مفتاح
2024 . الأحد 30 ، حزيران
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

يعرض حالياً في شهر رمضان على قنوات التلفاز الفلسطينية والعربية المسلسل التلفزيوني "في حضرة الغياب" الذي يتناول حياة الشاعر الراحل محمود درويش. ويعد هذا الإنتاج الدرامي السوري العمل التلفزيوني الأول الذي يمثل حياة درويش، بحيث يجسد فترات من حياته مروراً بمختلف مراحله العمرية – من سن المراهقة إلى سنوات عمره الأخيرة وصراعه مع المرض، بما يشمل أيضاً انخراطه السياسي الوطني والثقافي الفكري، وبالإضافة لذلك، يتناول المسلسل علاقات الشاعر العاطفية وعلاقاته مع من حوله. ولكن حتى قبل البدء بعرضه، أثار العمل الدرامي موجة احتجاجية عارمة في أوساط المثقفين والفنانين الفلسطينيين؛ احتجاجا على عرض تلفزيون فلسطين ، واحتجاجا على العمل الدرامي ككل. ولكن لما كل هذا الجدل؟

بصفته عملاً درامياً، فمن المتوقع أن تأخذ أحداث المسلسل وتفاصيله منحىً درامياً في بعض الأحيان. وهذا لا يعني أن لا يكون العمل غير موثقاً أو موثوقاً به، نظراً للصورة التي سيرسلها عن الشخصية المجسدة فيه وخصوصاً إن كانت شخصية معروفة ولها مكانتها العريقة على أرض الواقع كشخصية محمود درويش. ولكن بالطبع، فالعمل الدرامي مختلف عن العمل الوثائقي الذي يتطلب الدقة الكاملة في المحتوى وفي العرض. ومع أن مسلسل "في حضرة الغياب" هو مسلسل درامي وليس عملاً وثائقياَ، إلا أن الكثيرين أثاروا جدلاً واسعاً حول هذا العمل قلباً وقالباً، أي محتوى المسلسل من سيناريو وأحداث، وطريقة عرض المسلسل من اختيار للبطل ونوعية التمثيل.

شاعر فلسطين محمود درويش غني عن التعريف. فسجلّه لا يزخر بالدواوين الشعرية الوطنية والعاطفية فحسب، بل أيضا بمشاركته السياسية النضالية فيما يخص القضية الفلسطينية. شاعر فلسطين أدهشنا وأدهش العالم بقصائده التي ترجمت إلى عشرات اللغات. هذه القصائد التي أوصلت صوت فلسطين للعالم كله، فأصبح العالم يرى القضية الفلسطينية من خلال قصائد درويش أيضاً، هو الذي حمل أرضه وقضيته من منفاه وأحياهما في شعره. ودائماً ما كانت قصائد درويش تسبقه إلينا منه، فنحن نعرف شاعر فلسطين من خلال قصائده وإطلالاته في أمسياته الشعرية. وبصفته شاعر فلسطين الكبير، والذي يعد من أهم الشعراء على المستوى العربي والعالمي، فمن الطبيعي السعي من أجل تمثيل هذه الشخصية وتجسيدها للناس، الأمر الذي سيعطي جمهور هذا الشاعر صورة أخرى إلى جانب الصورة التي اعتاد الناس عليها، وهذا سيشعر الناس وخصوصاً الفلسطينيين أنه كان بنا شاعر عظيم بحق، وبذلك ستقوى الرابطة التي يشعر بها كل فلسطيني تجاه محمود درويش.

ومن جانب آخر، تم الحكم على العمل قبل البدء ببثه، وهو الأمر غير العادل في حق هذا الإنتاج، وذلك بحجة أنه عمل ضعيف ولا يمت بشخصية محمود درويش بصلة. ولكن بصفتنا مشاهدين عاديين، فنحن لا نعرف الكثير المفصل عن شخصية محمود درويش، فلماذا كل من عرف الشاعر عن قرب لم يشارك في صياغة العمل أو حتى يبدأ في خط عمل يتناول حياة شاعرنا؟ فربما كل هذه الضجة الواسعة كانت نتيجة لعدم كوننا، نحن الفلسطينيون و"الأَولى" بتجسيد شخصية شاعر فلسطين، أول من بادرته الفكرة!

وأيضا، فإن العمل في طبعه ليس بهذا السوء ولكن طبعاً قابلاً للتحسين وللمزيد من البحث والتدقيق في حياة محمود درويش. فيعد مسلسل "في حضرة الغياب" أول قطرة من الغيث، فالمجال دائماً مفتوح للأفضل، بل وللمنافسة التي يكون في صلبها هدف واضح وهو إنتاج عمل ذو "مصداقية" أعلى وإن جاز التعبير.

فعلى مدى الأعوام، تناولت الدراما باختلاف جنسياتها سير ذاتية لشخصيات ينحني لها التاريخ احتراماً، وذلك من أجل إعطاء الناس صورة أقرب عن حياة تلك الشخصيات. فلم نعرف عن حياة أم كلثوم إلا من المسلسل الذي تناول حياتها وغيرها من الأمثال كشجرة الدر وكليوباترا وأسمهان والعديد من الشخصيات العالمية أيضاً. وبالطبع هذه الأعمال الدرامية، وإن لاقى معظمها جدلاً أو احتجاجاً، أكملت طرقها كأعمال درامية تحتمل جميع أوجه الارتجال والتمثيل والبحث في الشخصية المعروضة. ولكن مع هذا، استقبل الجمهور تلك الأعمال، بين مؤيد ومعارض، باحترام الصورة التي يرسمها المسلسل باعتبار ذلك احد وسائل التعبير عن الرأي.

محمود درويش شخصية عريقة، غابت عن حاضرنا ولكنها حاضرة بشعر محمود درويش. ولكن حياته ليست مكتوبة على ورقة برقم صفحة، أي أن المجال مفتوح للدراما بأن تأخذ مجراها، وطبعاً مع حفظ الخطوط العريضة التي يجب أن يلتزم بها أي عمل درامي، والخطوط الدقيقة التي تكفل احترام شخصية الشاعر وعدم المساس بها وبتاريخها بسوء من خلال أي فكرة ممكن أن تُمثل، وذلك من أجل المحافظة على خصوصيتها ومكانتها في الإطار الحقيقي والذي من المتوقع أن تأخذ به الدراما في أي عمل لسيرة ذاتية عن شخصية عالمية كمحمود درويش، والذي لربما تنبأ بالحدث وقال فيه مسبقاً:

"هذا البحرُ لي
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي
واسمي -
وإن أخطأتُ لفظ اسمي على التابوت -
لي .
أَما أَنا - وقد امتلأتُ
بكُلِّ أَسباب الرحيل -
فلستُ لي .
أَنا لَستُ لي
أَنا لَستُ لي..."

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required