مفتاح
2024 . الإثنين 1 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

قبل أسبوعين على الأقل دعا منتدى المنظمات الأهلية الفلسطينية لمناهضة العنف ضد المرأة إلى محاكمة "صورية"، في محاكاة للحكم الذي برئ أماً قتلت أبنتها، على خلفية قضية سفاح القُربى، وجاء الحكم وفق قانون العقوبات الذي يعطي الحق "للآباء بتأديب أبنائهم"، فيما لم تستدع المحكمة أو تتعرض لأي من أبنيها الجناة والمغتصبين للضحية، ولا حتى المحرضين للأم القاتلة.

المحاكمة التي تمت بحضور عدد من مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات النسوية والحقوقية، بالإضافة إلى الإعلاميين، كانت بهدف إعلان رفضها للأحكام السابقة، المستندة إلى قانون الأحوال الشخصية المعمول به في الأراضي الفلسطينية، والذي يتساهل مع القاتل ويُجرم الضحية، بشكل أو بآخر، داعية لتغيير مثل هذه القوانين المجحفة والتي تشكل واحداً من أشكال التمييز القائم على أساس الجنس، الذي يتعارض مع المواثيق والصكوك الدولية وبشكل خاص ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والتي تمت المصادقة عليها من قبل الرئيس الفلسطيني، كما طالبت المؤسسات مجتمعة بحكم أكثر عدالة، وبتجريم عملية القتل بعيداً عن أي مبررات، ومحاكمة كل من المغتصبين والمحرضين على القتل .

فكم من الضحايا يجب أن ندفع ثمناً قبل أن تتحول المحاكمة الصورية إلى محاكمة حقيقة، تستند إلى قانون لا يحتكم إلى العادات والأعراف المجتمعية الرجعية، إذ لا يكاد يمر علينا عام دون أن نُفجع بمقتل فتيات بريئات، على يد أقرب الناس لهن، ممن تربطه بهن رابطة الدم، على خلفية ما يسمى "بالدفاع عن شرف العائلة"، في ظل تساهل قانوني يبرر هذه الفعلة المشينة، في صورة أشبه ما تكون بإطلاق الحرية بتنفيذ الأحكام من قبل الأفراد، دون الرجوع لأي قانون يحكم تصرفات المواطنين، وهذا هو بيت القصيد،فحتى وإن كانت الفتاة مخظئة-وهي في العادة برئية- فمن له الحق بإعدامها، دون محاكمة عادلة، أو حتى دون أن يفسح لهاالمجال بالدفاع عن نفسها .

كيف لا؟ وهو الذي يحكم على القاتل بالسجن لسنة أو أقل، بصورة أشد ما تكون استخفافاً بأرواح الفتيات، لمجرد كونهن لسن رجالاً، ما يعطي بتساهله وتسامحه تأييداً مبطناً للقاتل، بحيث لا يعدو يشكل أي رادع، لكل من تسول له نفسه بإنهاء حياة قريبته، لمجرد شكوك تراوده أو أقوايل مشبوهة تناقلها الناس، في حين تدفعه العائلة والمجتمع لتطهير شرفه الذي تندس، ولا يكون تطهير الشرف والبطولة إلا بغسل العار، وقتل الفتاة، وما هذا إلا هو العار نفسه!!، بل والأشد عجباً عندما تقابل محاولات تغيير هذا القانون، بمبررات واهية من قبل المسؤولين أنفسهم، من قبيل: أن تشديد العقوبة على القاتل، مدعاة لانحلال المجتمع بانحلال فتياته!!!

ألا يكون قتل النساء جزافاً، بقرار فردي، إجراماً وانحلالاً؟

وهذا ما يحدث عندما نحتكم للعادات والتقاليد والمورثات المجتمعية المتخلفة، البعيدة عن أي تشريعات إنسانية حقوقية أو حتى دينية سماوية، وما هي إلا دليل واضح وصريح على أننا ما ننفك نعيش في مجتمع ذكوري تحكمه السطوة والسلطة الأبوية.

فعوضاً عن كون المرأة الفلسطينية الضحية الأولى، للفقر والجهل والاحتلال الإسرائيلي، حيث تتعرض الفلسطينيات وبشكل يومي إلى انتهاكات جسيمة من قبل سلطات الاحتلال سواء قتلهن أو قتل أطفالهن وأزواجهن، أو تدمير وهدم لبيوتهن أو حتى تهجيرهن، يُضاف إلى كل ذلك العنف المجتمعي اتجاهها.

وقد عرض منتدى المنظمات الأهلية الفلسطينية لمناهضة العنف ضد المرأة خلال المحاكمة الصورية، تقريره السنوي والذي رصد جرائم العنف ضد النساء لعام 2009، وحسب إحصائيات المنتدى فقد قُتلت 11 امرأة على خلفية الشرف، منها 4 حالات في غزة و 7 في الضفة، أصغرهن 16 عام وأكبرهن 50 عام، والرقم في ازدياد حيث طالعتناهذا الأسبوع جريمة جديدة في قطاع غزة.

أرواحٌ أُزهقت دون أي وجه حق، ولن يُكتفى بها!

وعلى الرغم من مصادقة الرئيس الفلسطيني على اتفاقية إلغاء كافة مظاهر التمييز ضد المرأة (سيداو)، واعتباره القتل على خلفية الشرف جريمة، -وإن كانت خطوات إيجابية-، إلا أن هذه القضية مازالت تراوح مكانها في مجتمعنا الفلسطيني، حيث أن الأهم من ذلك هو ترجمة هذه الخطوة بإحداث تغيير في التشريعات والقوانين الواردة في قانون العقوبات الأردني رقم 16 لعام 1960 بالذات المادة 340و 62 والتي تتعامل بالعذر المخفف، وضرورة وضع نصوص قانونية تتعامل مع جرائم قتل النساء كجريمة متعمدة، وتطبيق هذه الاتفاقية في كافة اللوائح والأنظمة المعمول بها من قبل مؤسسات السلطة .

كما يتوجب على مختلف المؤسسات الحكومية والأهلية والأطر والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام العمل دعم وتضافر الجهود من أجل أن يتضمن القانون الأساسي نصاً صريحاً لحماية النساء والأسرة من العنف ، يتم على أساسه تشريع قانون حماية الأسرة من العنف، لعل وعسى أن تتغير المفاهيم المجتمعية الخاطئة، والتي دفعت النساء ومازلن يدفعن أرواحهن، ثمنا ً لها، فمتى يكتفي المجتمع من دم المرأة مقابل شرفه المزعوم؟.

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required