب سيحقق عدة اهداف تم السعي لتحقيقها خلال اتفاقات اوسلو الفاشلة، وعلى ذلك يطرح الجدلية التالية:- - انشاء حدود وانهاء المسؤولية الاسرائيلية المتبقية على السكان الفلسطينيين وسيكون بامكان اسرائيل انشاء حدود سياسية وامنية واضحة . - فك الارتباط احادي الجانب سيشجع على انشاء دولة فلسطينية مما سيقود الى اجراءات تعاون وظائفية مع اسرائيل وبالتالي عودة المفاوضات من اجل التوصل الى حل رسمي ومتفق عليه للنزاع .

في جملة الاستنتاجات التي خلص اليها جيرالد ستينبرغ، كما في الافتراضات والمنطلقات اصرار على عدم الاقرار بالشرعية الدولية وبمرجعية عملية السلام وضرب بعرض الحائط لارادة المجتمع الدولي فهذه الخلاصة الاستنتاجية التعاكسية لا ترى في الاراضي الفلسطينية بالضفة الغربية ومن ضمنها مدينة القدس العربية وقطاع غزة الاّ ميداناً للاقتسام وليست اراضٍ يتوجب الانسحاب منها الى خطوط صبيحة الرابع من حزيران 1967 انصياعاً لقرارات الامم المتحدة ذات الصلة وتفكيك كافة المستعمرات الاستيطانية والتوقف عن كافة الاجراءات احادية الجانب سواء ما يتعلق ببناء جدار الفصل العنصري أو ما يطال الاراضي الفلسطينية من مصادرات وتجريف وتخريب .

ملاحظات وهوامش (1) اخفاق الادراك والخداع الذاتي: المسعى الاسرائيلي للسلام في سياق ارتباط الحالات التاريخية . جوئيل فيشمان – جروزاليم لينز/ فيو بوينت رقم 450/15 آذار 2001 اصدار مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة . (2) الورقة البيضاء – تشرين الثاني 2000 لم تحمل الورقة البيضاء تعريفاً بواضعها والذي اشارت اليه وسائل الاعلام الاسرائيلية بالعقيد ليرنر من شعبة الاستخبارات العسكرية ولم تنوه الى حقيقة انها وثيقة حكومية . تدرج الوثيقة الخروقات الفلسطينية بالتالية: - الاستخدام المباشر للعنف . - موقف متأرجح تجاه الارهاب . - الفشل في تجميع السلاح غير القانوني . - التحريض على الكراهية . - تضخم حجم قوة الأمن الفلسطينية . - تجاوز عمل الاجهزة الامنية الفلسطينية للحدود المتفق عليها . - الاستخدام غير القانوني لمطار غزة . - القيام بممارسة العلاقات الخارجية خرق للاتفاقيات المرحلية . - القيام بنشاطات اجرامية على مستوى كبير ومن ضمنها سرقة السيارات وممارسة الاحتيال الضريبي . - الفشل في حماية الاماكن اليهودية المقدسة في نابلس واريحا . 3) العهد المنقوض للسلام الديمقراطي: اسرائيل والسلطة الفلسطينية. جوئيل فيشمان – جروزاليم ليتر/ فيوبونيت رقم 477/1أيار/2002 اصدار مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة . 4) ابراج عاجية فوق الرمال - مارتين كرامر – معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى، 2001 . 5) ياسر عرفات .. ذخر أم عبء وثيقة/ جهاز الامن العام الاسرائيلي/ 15 تشرين اول – اكتوبر 2000 موجز بتصرف عن معاريف بتاريخ 6/7/2001 موقع مركز معلومات الجزيرة 6) النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين: تحليل منطقي ياكير بلسنير – جروزاليم ليتر/ فيوبوينت رقم 448/15 شباط2001 اصدار مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة . 7) الحدود الدفاعية لاسرائيل دوري جولد – جروزاليم لتير/ فيوبوينت رقم 500/15 حزيران 2003 اصدار مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة . 8) من مناطق محتلة الى مناطق النزاع دوري جولد – جروزاليم ليتر/ فيوبوينت رقم 470/16 كانون الثاني 2002 اصدار مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة . 9) محاولة لفهم انهيار المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية جوناثان هاليفي – جيروزاليم ليتر/ فيوبوينت رقم 486/ 1 تشرين اول 2002 اصدار مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة . 10) ما بعد الصهيونية وما بعد الانسانية شالوم فريدوم – رأي/ جروزاليم بوست اون لاين 9 تشرين الثاني 2003 . 11) الاجابة على الاعداء الجدد للصهيونية: حقوق الشعب اليهودي في دولة ذات سيادة بوطنه التاريخي . دوري جولد – جيف هيلمريخ/ جروزاليم فيوبوينت رقم 507/16 تشرين الثاني 2003 . اصدار مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة 12) قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 273 (الدورة 3 بتاريخ 11 أيار 1949 .. إذ تذكر قراريها الصادرين في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 وفي 11 كانون الاول (ديسمبر) 1948، واذ تأخذ علما بالتصريحات والايضاحات التي صدرت عن ممثل حكومة اسرائيل امام اللجنة السياسية الخاصة، فيما يتعلق بتطبيق القرارات المذكورة . فان الجمعية العامة، عملاً بتأدية وظائفها المنصوص عليها في المادة 4 من الميثاق والقاعدة 125 من قواعد الاجراءات . 1- تقرر ان اسرائيل دولة محبة للسلام، راضية بالالتزامات الواردة في الميثاق، قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة في ذلك . 2- تقرر ان تقبل اسرائيل عضواً في الامم المتحدة . 13) الاعتراف الدولي باعلان احادي الجانب للدولة الفلسطينية: المأزق القانوني والسياسي طال بيكير- دراسة تعتمد على خلفية بحث لمكتب المستشار القضائي في وزارة الشؤون الخارجية الاسرائيلية / موقع مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة Jcpa.org/art/becker3.htm 14) هانس كلين، مباديء القانون الدولي 1976 هـ . لوتير باخت، الاعتراف في القانون الدولي 1947 جايمس كراوفورد، تاسيس الدول في القانون الدولي 1979 15) اللجنة الخاصة للامم المتحدة حول فلسطين توصيات مقدمة للجمعية العامة 3 ايلول 1947 16) الأوجه القانونية لقضية اللاجئين دوث لا بيدوث – جروزاليم ليتر/ فيوبوينت رقم 485/ 1 أيلول 2002 اصدار مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة . 17) قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 194 لعام 1948 البند 11، الفقرة الثانية .. وتصدر تعليماتها الى لجنة التوفيق بتسهيل اعادة اللاجئين، وتوطينهم من جديد، واعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير اغاثة الامم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة في الامم المتحدة . 18) كيفية مساعدة اللاجئين الفلسطينيين في الوقت الراهن سكوت لاسينسكلي – جروزاليم ليتر/ فيوبوينت رقم 491/ 2 شباط 2003 اصدار مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة . 19) الامم المتحدة والهجوم على شرعية اسرائيل: متضمنات خارطة الطريق آني بايفسكي – جروزاليم فيوبوينت رقم 501/1 آب 2003 اصدار مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة 20) خارطة الطريق 21) اتفاقية جنيف: تقييم استراتيجي ياكوف أميدرور – جروزاليم ايشو بريف (عدد 3 رقم 9) 4 كانون اول 2003 اصدار مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة 22) وثيقة اتفاق جنيف 23) الانفصال أحادي الجانب كضمانة لخارطة الطريق جيرالد ستينبرغ – جروزاليم فيوبوينت رقم 502/15 أب 2003 اصدا مركز القدس الاسرائيلي للشؤون العامة 24) الموقف الفلسطيني من قرار الجمعية العامة للامم المتحدة 181 لعام 1947 المعبر عنه بوثيقة اعلان الاستقلال 15 تشرين الثاني 1988 الفقرة السابعة بالقراءة الكاملة . .... ومع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني بتشريده، وبحرمانه من حق تقرير المصير، اثر قرار الجمعية العامة رقم 181 عام 1947 الذي قسم فلسطين الى دولتين، عربية ويهودية، فان هذا القرار ما زال يوفر شروطاً للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني .

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required