مفتاح
2024 . الإثنين 1 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بكل انتهاكاته اليومية والمتواصلة بحق الفلسطينيين، وسلب الروح الفلسطينية وباغتصاب الأرض والماء سواءً بالمصادرة أو بجدار الضم والتوسع، بل وضمن إستراتيجيته وسياسته التهويدية يحاول جاهداً سلب تاريخنا وهويتنا الثقافية ونسبها له، من أجل تحقيق أهدافه ومآربه، بتحويلنا في نظر العالم من شعب صاحب قضية وحقوق ثابتة إلى شعب بلا هوية ولا ثقافة، فيما يحظى الشعب الإسرائيلي بالتمييز الثقافي الفريد على حسابنا.

وفي هذا السياق يندرج قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالأمس باستهداف الحرم الإبراهيمي في الخليل ومحيط مسجد بلال بن رباح المعروف بقبة راحيل في مدينة بيت لحم، وضمها إلى ما يعرف بقائمة "المواقع الأثرية الإسرائيلية" التي تدعيها، في تحد صارخ لكل الجهود والمساعي التي تبذلها السلطة الوطنية وقيادتها لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وتدلل في ذات الوقت على عدم وجود أي نية لدى دولة الاحتلال، بالوصول إلى حل سلمي ينهي النزاع القائم.

فإسرائيل لم تتوقف يوماً عن انتهاكاتها بحق الأماكن الأثرية والدينية، فهي تواصل سرقة الآثار والتاريخ وتستمر في التنقيب والحفر تحت البلدة القديمة بمدينة القدس المحتلة والتي أدت مؤخراً إلى انهيار أرضي عند مدخل سوق باب خان الزيت أحد الأسواق الرئيسة في مدينة القدس، ومن قبله كان تدمير حي المغاربة في المدينة بالكامل من أجل توسعة حائط البراق ليتعبد فيه اليهود، فيما أقدمت على حرق المسجد الأقصى عام 1969 أمام مرأى العالم أجمع، واعتدت على كنيسة المهد وأحرقت أجزاء كبيرة منها على مدار 40 يوما من الحصار والقصف المتواصل في اجتياح نيسان 2002، ومؤخرا ًتسعي لاستبدال حدائق توراتية بحي سلوان، كل هذه دلائل واضحة على عدم احترام المقدسات الدينية للفلسطينيين سواءً مسيحية أو إسلامية، وهي في ذات الوقت ذات طابع تاريخي وتراثي، بالإضافة إلى مواصلة مصادرة الأراضي، وطرد المقدسيين ومصادرة هوياتهم، وتهويد القدس، حتى الحرم الإبراهيمي فقد استولت على أجزاء كبيرة منه، وعمدت إلى تقسيمه ومنعت الفلسطينيين من دخوله والصلاة فيه.

وهذه المحاولات إنما تأتي وفي غفلة من العالمين العربي والدولي، بمثابة التزييف للتاريخ والهوية الدينية ومسح لمعالم الوجه العربي والثقافي للمدن الفلسطينية الأثرية والدينية منها، دون أي اعتبار لأية قوانين أو مواثيق دولية تحمي هذه المواقع، تحت صيغة فرض أمراً واقعاً على الأرض، من أجل تهميشنا كشعب وإنكار لوجودنا وجذورنا عبر السنين الممتدة على هذه الأرض المقدسة منذ مئات السنين، وإسناد تاريخ مزعوم لشعب جاء من مختلف أصقاع البسيطة لفلسطين قبل عشرات السنين، وسعى لإثبات يهودية البلاد، وحقه التاريخي فيها.

وليس مفاجئاً ولا غريباً أن يأتي هذا القرار في الذكرى 16 لمجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها السفاح المجرم باروخ جولدشتاين، وراح ضحيتها عشرات المصليين الفلسطينيين، والتي تصادف ال25 من الشهر الجاري، في صورة واضحة للغطرسة الإسرائيلية والتمادي في الطغيان والعبث دون أي اعتبار لمشاعر الفلسطينيين وحقوقهم الدينية والتاريخية، واستبداداً منه بسرقة تاريخ هذا الشعب إضافة إلى مقدراته، وتغييبه عن تاريخه وحضارته العريقة، سعياً منه لإخراجه من التاريخ والتراث الإنساني العالمي، فلا يكون له مكاناً في الماضي ولا الحاضر ولا المستقبل ويدخل سجلات النسيان.

لكن بلغ السيل الزُبى، فلا يمكن استمرار الصمت على مثل هذه الجرائم، والتي لا تقل خطورة بمكان عن انتهاكاته اليومية وسرقة الأرض ومصادرتها وتهجير السكان، فهي اقتلاع واضح وصريح لوجودنا التاريخي وعراقتنا وأصالتنا في هذه الأرض.

ومن هنا فإن هذه القرارات تدق ناقوس الخطر، في وجه العالم العربي والإسلامي والمسيحي، بضرورة التحرك والضغط على المجتمع الدولي وإنقاذ الشعب الفلسطيني وتاريخه وحضارته من براثن النسيان، وتوفير الحماية العاجلة لحماية المقدسات الدينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والعمل الجاد من أجل منع مصادرة الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح وتحويلهما إلى أماكن يهودية دينية، كما يتوجب على منظمة اليونسكو التدخل الفوري للحفاظ على الإرث التاريخي والإنساني والحضاري في فلسطين وفق اتفاقية لاهاي عام 1954 والتي دعت لحماية الممتلكات الثقافية والإرث الإنساني أثناء الحروب وتبعه عدة قرارات دعت إسرائيل لوقف اعتداءاتها على المقدرات الحضارية في فلسطين، إذ يتوجب وقف هذه السرقة العبثية والعلنية الإسرائيلية قبل فوات الأوان، وقبل أن نصبح شعباً على هامش التاريخ.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required