مفتاح
2024 . الإثنين 1 ، تموز
 
مفتاحك إلى فلسطين
The Palestinian Initiatives for The Promotoion of Global Dialogue and Democracy
 
الرئيسة
 
 
 
 
 
 
 
 
English    
 
 

مارينا شابة ألمانية وجدتها تعمل في مدرسة طاليثا قومي كمتطوعة، توفر المدرسة لها الأكل والمبيت وهي بدورها تساعد إدارة المدرسة في المهام التي توكل إليها من ترتيب وإشراف وما شابه. وعندما سألت ابنة التاسعة عشرة عن سبب تطوعها هنا في فلسطين، قالت إنها تحب أن تشعر بأنها تقدم شيئا صالحا للمجتمع، وبأنها تضيف لمهاراتها الكثير من خلال تلك التجربة التي تعلمها الصبر والاعتماد على الذات. وأضافت: "فرحي كبير عندما أعلم الأطفال العزف على آلة الكمان وأرى ردة فعلهم، هذا يشعرني بالفرح وبأهمية دوري."

وفي المقابل الفلسطيني لقصة مارينا، شباب اجتمعوا ضمن مجموعة اطلقوا عليها اسم "Pal Ideas" بادروا من خلالها بالتطوّع لدهان الدّرج الأطول في رام الله، ولوّن 20 شابا وشابة الدرجات الـ110 بألوان مبهجة في أول مشروع لهم ضمن خططهم لتطوير المدينة وخدمة المجتمع المحلي الذي يعيشون فيه. نشاط يأتي بين عدة مبادرات طموحة استفاد أصحابها من مواقع التواصل الاجتماعي كالـ"Facebook" للتجمع، فقد شكلت تلك المواقع ظرفا مساعداً للشباب للالتقاء حول الموضوعات المختلفة والمبادرة لتنفيذها.

وكون الأعمال التطوعية وخدمة المجتمع هي أعمال نبيلة عادةً ما تتجلى في أيام الكوارث الطبيعية والحروب، فغريب أن يبقى ذلك الفعل عند شعب محتل، أسيرَ مبادرات فردية أو مؤسسات قليلة تنادي للاهتمام به. والأغرب أن ترتبط مسألة التطوع والخدمة الوطنية بتقديم "المقابل"، فسواء كان ذلك المقابل ماديا مباشرا أو غير مباشر، تجد الكثير يهمس من تحت الطاولة: ماذا سأستفيد؟ ولماذا أساعد مجانا؟

زميلة جامعية لي كانت كثيرة الشكوى من انشغالها الكبير في التطوع لإحدى المؤسسات، لأكتشف بعد ذلك أنها تعبت من مبلغ 1200 شيقل شهريا، وتعتبر أنها تستحق أكثر من ذلك لقاء عملها التطوعي. إذاً فقد بدأت بعض المؤسسات بمخاطبة تلك القضية بدفع مخصصات مالية شهرية للأشخاص المتطوعين وكأنهم موظفون بدوام جزئي تحت غطاء التطوع.

ويخشى أن تسبب أفعال كتلك في تهديد مفهوم التطوع كمبدأ وروحه التشاركية التي تهدف بالأساس إلى التسامي على الذاتية وتعزيز المفهوم الجمعي وواجب الفرد في خدمة بيئته المحيطة، ناهيك عما يسببه ربط المعونة بالمال من تفكيك الروابط الإنسانية بين أفراد المجتمع وتحويلها إلى مادية بحتة.

كلما يجلس الجيل الشاب مع أفراد من الجيل الذي سبقه خاصة طلبة أو أساتذة السبعينات والثمانينات يجدهم يتذكرون أيام "العونة" بفرحة خاصة، ويحدثونك عن مواسم الحصاد وقطف الزيتون عندما كان الشبان يخرجون للقرى والبلدات لمساعدة أهلها عبر قطف محصولهم، أو يخبرونك عن مهاراتهم التي تطورت بعد تأسيسهم وانضمامهم لجمعيات يكرسون فيها وقتهم وجهدهم ومالهم أيضا دون مقابل مادي.

ويرجع الكثير منهم السبب في عدم انخراط الشباب في التطوع والتعاون اليوم إلى ضعف التربية التي تشجع الأطفال على ذلك منذ صغرهم، وانحسار ثقافة العطاء وخدمة البيئة المحيطة بشكل عام، فالكثير منهم يكرر كلمة: "نحن تربّينا على فكرة التطوع."

ولذا ظهرت في الآونة الأخيرة مشاريع أفكار وطروحات لاعتماد برنامج الخدمة المدنية الإلزامية، في خطوة تهدف لتكريس دور الشباب وتفعيل مشاركتهم من جهة، والاستفادة المجتمعية من طاقاتهم من جهة أخرى. ولاشك أن العمل المؤسسي سيسهم في تجميع الطاقات المبعثرة، لكن المؤسف هو أن يكون الإلزام هو الطريق الوحيد لمعظم الشباب للمشاركة في التطوع لخدمة مجتمعهم.

إعادة إحياء روح التعاون والتكاتف الاجتماعي تبدأ بالإدراك بأن أمما كثيرة تقدس طاقات الشباب، وبالنسبة لشعب يمثل الشباب فيه حوالي 37% من عدد سكانه، لنا أن نتخيل ما سيعنيه تجميع تلك المواهب والطاقات في هدف واحد. ولتحقيق هدف المستقبل الأفضل، من المهم أن يدرك كل فرد أنه مجندٌ للدفاع عن الصالح العام، وأنه صانع أساسي لمستقبل ستحاسبه عليه الأجيال القادمة، خاصة إذا ما فشل في تحقيقه لأن أبناءه لم يعرفوا أهمية الارتباط ومعاونة بعضهم بعضا.

نداء ابراهيم هي كاتبة في دائرة الإعلام والمعلومات في المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية-مفتاح. يمكن الاتصال بها عن طريق البريد الالكتروني:mid@miftah.org

 
 
اقرأ المزيد...
 
 
لنفس الكاتب
 
Footer
اتصل بنا
العنوان البريدي:
صندوق بريد 69647
القدس
عمارة الريماوي، الطابق الثالث
شارع ايميل توما 14
حي المصايف، رام الله
الرمز البريدي P6058131

فلسطين
972-2-298 9490/1
972-2-298 9492
info@miftah.org
للانضمام الى القائمة البريدية
* indicates required