مفتاح
2024 . الإثنين 1 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

قبل أسابيع قليلة انتهى طلبة التوجيهي من أهم مفصل في حياتهم ومستقبلهم الدراسي، وكلهم أمل أن تكون امتحانات الثانوية العامة هي العقبة الوحيدة أمامهم، لكن للأسف تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

أليس مؤسفاً بعد كل العناء والضغط النفسي والاجتماعي الذي تحمله طلبة التوجيهي، أن تضييق بهم جامعات الوطن، بل هل يعقل أن يضطر من حصل على معدل 90% في امتحان الثانوية العامة، أن يلتحق بكلية الهندسة في جامعة بيرزيت أو النجاح بنظام الموازي، أي ضعف القسط العادي والذي هو نفسه يتعذر على كثير من الأسر أن توفره.

الطلبة الذين يتوجب عليهم أن يحصوا على معدلات عالية للتسجيل في التخصصات التي يرغبونها، حيث أن هذا المعدل هو تذكرتهم الوحيدة للمستقبل، ينتهي الأمر بأكثر من نصفهم بأن يسجلوا في تخصصات لا يريدونها، ليبدأ فصل جديد من المأساة عند خروجهم إلى سوق العمل.

فيما يضطر أكثر من عشرة آلاف طالب وطالبة للالتحاق بالتعليم غير النظامي أو الحرمان من فرصة القبول في الجامعات المحلية، ناهيك عن كابوس الإقساط الجامعية التي أصبحت عقبة رئيسية تحول دون إكمال الكثير منهم لدراستهم الجامعية.

هذا كله يأتي وسط معاناة الأهل الذين يضطرون لأن يبذلوا كل غالِ ونفيس في سبيل تعليم أبنائهم حتى وإن اضطروا للاستدانة، حيث أن 43% من أرباب الأسر الفلسطينية غير قادرين على تأمين تكاليف التعليم.

فهل أصبح التعليم الجامعي رفاهية مُقتصرة على من يملكون – الموازي- ؟ بمعنى _ (على قد لحافك مد رجليك)- أم أن الجامعات تحولت إلى مؤسسات تجارية ربحية، أو ربما كان هذا الحل الوحيد لمواجهة أزمتها المالية؟، في ظل انعدام رقابة حقيقية من قبل وزارة التربية والتعليم العالي على الجامعات الفلسطينية، التي ترفع معدلات القبول سنة تلو الأخرى، مما يدفع بالكثيرين من أبنائنا للبحث عن فرصة التعليم في الخارج، إما بسبب عدم توفر القدرة المالية أو أن معدلهم لم يوفر لهم قبول الجامعات، وهذا لاشك ما هو إلا هدرٌ للمال والطاقة. وبدلاً من أن تقتصر المشكلة على إيجاد فرصة عمل بعد التخرج، تتحول المعضلة إلى إمكانية التحصيل الجامعي أو عدمه.

هل من المنطق في شيء أن من حصل على 86% في امتحان الثانوية العامة لا يمكن قبوله في كلية الهندسة في جامعة بيرزيت، ولا حتى بنظام الموازي؟؟ بل والأسوأ من ذلك أن هذا يأتي تحت ذريعة رفع مستوى الجامعة بعد أن جاءت في الترتيب الرابع من بين الجامعات الفلسطينية، والتي كانت الجامعة الإسلامية في غزة على رأسها، في حين جاءت جامعة النجاح الوطنية ثانياً، وجامعة القدس ثالثاً، مع العلم أن مستوى الجامعة المتميز يقاس بأساليب التدريس والتقنيات والكتب والأبحاث العلمية، وليس بأخذها لأعلى معدلات في الثانوية العامة.

أما آن الأوان لرد الاعتبار للعملية التعليمية بإلغاء امتحان التوجيهي، واعتماد امتحان قبول تحدده الجامعات لكل تخصص؟ إن المأزق الحقيقي في النظام التعليمي الجامعي هو أنه كما حال الكثير من القطاعات لدينا يعتمد على الدعم الخارجي، والذي في معظم أحواله يكون متقطع وغير منتظم وغير كافي، يضاف إلى ذلك أن النظام التعليمي في فلسطين بشكل عام غير مترابط ولا متراكم تبعاً للمراحل الدراسية، فما أن يصل الطلبة إلى الدراسة الجامعية حتى يشعروا بفجوة كبيرة ما بين التعليم المدرسي والجامعي، والذي في معظمة يستند لمناهج مستوردة من الدول المتقدمة، وضعت لتلبي حاجات ومشاكل تلك البلدان، وفي النهاية تجدنا تشتكي من عدم مواءمة التعليم مع سوق العمل، ونرتئي حل المشكلة برفع معدل القبول للكليات التي أُشبع منها السوق، وهكذا.

إن هذا التدني في المستوى التعليمي هو ترجمة واقعية لنمط التلقين السائد في مؤسسات التعليم، وهو انعكاس لأسلوب الحياة السياسية والاجتماعية السائدة، وانعدام العمل بمفهوم البحث العلمي والتجربة العملية.

والحقيقية أن المعلمين أنفسهم في غالبيتهم تتلمذوا على أسلوب التلقين، وبالتالي فاقد الشيء لا يعطيه، وهم بذلك ينتجون قوالب جاهزة من الطلبة وأنماط تفكير متشابهه لدى الخريجين، فتنعدم سبل الإبداع والابتكار والتميز وقدرتهم على العطاء وتحويل المعلومة إلى معرفة، وبالتالي تصبح المهارة الوحيدة التي يتمتع بها الطلبة عند ذهابهم للجامعة هي الحفظ. وهذا ما تثبته الإحصاءات التي تشير إلى أن 66% من المعلومات التي يحتويها المنهاج الفلسطيني نمطية وتقليدية، وإذا ما أردنا الحديث عن وضع المعلمين ورواتبهم فحدث ولا حرج.

ولطالما تباهى الفلسطينيون أنهم شعب متعلم وأن نسبة الأمية بين أفراد الشعب هي الأدنى بين الدول العربية، لكن الأهم هو الانتباه لنوع هذا التعليم وليس لكمه، وفي المقابل فإن النظام التعليمي بحاجة لإعادة النظر فيه، ومن غير المجدي القول أن الاهتمام بالشأن السياسي والوطني أولى من أي شيء آخر، إذ لا بد من العمل بالتوازي مع كافة المجالات.

وحيث أن ميزانيات الجامعات السنوية في الأراضي الفلسطينية تبلغ نحو 80 مليون دولار، تمثل الأقساط الجامعية المصدر الأساسي لتمويلها، إضافة إلى مساعدات مجلس التعليم العالي، ويؤدي صرف مخصصات الجامعات إلى نقص وعجز دائم في تغطية مصاريف الجامعات بنحو 25 مليون دولار.

إن كل ذلك بحاجة لوضع خطة إستراتيجية من قبل وزارة التربية والتعليم العالي لدعم الجامعات الفلسطينية بكافة السبل والإمكانيات ومحاولة تجنيد الدعم لها وتطويرها أكاديمياً وتقنياً وعمرانياً وتخصيص جزء من الموازنة العامة لها، ما من شأنه أن يكون لبنة لتأسيس جامعات جديدة، بغرض استيعاب كافة الطلبة ممن يستوفون شروط القبول الجامعي، بالإضافة إلى ضرورة تشجيع الطلبة على التوجه للتخصصات المهنية والصناعية.

ويتوجب على الجامعات الفلسطينية، أن تشارك في هذا الدعم الوطني، بوضع خطط للتخفيف من عبء هذه المعضلة والحد من تفاقمها مستقبلاً، ليبقى حق التعليم حقاً مكفولاً للجميع، فبالعلم والمعرفة يحمل الشباب على عاتقاه بناء وتطوير مجتمعه والارتقاء فيه، وهو السلاح الأقوى الذي يعزز صمودهم ويضمن تقدمهم، إذ لا خيار آخر غير ذلك، وكفى دليلاً على ذلك الكثير من تجارب العالم التي نهضت بنفسها ثقافياً واقتصادياً، فمن المعروف أن الفقر يتناسباً تناسبا ًعكسياً مع مستوى التعليم.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required