مفتاح
2024 . الإثنين 1 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

"اسمي خان"، هو اسم لفيلم هندي شاهدته قبل ما يقارب الأربعة أشهر لكنه ما زال عالقاً في ذهني، من بين كل الأفلام الهندية التي تمتاز بحظها الوفير من تندرنا وسخريتنا، وتعتبر مضرباً للفكاهة والمبالغة، فهو رغم كونه هندياً لكنه يختلف كثيراً عن ما اعتدنا رؤيته في الأفلام الهندية من مبالغات في مشاهد الحركة أو وصلات الرقص والغناء، فالفكرة الأساسية التي يحملها الفيلم هي التسامح وقبول الآخر، سواء مع من اختلفنا معه في الدين أو الشكل أو القدرات المادية والعقلية، من خلال تناول الفيلم لقضية التمييز العنصري ضد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، ورغم أن الحادثة تلك قد مر عليها أكثر من تسع سنوات، إلا أن معالجة الفيلم للموضوع كانت بصورة إبداعية ومبتكرة، ومرتبطة بالواقع انطلاقاً من حادثة بعينها، إلى واقع ملموس نعيشه في مجتمعاتنا بشكل عام العربية والغربية، ما ضمن للفيلم نجاحاً واسعاً على مستوى العالم.

فبطل الفيلم "رضوان خان" الذي يؤدي دوره الممثل الهندي نجم بوليوود شاروخان وعلى عكس أبطال الأفلام الهندية لم يكن شاباً فتياً مغواراً يصارع الأشرار بعضلاته، وإنما هو شاب عادي بل أقل من ذلك بكثير فهو مسلم من مومباي يعاني من مرض التوحد، وهو بهذا المرض يصارع العالم بقواه العقلية التي تقترب من تفكير الصغار ببراءتها وتجردها من كل الأفكار العنصرية المتعفنة التي تُزرع فينا خلال نشأتنا في مجتمعات تملؤها الفتنة والتمييز ضد الآخر المختلف عنا، فقد تلقى أول دروس التسامح على يد أمه الحكيمة التي قالت له عقب اندلاع أحداث العنف الطائفي بين المسلمين والهندوس "إن البشر نوعان فقط: أخيار وأشرار، وليس هناك أي تقسيم آخر من حيث اللون أو الدين"، وعلى هذا الأساس يتزوج عندما يكبر من سيدة هندوسية مطلقة ولديها طفل واحد، رغم معارضة عائلته، وتبنى هو ابنها الوحيد وأعطاه اسمه، وعاشا أوقاتاً هادئة حتى وقعت أحداث 11 سبتمبر، فتحرش زملاء ابن زوجته بالطفل وضربوه حتى الموت، فأحست الزوجة بالندم لزواجها من شاب مسلم، وقالت له في لحظة غضب "لولا أن أبني حمل اسمك ما قُتل"، وقالت له أيضاً: "قل للعالم كله إنك لست إرهابياً".

ولأنه يحبها، ولأن قدراته العقلية محدودة فقد فهم كلامها بشكل مباشر، وقرر أن يطارد الرئيس الأمريكي في كل مكان يذهب إليه ليبلغه رسالة واحدة يقول فيها: "أسمي خان.. وأنا لست إرهابيا".

ويواجه في رحلته تطرف الأمريكيين والمهاجرين المسلمين على حدٍ سواء، ويتعرف على أسرة مسيحية ويساهم في إنقاذها من الإعصار المدمر، في دلاله على أن على الإنسان أن لا يدع مجالاً للتمييز ضد الآخر، عند تقديم المساعدة والنجدة، فالكل أخوة في الإنسانية. وفكرة الفيلم لا تتوقف على التمييز ضد الآخرين بسبب دينهم أو لونهم أو شكلهم بل يتحدث أيضاً عن قبول المختلفين عنا من ذوي الاحتياجات الخاصة أو القدرات العقلية المختلفة كالتوحد.

والحقيقة أن الفيلم بمبدئه الإنساني السامي يعالج موضوعاً تعاني منه المجتمعات الإنسانية عموماً، فقد ضرب على الوتر الحساس، فمجتمعاتنا العربية و-المجتمع الفلسطيني نموذجاً-، كانت مضرباً في التسامح والتعايش بين المسحيين والمسلمين واليهود، وفي العقدين الماضيين بدأنا نلحظ مظاهر التدين الواضحة التي غزت مجتمعاتنا، والتي تطورت إلى حالة من التزمت الديني في الديانات الثلاثة، هذا التزمت الذي يبدو واضحاً ابتعاده الشديد عن مفهوم الديانات السماوية الثلاث وهو التسامح وقبول الآخر، وليس تكفيره لمجرد كونه على دين آخر، فكما يٌقال "الدين لله والوطن للجميع"، فهذه العنصرية ضد من نشترك وإياه في حب الوطن، هي السبب في تشرذمنا وضياعنا ووصلونا إلى التهلكة، فنحن نعاني من ظلم وعنصرية الاحتلال تجاه العرب والفلسطينيين، ولسنا بحاجة لأن زيد الطين بله ونوطد العنصرية بين بعضنا البعض، والتي لم تعد تقتصر على الحكم على الآخرين على أساس الدين، أو من مظهرهم الخارجي، أو مؤشرات دينهم كالحجاب أو الصليب أو غيرها، بل أيضاً على انتماءاتهم أو توجهاتهم السياسية التي باتت تشكل علامة فارقة في جوانب حياتنا بعد أن انقسم ما تبقى من الوطن إلى قسمين يسكنه فصيلين متقاتلين.

ولا يمكننا هنا أن لا نشير إلى طريقة التفكير المتطرفة في معظم الأحيان، التي تحكمها هذه العقلية الراديكالية التي باتت تتفشى في مجتمعنا العربي، والتي تتخذ لها من الدين غطاءً ومرجعاً، وتطلق على الآخرين أحكاماً بالصلاح أو الفساد، وتأخذ على عاتقها ضرورة تطبيق الممارسات والمظاهر الدينية، حتى وإن كان ذلك على حساب إلغاء العادات والتقاليد المجتمعية والعرف الاجتماعي بحجة أنها لا تتماشى مع هذا الدين الجديد، وهذه معضلة أخرى تقودنا إلى الاهتمام بالشكل والمظهر الخارجي للمجتمع، فيما تنخره المشاكل والمفاسد من الداخل.

وأذكر موقفاً حدث أمامي، عندما كنت أقف في الطابور بانتظار إتمام المعاملات على جسر الأردن، عندما تقدمت "مجموعة" الصفوف كلها دون اكتراث للأولوية، فاعترضت سيدة تقف خلفي على ما فعلوه، وبادرها رجل يقف أمامي قائلاً: "هؤلاء ليسوا مسلمين" مفترضاً أن كل سيئ يصدر من غير المسلمين، فأجابته مستغربة: "لا.. إنهم مسلمين ومسلمات يضعن الحجاب على رؤوسهن" – وهي نفسها مسلمة بدليل حجابها-، وهذا الموقف دليل واضح على أن السائد لدينا هو الحكم على الآخرين من مظاهرهم لا من أفعالهم، والدلائل المجتمعية على ذلك كثيرة.

هذه الجملة التي وردت في بداية الفيلم "البشر نوعان فقط: أخيار وأشرار"، هي مبدأ إنساني رائع لو أدركناه لأدركنا التخلف الذي نعيشه بسبب العنصرية وعدم قبول الآخر لمجرد أنه لا يشبهنا، ففي الاختلاف حكمة ورحمة.

و"فيلم "اسمي خان" هو بداية لتغيير أنفسنا، هذا هو العالم الذي خلقناه بأيدينا، إلا أن الوقت قد حان لنقوم بتغييره.. وقد تبدو هذه العبارة حالمة، إلا أننا يجب ألا نحكم على الآخرين من خلال مظهرهم أو دينهم." كما قال شاروخان.

هذا ما نريده، مجتمع صالح يُحترم فيه الإنسان لكونه إنساناً صالحاً...لا لشيء غير ذلك.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required