مفتاح
2024 . الإثنين 1 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

في خبر اهتزت له مشاعرنا ووجداننا، ونزل كالصاعقة على رؤوسنا ليس لأنه جريمة قتل بشعة، بل لأنه جاء نتيجة التمييز ضد المرأة، وأعاد في أذهاننا صورة الجاهلية الأولى، عندما كانت الإناث يوأدن لمجرد أن القدر اختار لهن أن يكن إناثاً، فما تلبث الأم أن تلد مولدتها، حتى يكون مصيرها تحت التراب، وهذا لم يكن بعيداً عن الصورة البشعة التي مثلت أمامنا بعد أكثر من ألف سنة.

حيث صُدمنا جميعاً مواطنون ومدافعون/ات عن حقوق الإنسان بجريمة قتل جديدة تعرضت لها شابة فلسطينية لم تتجاوز ال27 عاماً من قرية النصارية شمال غرب مدينة نابلس على يد زوجها عندما علم بأنها حامل بأنثى رغم أنها أنجبت له ذكرين وأنثى، ولكن كيف له أن يرضى وزوجة أخيه أنجبت 9 ذكور!!، ليكون هذا هو ذنبها الذي اقترفته وتضاف روحها وروح ابنتها البريئة إلى قائمة طويلة من النساء اللاتي دفعن عمرهن نتيجة العنف الأسري ضد المرأة والتخلف المجتمعي.

لا أريد حتى التطرق إلى عملية القتل الوحشية، بيديه المجردتين اللتان أطبقتا على أنفاسها، فلم تجدي صرخاتها وتوسلاتها لتعيش وتربي أبنائها، ولم يشفع لها أنها أم أولاده وحامل بإبنته، فلم تعرف الشفقة طريقها لقلبه المتحجر وهو يرى عيناها ترجوانه، لكن عقليته المتخلفة التي حولته لمجرم بل لوحش كاسر، أعمت بصره وبصيرته عن ما تقترفه يداه من إزهاق لروح زوجته وابنته البريئة التي لم ترى النور بعد، ولم تعرف من والدها سوى إنه هو من أنهى حياتها قبل أن تبدأها، فلم يكن لها حتى حق الدفاع عن نفسها ولم تتمكن أمها من حمايتها، فلو استطاعت لفتدها بروحها، لكنها كانت أضعف من ذلك بين يدي هذا القاتل المجرم، فخرت قواها وأسلمت روحها لبارئها، استسلمت لرحمة في السماء لم تجدها على الأرض، استسلمت بعد أن ذاقت مرارة العيش مع هذا المجرم الذي لم يتوانى لحظة عن ضربها وتعذيبها منذ أن عرف أنها تحمل له أنثى، فهو لم يجد فيها سوى آلة تطبخ وتنظف وتلد ذكوراً ليس إلا، وإذا ما أخطأت وحملت بأنثى لم تقررها هي فإن مصيراً واحدا ًبانتظارها.. ألا وهو الموت.

وإن أكثر ما يثير الأسى في هذه القصة بكل جوانبها المأساوية أنها تحدث في بلد يعج بالمؤسسات الحقوقية والإنسانية والنسوية التي تعمل ليل نهار وترفع مختلف الشعارات في كل المحافل للدفاع عن حقوق المرأة الإنسانة وسط كل ما تعانيه في مجتمعنا من تمييز واضطهاد وقبل كل ذلك الظلم والعنف، لكن بالفعل ليس هذا وحده ما ننحن بحاجة له، فنحن لسنا بحاجة لشعارات وورشات توعوية فحسب، إن جل ما نحتاجه هو مجموعة من القوانين والضوابط الرسمية لكبح جماح هؤلاء المجرمين الذين يستهينون بأرواح النساء.

وجدير بالذكر في هذا السياق التأكيد على أن مصادقة الرئيس الفلسطيني محمود عباس على اتفاقية سيداو الدولية يجب أن تترجم لفعل وأن لا تكون محض حبر على ورق، حيث أن الاتفاقية تلزم الدول الموقعة عليها باتخاذ خطوات ملموسة للقضاء على التمييز ضد المرأة.

فلماذا إذن ما زالت دماء النساء مستباحة؟؟، لماذا لم يتم العمل حتى الآن على تعديل قانون العقوبات الفلسطيني كونه إحدى الوسائل الرادعة لمثل هذه الجرائم ضد النساء ولحمايتهن من كافة أشكال العنف؟، ماذا تنتظر مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والنسوية بعد حتى تضع كل ثقلها من أجل إصدار تشريعات وإجراءات كفيلة بحماية النساء من مثل هذه الجرائم في أسرع وقت ممكن؟، وهل ستقف الجهات الرسمية والمسؤولة مكتوفة الأيدي بعد هذه الجريمة؟.

المهم الآن هو كيف سيكون تصرفنا بعد هذه المأساة، وهل ستدق ناقوس الخطر إيذاناً بعهد جديد من الحرية والعدالة، أم أنها ستدفن كما سابقتها، وكما غيرها ممن لم نسمع عنها حتى في مجتمعنا المنغلق، وسندفن معها رؤوسنا في التراب، لكي لا نرى عداد الموت الذي يحصد أرواح البريئاتمرة بحجة الشرف وغسل العار، ومرة لأنها أنثى أو تلد إناثا ً، فيا أيها الصامتون اين ضمائركم؟!!!

الآن نحن بانتظار تقديم القاتل للعدالة، لينال جزاءه الذي يستحقه بتطبيق أقسى عقوبة عليه ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه بالتمييز ضد المرأة أو تعنيفها أو اضطهادها، وكلنا ثقة أن القضاء والعدالة ستأخذ مجراها.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required